Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 172-174)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَإِذْ } منصوب بفعل مقدّر معطوف على ما قبله كما تقدّم . قوله { مِن بَنِى ءادَمَ } استدلّ بهذا على أن المراد بالمأخوذين هنا هم ذرية بني آدم ، أخرجهم الله من أصلابهم نسلاً بعد نسل . وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين ، قالوا ومعنى { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } دلهم بخلقه على أنه خالقهم ، فقامت هذه الدلالة مقام الإِشهاد ، فتكون هذه الآية من باب التمثيل ، كما في قوله تعالى { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فصلت 11 . وقيل المعنى أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجسام ، وأنه جعل فيها من المعرفة ما فهمت به خطابه سبحانه . وقيل المراد ببني آدم هنا آدم نفسه ، كما وقع في غير هذا الموضع . والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذريته ، وأخذ عليهم العهد ، وهؤلاء هم عالم الذرّ ، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ، ولا المصير إلى غيره ، لثبوته مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وموقوفاً على غيره من الصحابة ، ولا ملجىء للمصير إلى المجاز ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . وسنذكر آخر هذا البحث إن شاء الله بعض ما ورد في ذلك . قوله { مِن ظُهُورِهِمْ } هو بدل من بني آدم ، بدل بعض من كل . وقيل بدل اشتمال قوله { ذرياتهم } ، قرأ الكوفيون وابن كثير « ذريتهم » بالتوحيد ، وهي تقع على الواحد والجمع . وقرأ الباقون « ذرياتهم » بالجمع { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } أي أشهد كل واحد منهم { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ } أي قائلاً ألست بربكم ، فهو على إرادة القول { قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } أي على أنفسنا بأنك ربنا . قوله { أَن تَقُولُواْ } ، قرأ أبو عمرو بالياء التحتية في هذا وفي قوله { أَوْ يَقُولُواْ } على الغيبة كما كان فيما قبله على الغيبة ، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب . والمعنى كراهة أن يقولوا ، أو لئلا يقولوا ، أي فعلنا ذلك الأخذ والإشهاد ، كراهة أن يقولوا { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ } أي عن كون الله ربنا وحده لا شريك له . قوله { أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ } معطوف على { تَقُولُواْ } الأوّل أي فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة ، أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم ، و " أَوْ " لمنع الخلوّ دون الجمع ، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين { مِن قَبْلُ } أي من قبل زماننا { وَكُنَّا ذُرّيَّةً مّن بَعْدِهِمْ } لا نهتدي إلى الحق ، ولا نعرف الصواب { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } من آبائنا ، ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر ، واقتفائنا آثار سلفنا ، بين الله سبحانه في هذه الحكمة التي لأجلها أخرجهم من ظهر آدم ، وأشهدهم على أنفسهم ، وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ، ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ، ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة { وَكَذٰلِكَ } أي ومثل ذلك التفصيل { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الحق ، ويتركون ما هم عليه من الباطل . وقد أخرج مالك في الموطأ ، وأحمد في المسند ، وعبد بن حميد ، والبخاري في تاريخه ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان في صحيحه ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، والضياء في المختارة أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ } الآية فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال " إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذرية ، فقال خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون " ، فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل ؟ فقال " إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله النار " وأخرج أحمد ، وابن جرير ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان ، يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ، ثم كلمهم فقال { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } إلى قوله { ٱلْمُبْطِلُونَ } " وإسناده لا مطعن فيه . وقد أخرجه ابن أبي حاتم موقوفاً على ابن عباس . وأخرج ابن جرير ، وابن منده في كتاب " الردّ على الجهمية " عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } ، قال أخذهم من ظهره كما يؤخذ المشط من الرأس ، فقال لهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى ، قالت الملائكة { شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } " وفي إسناده أحمد بن أبي طبية أبو محمد الجرجاني قاضي قومس كان أحد الزهاد ، وأخرج له النسائي في سننه . وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه . وقال ابن عديّ حدث بأحاديث كثيرة غرائب . وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله ابن عمر ، وهؤلاء أئمة ثقات . وأخرج عبد بن حميد ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لما خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه ، وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى وكلتا يدي الرحمن يمين ، فقال يا أصحاب اليمين ، فاستجابوا له فقالوا لبيك ربنا وسعديك ، قال ألست بربكم قالوا بلى " الحديث . والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، بعضها مقيد بتفسير هذه الآية ، وبعضها مطلق يشتمل على ذكر إخراج ذرية آدم من ظهره ، وأخذ العهد عليهم ، كما في حديث أنس مرفوعاً في الصحيحين وغيرهما . وأما المروي عن الصحابة في تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من صلبه في عالم الذرّ ، وأخذ العهد عليهم وإشهادهم على أنفسهم فهي كثيرة ، منها عن ابن عباس ، عند عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، في قوله { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ } الآية قال خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه ، وكتب أجله ورزقه ، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر ، فأخذ مواثيقهم أنه ربهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصيباتهم . وأخرج نحوه عنه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وأخرج نحوه عنه أيضاً ابن جرير ، وابن المنذر . وأخرج نحوه عنه عبد الرزاق وابن المنذر . وأخرج نحوه عنه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن منده . وهذا المعنى مروي عنه من طرق كثيرة غير هذه موقوفة عليه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن عمر في قوله { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ } الآية قال أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس . وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة في تفسير الآية نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن منده ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، والضياء في المختارة ، وابن عساكر في تاريخه ، عن أبيّ بن كعب في قوله { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ } الآية قال جمعهم جميعاً فجعلهم أرواحاً في صورهم ، ثم استنطقهم فتكلموا ، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ، ثم أشهدهم على أنفسهم . وقد روي عن جماعة ممن بعد الصحابة تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من ظهره ، وفيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها مما قدمنا ذكره ما يغني عن التطويل .