Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-178)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱتْلُ } معطوف على الأفعال المقدّرة في القصص السابقة وإيراد هذه القصة منه سبحانه ، وتذكير أهل الكتاب بها ، لأنها كانت مذكورة عندهم في التوراة . وقد اختلف في هذا الذي أوتي الآيات { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } فقيل هو بلعم بن باعوراء ، وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة . وقيل كان قد أوتي النبوّة ، وكان مجاب الدعوة ، بعثه الله إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان ، فأعطوه الأعطية الواسعة ، فاتبع دينهم ، وترك ما بعث به ، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل لقتال الجبارين ، سأل الجبارون بلعم بن باعوراء أن يدعو على موسى ، فقام ليدعو عليه فتحوّل لسانه بالدعاء على أصحابه ، فقيل له في ذلك فقال لا أقدر على أكثر مما تسمعون . واندلع لسانه على صدره ، فقال قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة ، وسأمكر لكم ، وإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم ، فإن الله يبغض الزنا ، فإن وقعوا فيه هلكوا ، فوقع بنو إسرائيل في الزنا ، فأرسل الله عليهم الطاعون ، فمات منهم سبعون ألفاً . وقيل إن هذا الرجل اسمه باعم ، وهو من بني إسرائيل . وقيل المراد به أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك ، فلما أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به . وقيل هو أبو عامر بن صيفي وكان يلبس المسوح في الجاهلية ، فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل نزلت في قريش آتاهم الله آياته التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا بها . وقيل نزلت في اليهودوالنصارى ، انتظروا خروج محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به . قوله { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } أي من هذه الآيات التي أوتيها ، كما تنسلخ الشاة عن جلدها ، فلم يبق له بها اتصال { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } عند انسلاخه عن الآيات ، أي لحقه فأدركه ، وصار قريناً له ، أو فأتبعه خطواته ، وقرىء « فاتبعه » بالتشديد بمعنى تبعه { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } المتمكنين في الغواية وهم الكفار . قوله { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا } الضمير يعود إلى الذي أوتي الآيات ، والمعنى لو شئنا رفعه بما آتيناه من الآيات لرفعناه بها ، أي بسببها ، ولكن لم نشأ ذلك لانسلاخه عنها ، وتركه للعمل بها . وقيل المعنى ولو شئنا لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة بها ، أي بالعمل بها { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } أصل الإخلاد اللزوم ، يقال أخلد فلان بالمكان إذا قام به ولزمه ، والمعنى هنا أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها ، وآثرها على الآخرة { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } أي اتبع ما يهواه ، وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله ، وهو حطام الدنيا . وقيل كان هواه مع الكفار . وقيل اتبع رضا زوجته ، وكانت هي التي حملته على الانسلاخ من آيات الله . قوله { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } أي فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها منحطاً إلى أسفل رتبة ، مشابهاً لأخس الحيوانات في الدناءة مماثلاً له في أقبح أوصافه ، وهو أنه يلهث في كلا حالتي قصد الإنسان له وتركه . فهو لاهث سواء زجر أو ترك ، طرد أو لم يطرد ، شدّ عليه أو لم يشد عليه ، وليس بعد هذا في الخسة والدناءة شيء ، وجملة { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } في محل نصب على الحال ، أي مثله كمثل الكلب حال كونه متصفاً بهذه الصفة ، والمعنى أن هذا المنسلخ عن الآيات لا يرعوى عن المعصية في جميع أحواله ، سواء وعظه الواعظ ، وذكره المذكر ، وزجره الزاجر ، أو لم يقع شيء من ذلك . قال القتيبي كل شيء يلهث ، فإنما يلهث من إعياء أو عطش ، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال ، وحال الراحة ، وحال المرض ، وحال الصحة ، وحال الري ، وحال العطش . فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته فقال إن وعظته ضلّ ، وإن تركته ضلّ ، فهو كالكلب إن تركته لهث ، وإن طردته لهث ، كقوله تعالى { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } الأعراف 193 واللهث إخراج اللسان لتعب أو عطش أو غير ذلك . قال الجوهري لهث الكلب بالفتح يلهث لهثاً ولهاثاً بالضم إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش ، وكذلك الرجل إذا أعيا . قيل معنى الآية أنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هارباً ، وإن تركته شدّ عليك ونبح ، فيتعب نفسه مقبلاً عليك ومديراً عنك ، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان . والإشارة بقوله { ذلك } إلى ما تقدّم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة . وهو مبتدأ وخبره { مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } أي ذلك المثل الخسيس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود ، بعد أن علموا بها وعرفوها ، فحرفوا وبدّلوا ، وكتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا بها { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ } أي فاقصص عليهم هذا القصص الذي هو صفة الرجل المنسلخ عن الآيات ، فإن مثله المذكور كمثل هؤلاء القوم المكذبين من اليهود الذين تقص عليهم { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } في ذلك ويعملون فيه أفهامهم ، فينزجرون عن الضلال ، ويقبلون على الصواب . قوله { سَاء مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } هذه الجملة متضمنة لبيان حال هؤلاء القوم البالغة في القبح إلى الغاية ، يقال ساء الشيء قبح ، فهو لازم ، وساءه يسوؤه مساءة فهو متعد وهو من أفعال الذم كبئس ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، و { مثلاً } تمييز مفسر له ، والمخصوص بالذم هو { الذين كذبوا بآياتنا } ، ولا بدّ من تقدير مضاف محذوف لأجل المطابقة ، أي ساء مثلاً مثل القوم الذين كذبوا . وقال الأخفش جعل المثل القوم مجازاً ، والقوم مرفوع بالابتداء أو على إضمار مبتدأ ، التقدير ساء المثل مثلاً هو مثل القوم ، كذا قال . وقدره أبو علي الفارسي ساء مثلاً مثل القوم كما قدّمنا . وقرأ الجحدري والأعمش " وَسَاء مَثَلُ ٱلْقَوْمِ " . قوله { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } أي ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم ، لا يتعداها ظلمهم إلى غيرها ولا يتجاوزها . والجملة معطوفة على التي قبلها على معنى أنهم جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى } لما أمر به وشرعه لعباده { وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } الكاملون في الخسران ، من هداه فلا مضلّ له ، ومن أضله فلا هادي له ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وقد أخرج الفريابي ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود ، في قوله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا } قال هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن آبر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، من طرق عن ابن عباس قال هو بلعم بن باعوراء . وفي لفظ بلعام بن باعر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا } قال هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم ، تعلم اسم الله الأكبر ، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه فقالوا إن موسى رجل حديد ، ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يردّ عنا موسى ومن معه ، قال إني إن دعوت الله أن يردّ موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي ، فلم يزالوا به حتى دعا الله فسلخ ما كان فيه . وفي قوله { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } قال إن حمل الحكمة لم يحملها ، وإن ترك لم يهتد لخير ، كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن يطرد لهث . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، في الآية قال هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيهن ، وكانت له امرأة له منها ولد ، فقالت اجعل لي منها واحدة ، قال فلك واحدة فما الذي تريدين ؟ قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل ، فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه ، وأرادت شيئاً آخر ، فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة ، فذهبت دعوتان ، فجاء بنوها فقالوا ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها ، فادع الله أن يردّها إلى الحال التي كانت عليه ، فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس . وأخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عبد الله بن عمرو ، في الآية قال هو أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وفي لفظ نزلت في صاحبكم أمية بن أبي الصلت . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عنه نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن الشعبي في هذه الآية قال قال ابن عباس هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعام بن باعوراء ، وكانت الأنصار تقول هو ابن الراهب الذي بنى له مسجد الشقاق . وكانت ثقيف تقول هو أمية بن أبي الصلت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال هو صيفي بن الراهب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عنه ، في قوله { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال نزع منه العلم ، وفي قوله { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا } قال رفعه الله بعلمه . وأخرج مسلم ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن جابر بن عبد الله ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله ، ثم يقول " من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل محدث بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار » ثم يقول « بعثت أنا والساعة كهاتين " .