Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 167-170)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } معطوف على ما قبله ، أي واسألهم وقت تأذن ربك ، وتأذن تفعل من الأيذان ، وهو الإعلام . قال أبو علي الفارسي آذن بالمد أعلم ، وأذّن بالتشديد نادى . وقال قوم كلاهما بمعنى أعلم ، كما يقال أيقن وتيقن ، والمعنى في الآية واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } قيل وفي هذا الفعل معنى القسم كعلم الله ، وشهد الله ، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم ، حيث قال { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } أي ليرسلنّ عليهم ، ويسلطن ، كقوله { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } الإسراء 5 { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } غاية لسومهم سوء العذاب ممن يبعثه الله عليهم ، وقد كانوا أقمأهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدي أهل الملل ، وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية ، في كل قطر من أقطار الأرض ، في الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار ، يسلمون الجزية بحقن دمائهم ، ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التي يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار . ومعنى { يَسُومُهُمْ } يذيقهم . وقد تقدّم بيان أصل معناه ، ثم علل ذلك بقوله { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } يعاجل به في الدنيا كما وقع لهؤلاء { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير الغفران والرحمة . { وَقَطَّعْنَـٰهُمْ فِي ٱلأرْضِ } أي فرّقناهم في جوانبها ، أو شتتنا أمرهم ، فلم تجتمع لهم كلمة ، و { أُمَمًا } منتصب على الحال ، أو مفعول ثان لقطعنا ، على تضمينه معنى صيرنا ، وجملة { مّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ } بدل من { أمماً } ، قيل هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن مات قبل البعثة المحمدية غير مبدّل . وقيل هم الذين سكنوا وراء الصين كما تقدّم بيانه قبل هذا { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } أي دون هذا الوصف الذي اتصفت به الطائفة الأولى وهو الصلاح ، ومحل { دُونِ ذَلِكَ } الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير ومنهم أناس دون ذلك ، والمراد بهؤلاء هم من لم يؤمن ، بل انهمك في المخالفة لما أمره الله به . قال النحاس { دُونِ } منصوب على الظرف ، ولا نعلم أحداً رفعه { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ } أي امتحناهم بالخير والشرّ رجاء أن يرجعوا مما هم من الكفر والمعاصي . { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } المراد بهم أولاد الذين قطعهم الله في الأرض . قال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد ، الواحد والجمع سواء . والخلف بفتح اللام البدل ولداً كان أو غيره . وقال ابن الأعرابي الخلف بالفتح الصالح ، وبالسكون الطالح . قال لبيد @ ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب @@ ومنه قيل للرديء من الكلام خلف بالسكون ، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ، ومنه قول حسان ابن ثابت @ لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لأوّلنا في طاعة الله تابع @@ { وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة من أسلافهم يقرءونها ولا يعملون بها { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } أخبر الله عنهم بأنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدّة حرصهم وقوّة نهمتهم ، والأدنى مأخوذ من الدنوّ ، وهو القرب ، أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى ، وهو الدنيا يتعجلون مصالحها بالرشاء ، وما هو مجعول لهم من السحت في مقابلة تحريفهم لكلمات الله ، وتهوينهم للعمل بأحكام التوراة ، وكتمهم لما يكتمونه منها . وقيل إن الأدنى مأخوذ من الدناءة والسقوط ، أي إنهم يأخذون عرض الشيء الدنيء الساقط . { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } أي يعللون أنفسهم بالمغفرة ، مع تماديهم في الضلالة ، وعدم رجوعهم إلى الحق . وجملة { يَأْخُذُونَ } يحتمل أن تكون مستأنفة لبيان حالهم ، أو في محل نصب على الحال . وجملة { يَقُولُونَ } معطوفة عليها ، والمراد بهذا الكلام التقريع والتوبيخ لهم ، وجملة { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } في محل نصب على الحال ، أي يتعللون بالمغفرة ، والحال أنهم إذا أتاهم عرض مثل العرض الذي كانوا يأخذونه أخذوه غير مبالين بالعقوبة ، ولا خائفين من التبعة . وقيل الضمير في { يَأْتِهِمْ } ليهود المدينة ، أي وإن يأت هؤلاء اليهود الذين هم في عصر محمد صلى الله عليه وسلم عرض مثل العرض الذي كان يأخذه أسلافهم ، أخذوه كما أخذه أسلافهم . { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي التوراة { أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ الْحَقّ } والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، وجملة { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } معطوفة على { يُؤْخَذْ } على المعنى ، وقيل على { وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ، والأولى أن تكون في محل نصب على الحال بتقدير قد . والمعنى أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب ، والحال أن قد درسوا ما في الكتاب وعلموه ، فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل ، وذلك أشدّ ذنباً وأعظم جرماً . وقيل معنى { َدَرَسُوا مَا فِيهِ } أي محوه بترك العمل به والفهم له ، من قولهم درست الريح الآثار إذا محتها . { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ } من ذلك العرض الذي أخذوه وآثروه عليها { لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الله ، ويجتنبون معاصيه { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فتعلمون بهذا وتفهمونه ، وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره . قوله { وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } قرأ الجمهور { يمسكون } بالتشديد من مسك وتمسك ، أي استمسك بالكتاب ، وهو التوراة . وقرأ أبو العالية ، وعاصم ، في رواية أبي بكر ، بالتخفيف من أمسك يمسك . وروي عن أبيّ بن كعب أنه قرأ « مسكوا » والمعنى أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب ، ولا يعملون بما فيه ، مع كونهم قد درسوه وعرفوه ، وهم من تقدّم ذكره . وطائفة يتمسكون بالكتاب ، أي التوراة ويعملون بما فيه ، ويرجعون إليه في أمر دينهم ، فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله ، والموصول مبتدأ . و { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } خبره ، أي لا نضيع أجر المصلحين منهم ، وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة في سائر العبادات التي يفعلها المتمسكون بالتوراة ، لأنها رأس العبادات وأعظمها ، فكان ذلك وجهاً لتخصيصها بالذكر . وقيل لأنها تقام في أوقات مخصوصة ، والتمسك بالكتاب مستمرّ ، فذكرت لهذا وفيه نظر . فإن كل عبادة في الغالب تختصّ بوقت معين ، ويجوز أن يكون الموصول معطوفاً على الموصول الذي قبله ، وهو { للذين يتقون } ، وتكون { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } جملة معترضة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله { يَسُومُهُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } قال محمد وأمته إلى يوم القيامة وسوء العذاب الجزية . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، قال { سُوء ٱلْعَذَابِ } الخراج . وفي قوله { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ } قال هم اليهود بسطهم الله في الأرض ، فليس منها بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، في قوله { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } قال على اليهود والنصارى { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، يأخذون منهم الجزية ، وهم صاغرون { وَقَطَّعْنَـٰهُمْ فِي ٱلأرْضِ أُمَمًا } قال يهود { مّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ } وهم مسلمة أهل الكتاب { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } قال اليهود { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ } قال الرخاء والعافية { وَٱلسَّيّئَاتِ } قال البلاء والعقوبة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ } بالخصب والجدب . وأخرج أبو الشيخ ، عنه ، أنه سئل عن هذه الآية { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأدْنَىٰ } قال أقوام يقبلون على الدنيا ، فيأكلونها ، ويتبعون رخص القرآن { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ولا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } قال النصارى { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأدْنَىٰ } قال ما أشرف لهم من شيء من الدنيا حلالاً أو حراماً يشتهونه أخذوه ، ويتمنون المغفرة ، وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } الآية يقول يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي زيد ، في قوله { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } قال علموا ما في الكتاب ، لم يأتوه بجهالة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، في قوله { وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } قال هي لأهل الإيمان منهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } قال من اليهود والنصارى .