Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 181-186)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا } خبر مقدّم و { أُمَّةٍ } مبتدأ مؤخر ، و { يَهْدُونَ } وما بعده صفة له . ويجوز أن يكون { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا } هو المبتدأ كما تقدّم في قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } البقرة 8 . والمعنى أن من جملة من خلقه الله أمة يهدون الناس متلبسين بالحق ، أو يهدونهم بما عرفوه من الحق . " و " بالحق { يَعْدِلُونَ } بينهم . قيل هم من هذه الأمة ، وإنهم الفرقة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين ، كما ورد في الحديث الصحيح . ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة بين حال من يخالفهم فقال { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } والاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة ، والدرج كفّ الشيء ، يقال أدرجته ودرجته ، ومنه إدارج الميت في أكفانه . وقيل هو من الدرجة ، فالاستدراج أن يخطو درجة بعد درجة إلى المقصود ، ومنه درج الصبيّ إذا قارب بين خطاه ، وأدرج الكتاب طواه شيئاً بعد شيء ، ودرج القوم مات بعضهم في إثر بعض . والمعنى سنستدرجهم قليلاً قليلاً إلى ما يهلكهم ، وذلك بإدرار النعم عليهم وإنسائهم شكرها ، فينهمكون في الغواية ، ويتنكبون طرق الهداية لاغترارهم بذلك ، وأنه لم يحصل لهم إلا بما لهم عند الله من المنزلة والزلفة . قوله { وَأُمْلِى لَهُمْ } معطوف على سنستدرجهم ، أي أطيل لهم المدّة وأمهلهم ، وأؤخر عنهم العقوبة . وجملة { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } مقرّرة لما قبلها من الاستدراج والإملاء ، ومؤكدة له . والكيد المكر ، والمتين الشديد القويّ ، وأصله من المتن وهو اللحم الغليظ الذي على جانب الصلب . قال في الكشاف سماه كيداً ، لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان . والاستفهام في { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ } للإنكار عليهم ، حيث لم يتفكروا في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيما جاء به . و « ما » في { مَا بِصَاحِبِهِم } للاستفهام الإنكاري ، وهي في محل رفع بالابتداء والخبر { بصاحبهم } ، والجنة مصدر ، أي وقع منهم التكذيب ، ولم يتفكروا أيّ شيء من جنون كائن بصاحبهم كما يزعمون ، فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلاً ، وقولهم زوراً وبهتاً . وقيل إنّ « ما » نافية واسمها { مّن جِنَّةٍ } وخبرها بصاحبهم ، أي ليس بصاحبهم شيء مما يدّعونه من الجنون ، فيكون هذا رداً لقولهم { ياأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } الحجر 6 ويكون الكلام قد تمّ عند قوله { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } . والوقف عليه من الأوقاف الحسنة . وجملة { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } مقررة لمضمون ما قبلها ، ومبينة لحقيقة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم . والاستفهام في { أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } للإنكار والتقريع والتوبيخ ، ولقصد التعجيب من إعراضهم عن النظر في الآيات البينة الدالة على كمال قدرته وتفرده بالإلهية ، والملكوت من أبنية المبالغة ، ومعناه الملك العظيم وقد تقدّم بيانه . والمعنى إن هؤلاء لم يتفكروا حتى ينتفعوا بالتفكر ، ولا نظروا في مخلوقات الله حتى يهتدوا بذلك إلى الإيمان به ، بل هم سادرون في ضلالتهم ، خائضون في غوايتهم ، لا يعملون فكراً ، ولا يمعنون نظراً . قوله { وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْء } أي لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ، ولا فيما خلق الله من شيء من الأشياء كائناً ما كان ، فإن في كل مخلوقاته عبرة للمعتبرين ، وموعظة للمتفكرين ، سواء كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السموات والأرض ، أومن دقائقها من سائر مخلوقاته . قوله { وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } معطوف على ملكوت . و " أن " هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن وخبرها { عسى } وما بعدها ، أي أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ، فيموتون عن قريب . والمعنى إنهم إذا كانوا يجوّزون قرب آجالهم فما لهم لا ينظرون فيما يهتدون به ، وينتفعون بالتفكر فيه والاعتبار به . { فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } الضمير يرجع إلى ما تقدّم من التفكر والنظر في الأمور المذكورة ، أي فبأيّ حديث بعد هذا الحديث المتقدم بيانه يؤمنون ؟ وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره وقيل الضمير للقرآن . وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل للأجل المذكور قبله . وجملة { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } مقررة لما قبلها ، أي إن هذه الغفلة منهم عن هذه الأمور الواضحة البينة ليس إلا لكونهم ممن أضله الله ، ومن يضلله فلا هادي له ، أي فلا يوجد من يهديه إلى الحق ، وينزعه عن الضلالة ألبتة { وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ } قرىء بالرفع على الاستئناف ، وبالجزم عطفاً على محل الجزاء . وقرىء بالنون . ومعنى يعمهون يتحيرون . وقيل يترددون ، وهو في محل نصب على الحال . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج ، في قوله { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ } قال ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة ، في الآية قال بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقولإذا قرأها " هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها " { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } الأعراف 159 . وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم متى نزل " وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } يقول سنأخذهم من حيث لا يعلمون . قال عذاب بدر . وأخرج أبو الشيخ ، عن يحيى بن المثنى في الآية قال كلما أحدثوا ذنباً جددنا لهم نعمة ، تنسيهم الاستغفار . وأخرج ابن أبي الدنيا ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن سفيان في الآية قال نسبغ عليهم النعمة ونمنعهم شكرها . وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي عن ثابت البناني ، أنه سئل عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين . وأخرج أبو الشيخ ، في قوله { وَأُمْلِى لَهُمْ } يقول أكفّ عنهم { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } إن مكري شديد ، ثم نسخها الله فأنزل { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال كيد الله العذاب والنقمة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، قال ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ، فدعا قريشاً فخذاً فخذاً يا بني فلان يا بني فلان ، يحذرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح حتى قال قائل إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت حتى أصبح ، فأنزل الله { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .