Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 1-7)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { المص } قد تقدّم في فاتحة سورة البقرة ما يغني عن الإعادة ، وهو إما مبتدأ وخبره { كتاب } ، أي { المص } حروف { كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } أو هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا « المص » أي المسمى به ، وأما إذا كانت هذه الفواتح مسرودة على نمط التعديد فلا محل له ، و { كتاب } خبر المبتدأ على الوجه الأوّل ، أو خبر مبتدأ محذوف على الثاني ، أي هو كتاب . قال الكسائي أي هذا كتاب ، و { أنزل إليك } صفة له . { فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ } الحرج الضيق ، أي لا يكن في صدرك ضيق منه ، من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك ، فإن الله حافظك وناصرك . وقيل المراد لا يضق صدرك حيث لم يؤمنوا به ولم يستجيبوا لك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } ، وقال مجاهد وقتادة الحرج هنا الشك ، لأن الشاك ضيق الصدر ، أي لا تشك في أنه منزل من عند الله ، وعلى هذا يكون النهي له صلى الله عليه وسلم من باب التعريض ، والمراد أمته ، أي لا يشك أحد منهم في ذلك ، والضمير في { منه } راجع إلى الكتاب ، فعلى الوجه الأوّل يكون على تقدير مضاف ، أي من إبلاغه ، وعلى الثاني يكون التقدير من إنزاله ، والضمير في { لِتُنذِرَ بِهِ } راجع إلى الكتاب ، أي لتنذر الناس بالكتاب الذي أنزلناه إليك ، وهو متعلق بأنزل ، أي أنزل إليك لإنذارك للناس به ، أو متعلق بالنهي ، لأن انتفاء الشك في كونه منزلاً من عند الله ، أو انتفاء الخوف من قومه يقوّيه على الانذار ويشجعه ، لأن المتيقن يقدم على بصيرة ، ويباشر بقوّة نفس . قوله { وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } الذكرى التذكير . قال البصريون الذكرى في محل رفع على إضمار مبتدأ . وقال الكسائي هي في محل رفع عطفاً على كتاب ، ويجوز النصب على المصدر ، أي وذكر به ذكرى قاله البصريون . ويجوز الجر حملاً على موضع { لتنذر } أي للإنذار والذكرى ، وتخصيص الذكرى بالمؤمنين ، لأنهم الذين ينجع فيهم ذلك ، وفيه إشارة إلى تخصيص الإنذار بالكافرين . قوله { ٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ } يعني الكتاب ، ومثله السنة لقوله { وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } الحشر 7 ونحوها من الآيات ، وهو أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته . وقيل هو أمر للأمة بعد أمره صلى الله عليه وسلم بالتبليغ ، وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } نهي للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله ، فالضمير على هذا في { مِن دُونِهِ } يرجع إلى ربّ ، ويجوز أن يرجع إلى « ما » في { ما أنزل إليكم } أي لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم في دينكم ، كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم . قوله { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } انتصاب { قليلاً } على أنه صفة لمصدر محذوف للفعل المتأخر ، أي تذكراً قليلاً ، و " ما " مزيدة للتوكيد أو هو منتصب على الحال من فاعل { لا تتبعوا } ، و " ما " مصدرية ، أي لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً تذكرهم ، قرىء " تَذَكرُونَ " بالتخفيف بحذف إحدى التاءين ، وقرىء بالتشديد على الإدغام . قوله { وَكَم مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } " كم " هي الخبرية المفيدة للتكثير ، وهي في موضع رفع على الابتداء و { أَهْلَكْنَـٰهَا } الخبر ، { من } قرية تمييز ، ويجوز أن تكون في محل نصب بإضمار فعل بعدها لا قبلها ، لأن لها صدر الكلام ، ولولا اشتغال { أهلكناها } بالضمير لجاز انتصاب " كم " به ، والقرية موضع اجتماع الناس ، أي كم من قرية من القرى الكبيرة أهلكناها نفسها بإهلاك أهلها ، أو أهلكنا أهلها ، والمراد أردنا إهلاكها . قوله { فَجَاءهَا بَأْسُنَا } معطوف على أهلكنا بتقدير الإرادة كما مرّ لأن ترتيب مجيء البأس على الإهلاك لا يصح إلا بهذا التقدير ، إذ الإهلاك هو نفس مجيء البأس . وقال الفراء إن الفاء بمعنى الواو فلا يلزم التقدير ، والمعنى أهلكناها وجاءها بأسنا ، والواو لمطلق الجمع لا ترتيب فيها . وقيل إن الإهلاك واقع لبعض أهل القرية فيكون المعنى وكم من قرية أهلكنا بعض أهلها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع . وقيل المعنى وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا . وقيل أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا ، والبأس هو العذاب . وحكي عن الفراء أنه إذا كان معنى الفعلين واحداً أو كالواحد قدمت أيهما شئت فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها ، مثل دنا فقرب ، وقرب فدنا . { بَيَاتًا } أي ليلاً ، لأنه يبات فيه ، يقال بات يبيت بيتاً وبياتاً ، وهو مصدر واقع موقع الحال ، أي بائتين . قوله { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } معطوف على { بياتاً } أي بائتين أو قائلين ، وجاءت الجملة الحالية بدون واو استثقالاً لاجتماع الواوين واو العطف وواو الحال ، هكذا قال الفراء . واعترضه الزجاج فقال هذا خطأ بل لا يحتاج إلى الواو ، تقول جاءني زيد راكباً ، أو هو ماش ، لأن في الجملة ضميراً قد عاد إلى الأوّل ، و " أو " في هذا الموضع للتفصيل لا للشك . والقيلولة هي نوم نصف النهار . وقيل هي مجرد الاستراحة في ذلك الوقت لشدّة الحرّ من دون نوم ، وخص الوقتين لأنهما وقت السكون والدعة ، فمجيء العذاب فيهما أشدّ وأفظع . قوله { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } الدعوى الدعاء ، أي فما كان دعاؤهم ربهم عند نزول العذاب ، إلا اعترافهم بالظلم على أنفسهم ، ومثله { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } يونس 10 أي آخر دعائهم . وقيل الدعوى هنا بمعنى الادّعاء ، والمعنى ما كان ما يدّعونه لدينهم وينتحلونه إلا اعترافهم ببطلانه وفساده ، واسم كان { إِلاَّ أَن قَالُواْ } وخبرها دعواهم ويجوز العكس ، والمعنى ما كان دعواهم إلا قولهم إنا كنا ظالمين . قوله { فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } هذا وعيد شديد ، والسؤال للقوم الذين أرسل الله إليهم الرسل من الأمم السالفة للتقريع والتوبيخ ، واللام لام القسم ، أي لنسألنهم عما أجابوا به رسلهم عند دعوتهم ، والفاء لترتيب الأحوال الأخروية على الأحوال الدنيوية { وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي الأنبياء الذين بعثهم الله ، أي نسألهم عما أجاب به أممهم عليهم ، ومن أطاع منهم ومن عصى . وقيل المعنى فلنسألن الذين أرسل إليهم ، يعني الأنبياء ، ولنسألن المرسلين ، يعني الملائكة ، ولا يعارض هذا قول الله سبحانه { وَلاَ يسأَل عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } القصص 78 لما قدّمنا غير مرة أن الآخرة مواطن ، ففي موطن يسألون ، وفي موطن لا يسألون ، وهكذا سائر ما ورد مما ظاهره التعارض بأن أثبت تارة ونفى أخرى ، بالنسبة إلى يوم القيامة ، فإنه محمول على تعدّد المواقف مع طول ذلك اليوم طولاً عظيماً { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ } أي على الرسل والمرسل إليهم ، ما وقع بينهم عند الدعوة منهم بعلم لا بجهل ، أي عالمين بما يسرون وما يعلنون { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } عنهم في حال من الأحوال حتى يخفى علينا شيء مما وقع بينهم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وابن النجار في تاريخه ، عن ابن عباس ، في قوله { المص } قال أنا الله أفصل . وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير ، مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، أن هذا ونحوه من فواتح السور قسم أقسم الله به ، وهي من أسماء الله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { المص } قال هو المصوّر . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله { المص } قال الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد . وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، قال معناه أنا الله الصادق ، ولا يخفى عليك أن هذا كله قول بالظن ، وتفسير بالحدس ، ولا حجة في شيء من ذلك ، والحق ما قدّمنا في فاتحة سورة البقرة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ } قال الشك ، وقال الأعرابيّ ما الحرج فيكم ؟ قال اللبس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد ، نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، قال ضيق . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ، ثم قرأ { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } الآية . وأخرجه ابن جرير عنه مرفوعاً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس { فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ، ونسأل المرسلين عما بلغوا ، { فلنقصنّ عليهم بعلم } ، قال بوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون . وأخرج عبد بن حميد ، عن فرقد ، في الآية قال أحدهما الأنبياء ، وأحدهما الملائكة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في الآية قال نسأل الناس عن قول لا إله إلا الله ، ونسأل جبريل .