Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 159-166)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَمِن قَوْمِ مُوسَى } لما قص الله علينا ما وقع من السامريّ وأصحابه ، وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين ، قص علينا سبحانه أن قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدّم ذكرهم ، ووصفهم بأنهم { يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ } أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق { وَبِهِ } أي بالحق { يَعْدِلُونَ } بين الناس في الحكم . وقيل هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم منهم . قوله { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا } الضمير يرجع إلى قوم موسى المتقدّم ذكرهم ، لا إلى هؤلاء الأمة منهم الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، والمعنى صيرناهم قطعاً متفرّقة ، وميزنا بعضهم من بعض . وهذا من جملة ما قصه الله علينا من النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل ، والمعنى أنه ميز بعضهم من بعض حتى صاروا أسباطاً كل سبط معروف على انفراده لكل سبط نقيب ، كما في قوله تعالى { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً } المائدة 12 وقد تقدّم ، وقوله { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } هو ثاني مفعولي { قطعنا } لتضمنه معنى التصيير . و { أسباطاً } تمييز له أو بدل منه . و { أُمَمًا } نعت للأسباط أو بدل منه . والأسباط جمع سبط وهو ولد الولد ، صاروا اثنتي عشرة أمة من اثني عشر ولداً ، وأراد بالأسباط القبائل ، ولهذا أنث العدد ، كما في قول الشاعر @ وإن قريشاً كلها عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر @@ أراد بالبطن القبيلة . وقد تقدّم تحقيق معنى الأسباط في البقرة الآية 58 . وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ " قطعناهم " مخففاً ، وسماهم أمماً ، لأن كل سبط كان جماعة كثيرة العدد ، وكانوا مختلفي الآراء يؤمّ بعضهم غير ما يؤمه الآخر . { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى إِذِ ٱسْتَسْقَـٰهُ قَوْمُهُ } أي وقت استسقائهم له لما أصابهم العطش في التيه { أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } تفسير لفعل الايحاء { فَٱنبَجَسَتْ } عطف على مقدّر يدل عليه السياق ، أي فضرب فانبجست ، والانبجاس الانفجار ، أي فانفجرت { مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } بعدد الأسباط ، لكل سبط عين يشربون منها { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } أي كل سبط منهم العين المختصة به التي يشرب منها . وقد تقدّم في البقرة ما فيه كفاية مغنية عن الإعادة . { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَـٰمَ } أي جعلناه ظللاً عليهم في التيه ، يسير بسيرهم ويقيم بإقامتهم { وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } أي الترنجبين والسماني كما تقدّم تحقيقه في البقرة { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي وقلنا لهم كلوا من المستلذات التي رزقناكم { وَمَا ظَلَمُونَا } بما وقع منهم من المخالفة وكفران النعم وعدم تقديرها حق قدرها { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي كان ظلمهم مختصاً بهم مقصوراً عليهم ، لا يجاوزهم إلى غيرهم . { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } أي واذكر وقت قيل لهم هذا القول وهو { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } أي بيت المقدس أو أريحاء . وقيل غير ذلك مما تقدم بيانه { وَكُلُواْ مِنْهَا } أي من المأكولات الموجودة فيها { حَيْثُ شِئْتُمْ } أي في أيّ مكان شئتم من أمكنتها ، لا مانع لكم من الأكل فيه { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } قد تقدم تفسيرها في البقرة الآية 58 { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ } أي باب القرية المتقدمة حال كونكم { سُجَّدًا } أمروا بأن يجمعوا بين قولهم { حطة } وبين الدخول ساجدين . فلا يقال كيف قدّم الأمر بالقول هنا على الدخول وأخّره في البقرة ؟ وقد تقدّم بيان معنى السجود الذي أمروا به { نَغْفر لَكُمْ خَطِيئَـٰتِكُمْ } جواب الأمر ، وقرىء " خَطِيتِكُمْ " ، ثم وعدهم بقوله { سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي سنزيدهم على المغفرة للخطايا بما يتفضل به عليهم من النعم . والجملة استئنافية جواب سؤال مقدّر كأنه قيل فماذا لهم بعد المغفرة ؟ { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِى قِيلَ لَهُمْ } قد تقدّم بيان ذلك في البقرة الآية 59 { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مّنَ ٱلسَّمَاء } أي عذاباً كائناً منها { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } أي بسبب ظلمهم . قوله { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } معطوف على عامل إذ المقدّر ، أي اذكر إذ قيل لهم واسألهم ، وهذا سؤال تقريع وتوبيخ ، والمراد من سؤال القرية سؤال أهلها ، أي اسألهم عن هذا الحادث الذي حدث لهم فيها المخالف لما أمرهم الله به . وفي ضمن هذا السؤال فائدة جليلة ، وهي تعريف اليهود بأن ذلك مما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن اطلاعه لا يكون إلا بإخبار له من الله سبحانه ، فيكون دليلاً على صدقه . واختلف أهل التفسير في هذه القرية أيّ قرية هي ؟ فقيل أيلة . وقيل طبرية . وقيل مدين . وقيل إيليا . وقيل قرية من قرى ساحل الشام التي كانت حاضرة البحر ، أي التي كانت بقرب البحر . يقال كنت بحضرة الدار ، أي بقربها . والمعنى سل يا محمد هؤلاء اليهود الموجودين عن قصة أهل القرية المذكورة . قرىء { واسألهم } وقرىء « سلهم » . { إِذْ يَعْدُونَ } أي وقت يعدون ، وهو ظرف لمحذوف دلّ عليه الكلام ، لأن السؤال هو عن حالهم وقصتهم وقت يعدون . وقيل إنه ظرف لـ { كانت } أو لـ { حاضرة } . وقرىء « يُعِدُّون » بضم الياء وكسر العين وتشديد الدال من الإعداد للآلة . وقرأ الجمهور { يعدون } بفتح الياء وسكون العين وضم الدال مخففة ، أي يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت الذي نهوا عن الاصطياد فيه . وقرىء « يعدّون » بفتح الياء والعين وضم الدال مشدّدة بمعنى يعتدون ، أدغمت التاء في الدال . والسبت هو اليوم المعروف وأصله السكون . يقال سبت إذا سكن وسبت اليهود تركوا العمل في سبتهم ، والجمع أسبت ، وسبوت ، وأسبات ، وقرأ ابن السمفع في « الأسبات » على الجمع . { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ } ظرف لـ { يعدون } . والحيتان جمع حوت ، وأضيفت إليهم لمزيد اختصاص لهم بما كان منها على هذه الصفة من الإتيان يوم السبت دون ما عداه . و { يَوْمَ سَبْتِهِمْ } ظرف لـ { تأتيهم } . وقرىء « يوم أسباتهم » و { شُرَّعًا } حال ، وهو جمع شارع ، أي ظاهرة على الماء . وقيل رافعة رؤوسها . وقيل إنها كانت تشرع على أبوابهم كالكباش البيض . قال في الكشاف يقال شرع علينا فلان إذا دنى منا وأشرف علينا ، وشرعت على فلان في بيته فرأيته يفعل كذا انتهى . { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } أي لا يفعلون السبت ، وذلك عند خروج يوم السبت لا تأتيهم الحيتان ، كما كانت تأتيهم في يوم السبت { كَذٰلِكَ نَبْلُوهُم } أي مثل ذلك البلاء العظيم نبلوهم بسبب فسقهم . والابتلاء الامتحان والاختبار . { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ } معطوف على { إذ يعدون } معمول لعامله ، داخل في حكمه . والأمة الجماعة ، أي قالت جماعة من صلحاء أهل القرية لآخرين ممن كان يجتهد في وعظ المتعدّين في السبت حين أيسوا من قبولهم للموعظة ، وإقلاعهم عن المعصية { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } أي مستأمل لهم بالعقوبة { أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا } بما انتهكوا من الحرمة ، وفعلوا من المعصية ، وقيل إن الجماعة القائلة { لم تعظون قوماً } ؟ هم العصاة الفاعلون للصيد في يوم السبت ، قالوا ذلك للواعظين لهم حين وعظوهم . والمعنى إذا علمتم أن الله مهلكنا كما تزعمون فلم تعظوننا ؟ { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } أي قال الواعظون للجماعة القائلين لهم { لم تعظون } ، وهم طائفة من صلحاء القرية على الوجه الأوّل ، أو الفاعلين على الوجه الثاني { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } قرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف { مَعْذِرَةً } بالنصب ، وهي قراءة حفص عن عاصم ، وقرأ الباقون بالرفع . قال الكسائي ونصبه على وجهين أحدهما على المصدر ، والثاني على تقدير فعلنا ذلك معذرة ، أي لأجل المعذرة . والرفع على تقدير مبتدأ أي موعظتنا معذرة إلى الله ، حتى لا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اللذين أوجبهما علينا ، ولرجاء أن يتعظوا فيتقوا ويقلعوا عما هم فيه من المعصية . قال جمهور المفسرين إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق فرقة عصت وصادت وكانت نحو سبعين ألفاً ، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تعص ، وفرقة اعتزلت ونهت ولم تعص ، فقالت الطائفة التي لم تنه ولم تعص للفرقة الناهية { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا } يريدون الفرقة العاصية { ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ } قالوا ذلك على غلبة الظنّ لما جرت به عادة الله من إهلاك العصاة أو تعذيبهم ، من دون استئصال بالهلاك ، فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله ولعلهم يتقون . ولو كانوا فرقتين فقط ناهية غير عاصية ، وعاصية لقال لعلكم تتقون . قوله { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } أي لما ترك العصاة من أهل القرية ما ذكرهم به الصالحون الناهون عن المنكر ، ترك الناسي للشيء المعرض عنه كلية الإعراض { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء } أي الذين فعلوا النهي ، ولم يتركوه { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وهم العصاة المعتدون في السبت { بِعَذَابِ بَئِيس } أي شديد من بؤس الشيء يبؤس بأساً إذا اشتد ، وفيه إحدى عشرة قراءة ، للسبعة وغيرهم { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } أي بسبب فسقهم ، والجار والمجرور متعلق بأخذنا { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ } أي تجاوزوا الحد في معصية الله سبحانه تمرّداً وتكبراً { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً } أي أمرناهم أمراً كونياً لا أمراً قولياً ، أي مسخناهم قردة . قيل إنه سبحانه عذبهم أوّلاً بسبب المعصية ، فلما لم يقلعوا مسخهم قردة . وقيل إن قوله { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ } تكرير لقوله { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } للتأكيد والتقرير ، وأن المسخ هو العذاب البئيس ، والخاسىء الصاغر الذليل أو المباعد المطرود ، يقال خسأته فخسىء ، أي باعدته فتباعد . واعلم أن ظاهر النظم القرآني هو أنه لم ينجح من العذاب إلا الفرقة الناهية التي لم تعص لقوله { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء } وأنه لم يعذب بالمسخ إلا الطائفة العاصية لقوله { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـٰسِئِينَ } فإن كانت الطوائف منهم ثلاثاً كما تقدّم ، فالطائفة التي لم تنه ولم تعص يحتمل أنها ممسوخة مع الطائفة العاصية لأنها قد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي ، وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر . ويحتمل أنها لم تمسخ ، لأنها وإن كانت ظالمة لنفسها عاتية عن أمر ربها ونهيه ، لكنها لم تظلم نفسها بهذه المعصية الخاصة ، وهي صيد الحوت في يوم السبت ، ولا عتت عن نهيه لها عن الصيد . وأما إذا كانت الطائفة الثالثة ناهية كالطائفة الثانية ، وإنما جعلت طائفة مستقلة لكونها قد جرت المقاولة بينها وبين الطائفة الأخرى من الناهين المعتزلين ، فهما في الحقيقة طائفة واحدة لاجتماعهما في النهي والاعتزال والنجاة من المسخ . وقد أخرج الفريابي ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال قال موسى يا ربّ أجد أمة أناجيلهم في قلوبهم ، قال تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد . قال يا ربّ أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارات لما بينهنّ ، قال تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد . قال يا ربّ أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم ، فيأكلون ، قال تلك أمة بعدك أمة أحمد . قال يا ربّ اجعلني من أمة أحمد . فأنزل الله كهيئة المرضاة لموسى { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج ، في قوله { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ } الآية ، قال بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم ، وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً ، تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا ، وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقاً في الأرض ، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا . قال ابن جريج قال ابن عباس فذلك قوله { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } الإسراء 104 ووعد الآخرة عيسى ابن مريم . قال ابن عباس ساروا في السرب سنة ونصفاً . أقول ومثل هذا الخبر العجيب والنبأ الغريب محتاج إلى تصحيح النقل . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة . وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة ، ولتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ، فأما اليهود فإن الله يقول { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } فهذه التي تنجو . وأما النصارى فإن الله يقول { مّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } المائدة 66 فهذه التي تنجو . وأما نحن فيقول { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } الأعراف 181 فهذه التي تنجو من هذه الأمة . وقد قدّمنا أن زيادة " كلها في النار " لم تصح لا مرفوعة ولا موقوفة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { فَٱنبَجَسَتْ } قال فانفرجت . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة قال دخلت على ابن عباس ، وهو يقرأ هذه الآية { وَاسأَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } قال يا عكرمة هل تدري أيّ قرية هذه ؟ قلت لا ، قال هي أيلة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الزهري قال هي طبرية . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قله { إِذْ يَعْدُونَ فِى ٱلسَّبْتِ } قال يظلمون . وأخرج ابن جرير ، عنه ، في قوله { شُرَّعًا } يقول من كل مكان . وأخرج ابن جرير ، عنه ، أيضاً قال ظاهرة على الماء . وأخرج ابن المنذر ، عنه ، قال واردة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، في الآية قال هي قرية على شاطىء البحر بين مصر والمدينة ، يقال لها أيلة ، فحرّم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها ، فمكثوا كذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غياً ، فقالت طائفة من النهاة يعلمون أن هؤلاء قوم حق عليهم العذاب { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } وكانوا أشدّ غضباً من الطائفة الأخرى ، وكل قد كانوا ينهون ، فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا { لِمَ تَعِظُونَ } والذين قالوا { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان ، فجعلهم قردة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عنه ، أنهم ثلاث فرق فرقة العصاة ، وفرقة الناهون وفرقة القائلين { لم تعظون } فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم ، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم ، وقد باتوا من ليلتهم ، وغلقوا عليهم دورهم ، فجعلوا يقولون إن للناس لشأناً فانظروا ما شأنهم ؟ فاطلعوا في دورهم ، فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه ، وإنه لقرد ، والمرأة بعينها وإنها لقردة . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فذكر القصة ، وفي آخرها أنه قال فأرى الذين نهوا قد نجوا ، ولا أرى الآخرين ذكروا . ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها . قال عكرمة فقلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم . وقالوا { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } قال فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، أيضاً قال نجا الناهون وهلك الفاعلون ، ولا أدري ما صنع بالساكتين . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عنه قال والله لأن أكون علمت أن القوم الذين قالوا { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا } نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحبّ إلي مما عدل به . وفي لفظ من حمر النعم ، ولكن أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة ، قال قال ابن عباس ما أدري أنجا الذين قالوا { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } أم لا ؟ قال فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة . وأخرج عبد بن حميد ، عن ليث بن أبي سليم ، قال مسخوا حجارة الذين قالوا { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { بِعَذَابِ بَئِيس } قال أليم وجيع .