Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 8-18)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } الوزن مبتدأ وخبره الحق ، أي الوزن في هذا اليوم العدل الذي لا جور فيه ، أو الخبر يومئذ ، والحق وصف للمبتدأ ، أي الوزن العدل كائن في هذا اليوم وقيل إن الحق خبر مبتدأ محذوف . واختلف أهل العلم في كيفية هذا الوزن الكائن في هذا اليوم ، فقيل المراد به وزن صحائف أعمال العباد بالميزان وزناً حقيقياً ، وهذا هو الصحيح ، وهو الذي قامت عليه الأدلة وقيل توزن نفس الأعمال ، وإن كانت أعراضاً فإن الله يقلبها يوم القيامة أجساماً كما جاء في الخبر الصحيح " إن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فِرْقان من طير صوافّ " وكذلك ثبت في الصحيح أنه يأتي القرآن في صورة شاب شاحب اللون ونحو ذلك . وقيل الميزان الكتاب الذي فيه أعمال الخلق . وقيل الوزن والميزان بمعنى العدل والقضاء ، وذكرهما من باب ضرب المثل ، كما تقول هذا الكلام في وزن هذا . قال الزجاج هذا سائغ من جهة اللسان ، والأولى أن نتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان . قال القشيري وقد أحسن الزجاج فيما قال ، إذ لو حمل الميزان على هذا ، فليحمل الصراط على الدين الحق ، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد ، والشياطين والجنّ على الأخلاق المذمومة ، والملائكة على القوى المحمودة ، ثم قال وقد أجمعت الأمة في الصدر الأوّل على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل ، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر ، وصارت هذه الظواهر نصوصاً انتهى . والحق هو القول الأوّل . وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فما يأتون في استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه ، بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية ، وليس في ذلك حجة على أحد ، فهذا إذا لم تقبله عقولهم ، فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، حتى جاءت البدع كالليل المظلم وقال كل ما شاء ، وتركوا الشرع خلف ظهورهم وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ، ويتحد قبولهم لها ، بل كل فريق يدعى على العقل ما يطابق هواه ، ويوافق ما يذهب إليه هو أو من هو تابع له ، فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم ، يعرف هذا كل منصف ، ومن أنكره فليصفّ فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب ، فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه . وقد ورد ذكر الوزن والموازين في مواضع من القرآن كقوله { وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } الأنبياء 47 ، وقوله { فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } المؤمنون 101 ، وقوله { فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ فأُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ } المؤمنون 102 ، 103 ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } النساء 40 ، وقوله { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } القارعة 6 - 9 . والفاء في { فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ } للتفصيل . والموازين جمع ميزان ، وأصله موزان قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها ، وثقل الموازين هذا يكون بثقل ما وضع فيها من صحائف الأعمال . وقيل إن الموازين جمع موزون ، أي فمن رجحت أعماله الموزونة ، والأوّل أولى . وظاهر جمع الموازين المضافة إلى العامل أن لكل واحد من العاملين موازين يوزن بكل واحد منها صنف من أعماله . وقيل وهو ميزان واحد عبر عنه بلفظ الجمع كما يقال خرج فلان إلى مكة على البغال ، والإشارة بقوله { فَأُوْلَـئِكَ } إلى " من " ، والجمع باعتبار معناه كما رجع إليه ضمير { مَوٰزِينُهُ } باعتبار لفظه هو مبتدأ خبره { هُمْ ٱلْمُفْلِحُونَ } والكلام في قوله { وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } مثله ، والباء في { بِمَا كَانُواْ بِآيَـٰتِنَا يَظْلِمُونَ } سببية ، و " ما " مصدرية . ومعنى { يَظْلِمُونَ } يكذبون . قوله { وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأرْضِ } أي جعلنا لكم فيها مكاناً وهيأنا لكم فيها أسباب المعايش . والمعايش جمع معيشة ، أي ما يتعايش به من المطعوم والمشروب ، وما تكون به الحياة ، يقال عاش يعيش عيشاً ومعاشاً ومعيشاً . قال الزجاج المعيشة ما يتوصلون به إلى العيش ، والمعيشة عند الأخفش وكثير من النحويين مفعلة . وقرأ الأعرج « معائش » بالهمز ، وكذا روى خارجة بن مصعب ، عن نافع . قال النحاس والهمز لحن لا يجوز ، لأن الواحدة معيشة والياء أصلية ، كمدينة ومداين ، وصحيفة وصحايف . قوله { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } الكلام فيه كالكلام فيما تقدّم قريباً من قوله تعالى { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } الأعراف 3 . قوله { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } هذا ذكر نعمة أخرى من نعم الله على عبيده . والمعنى خلقناكم نطفاً ثم صوّرناكم بعد ذلك ، وقيل المعنى خلقنا آدم من تراب ، ثم صورناكم في ظهره . وقيل { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ } يعني آدم ذكر بلفظ الجمع لأنه أبو البشر ، { ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } راجع إليه ، ويدلّ عليه { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } فإن ترتيب هذا القول على الخلق والتصوير يفيد أن المخلوق المصوّر آدم عليه السلام . وقال الأخفش إن " ثم " في { ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } بمعنى الواو . وقيل المعنى خلقناكم من ظهر آدم ، ثم صوّرناكم حين أخذنا عليكم الميثاق . قال النحاس وهذا أحسن الأقوال وقيل المعنى ولقد خلقنا الأرواح أوّلاً ، ثم صوّرنا الأشباح ، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، أي أمرناهم بذلك فامتثلوا الأمر ، وفعلوا السجود بعد الأمر { إِلاَّ إِبْلِيسَ } قيل الاستثناء متصل بتغليب الملائكة على إبليس لأنه كان منفرداً بينهم ، أو كما قيل لأن من الملائكة جنساً يقال لهم الجنّ . وقيل غير ذلك . وقد تقدّم تحقيقه في البقرة . قوله { لَمْ يَكُن مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } . جملة مبينة لما فهم من معنى الاستثناء ، ومن جعل الاستثناء منقطعاً قال معناه لكن إبليس لم يكن من الساجدين ، وجملة { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل فماذا قال له الله ؟ و « لا » في { أَلا تَسْجُدَ } زائدة للتوكيد بدليل قوله تعالى في سورة صۤ { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } صۤ 75 وقيل إن " منع " بمعنى قال ، والتقدير من قال لك أن لا تسجد وقيل " منع " بمعنى دعا ، أي ما دعاك إلى أن لا تسجد . وقيل في الكلام حذف ، والتقدير ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى أن لا تسجد { إِذْ أَمَرْتُكَ } أي وقت أمرتك ، وقد استدل به على أن الأمر للفور ، والبحث مقرر في علم الأصول ، والاستفهام في { مَا مَنَعَكَ } للتقريع والتوبيخ ، وإلا فهو سبحانه عالم بذلك ، وجملة { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل فما قال إبليس ؟ وإنما قال في الجواب { أنا خير منه } ، ولم يقل منعني كذا ، لأن في هذه الجملة التي جاء بها مستأنفة ما يدل على المانع ، وهو اعتقاده أنه أفضل منه . والفاضل لا يفعل مثل ذلك للمفضول مع ما تفيده هذه الجملة من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله . ثم علل ما ادّعاه من الخيرية بقوله { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } اعتقاداً منه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين . وقد أخطأ عدوّ الله ، فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه ، وطول بقائه ، وهي حقيقة مضطربة سريعة النفاد ، ومع هذا فهو موجود في الجنة دونها ، وهي عذاب دونه ، وهي محتاجة إليه لتتحيز فيه ، وهو مسجد وطهور ، ولولا سبق شقاوته ، وصدق كلمة الله عليه ، لكان له بالملائكة المطيعين لهذا الأمر أسوة وقدوة ، فعنصرهم النوري أشرف من عنصره الناري . وجملة { قَالَ فَٱهْبِطْ } استئنافية كالتي قبلها ، والفاء لترتيب الأمر بالهبوط على مخالفته للأمر ، أي اهبط من السماء التي هي محل المطيعين من الملائكة الذين لا يعصون الله فيما أمرهم ، إلى الأرض التي هي مقرّ من يعصي ويطيع ، فإن السماء لا تصلح لمن يتكبر ، ويعصى أمر ربه مثلك ، ولهذا قال { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } . ومن التفاسير الباطلة ما قيل إن معنى { ٱهْبِطْ مِنْهَا } أي أخرج من صورتك النارية التي افتخرت بها صورة مشوّهة مظلمة وقيل المراد هبوطه من الجنة . وقيل من زمرة الملائكة ، وجملة { فاخرج } لتأكيد الأمر بالهبوط ، وجملة { إنك من الصاغرين } تعليل للأمر ، أي إنك من أهل الصغار ، والهوان على الله ، وعلى صالحي عباده ، وهكذا كل من تردّى برداء الاستكبار ، عوقب بلبس رداء الهوان والصغار . ومن ليس رداء التواضع ألبسه الله رداء الترفع . وجملة { قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } استئنافية كما تقدّم في الجمل السابقة ، أي أمهلني إلى يوم البعث ، وكأنه طلب أن لا يموت ، لأن يوم البعث لا موت بعده ، والضمير في { يُبْعَثُونَ } لآدم وذريته ، فأجابه الله بقوله { إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } أي الممهلين إلى ذلك اليوم ، ثم تعاقب بما قضاه الله لك ، وأنزله بك في دركات النار . قيل الحكمة في إنظاره ابتلاء العباد ، ليعرف من يطيعه ممن يعصيه . وجملة { قَالَ فبِمَا أَغْوَيْتَنِى } مستأنفة كالجمل السابقة ، واردة جواباً لسؤال مقدّر ، والباء في { فبِمَا } للسببية ، والفاء لترتيب الجملة على ما قبلها . وقيل الباء للقسم كقوله { فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } ص 82 أي فباغوائك إياي { لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ، والإغواء الإيقاع في الغيّ . وقيل الباء بمعنى اللام ، وقيل بمعنى مع . والمعنى فمع إغوائك إياي . وقيل " مَا " في { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } للاستفهام . والمعنى فبأي شيء أغويتني ؟ والأوّل أولى . ومراده بهذا الإغواء الذي جعله سبباً لما سيفعله مع العباد هو ترك السجود منه ، وأن ذلك كان بإغواء الله له ، حتى اختار الضلالة على الهدى . وقيل أراد به اللعنة التي لعنه الله ، أي فبما لعنتني فأهلكتني ، لأقعدنّ لهم ومنه { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } مريم 59 أي هلاكاً . وقال ابن الأعرابي يقال غوى الرجل يغوي غياً ، إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ، ومنه { وَعَصَىٰ ءادَمَ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } طه 121 أي فسد عيشه في الجنة { لأقْعُدَنَّ لَهُمْ } أي لأجهدنّ في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسبب تركي السجود لأبيهم . والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة . وانتصابه على الظرفية ، أي في صراطك المستقيم كما حكى سيبويه ضرب زيد الظهر والبطن ، واللام في لأقعدنّ لام القسم ، والباء في { فبِمَآ أَغْوَيْتَنِى } متعلقة بفعل القسم المحذوف ، أي فبما أغويتني أقسم لأقعدنّ . قوله { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ } ذكر الجهات الأربع لأنها هي التي يأتي منها العدو عدوّه ، ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت ، وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين " بمن " ، وإلى الآخريين " بعن " ، لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجهاً إلى ما يأتيه بكلية بدنه ، والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفاً ، فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء ، وفي الأخريين التعدية بحرف المجاوزة ، وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة . وقيل المراد { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من دنياهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من آخرتهم { وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ } من جهة حسناتهم { وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } من جهة سيئاتهم ، واستحسنه النحاس . قوله { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين ، لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم ، وهذا قاله على الظنّ ، ومنه قوله تعالى { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } سبأ 20 . وقيل إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله ، وعبر بالشكر عن الطاعة أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء . وجملة { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا } استئناف ، كالجمل التي قبلها ، أي من السماء أو الجنة أو من بين الملائكة كما تقدّم { مَذْءومًا } أي مذموماً من ذأمه إذا ذمَّه ، يقال ذأمته وذممته بمعنى . وقرأ الأعمش « مذموماً » . وقرأ الزهريّ « مذوماً » بغير همزة وقيل المذءوم المنفي ، والمدحور المطرود . قوله { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } قرأ الجمهور بفتح اللام على أنها لام القسم ، وجوابه { لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } وقيل اللام في { لَّمَن تَبِعَكَ } للتوكيد ، وفي { لأَمْلاَنَّ } لام القسم . والأوّل أولى ، وجواب القسم سدّ مسدّ جواب الشرط ، لأن مَنْ شرطية ، وفي هذا الجواب من التهديد ما لا يقادر قدره . وقرأ عاصم في رواية عنه " لَّمَن تَبِعَكَ " بكسر اللام ، وأنكره بعض النحويين . قال النحاس وتقديره والله أعلم ، من أجل من اتبعك كما يقال أكرمت فلاناً لك . وقيل هو علة لا خرج ، وضمير { مّنكُمْ } له ولمن اتبعه ، وغلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة ، والأصل منك ومنهم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } قال العدل { فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ } قال حسناته { وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ } قال حسناته . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي ، توزن الأعمال . وقد ورد في كيفية الميزان والوزن والموزون أحاديث كثيرة . وأخرج أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مدّ البصر ، فيقول أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول لا يا ربّ ، فيقول أفلك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول لا يا ربّ ، فيقول بلى إن لك عندنا حسنة ، وإنّه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إلٰه إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فيقول يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال إنك لا تظلم ، فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " وقد صححه أيضاً الترمذي ، وإسناده أحمد حسن . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس ، في قوله { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } قال خلقوا في أصلاب الرجال ، وصوّروا في أرحام النساء . وأخرج الفريابي عنه أنه قال خلقوا في ظهر آدم ، ثم صوّروا في الأرحام . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضاً قال أما { خلقناكم } فآدم ، وأما { ثم صوّرناكم } فذريته . وأخرج أبو الشيخ ، عن عكرمة ، في الآية قال خلق إبليس من نار العزة . وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " وأخرج ابن جرير عن الحسن قال أوّل من قاس إبليس في قوله { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } وإسناده صحيح إلى الحسن . وأخرج أبو نعيم في الحلية ، والديلمي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جدّه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله له اسجد لآدم ، فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال جعفر فمن قاس أمر الدين برأيه ، قرنه الله يوم القيامة بإبليس ، لأنه اتبعه بالقياس ، وينبغي أن ينظر في إسناد هذا الحديث ، فما أظنه يصح رفعه وهو لا يشبه كلام النبوّة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال { فبِمَا أَغْوَيْتَنِى } أضللتني . وأخرج عبد بن حميد ، عنه ، في قوله { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قال طريق مكة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } قال أشككهم في آخرتهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } قال أرغبهم في دنياهم { وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ } أشبه عليهم أمر دينهم { وَعَن شَمَائِلِهِمْ } قال أسنّ لهم المعاصي وأحق عليهم الباطل { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } قال موحدين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } يقول من حيث يبصرن { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من حيث لا يبصرون { وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ } من حيث يبصرون { وَعَن شَمَائِلِهِمْ } من حيث لا يبصرون . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عنه ، أيضاً في الآية قال لم يستطع أن يقول من فوقهم . وفي لفظ علم أن الرحمة تنزل من فوقهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه ، في قوله { مَذْءومًا } قال ملوماً ، مدحوراً قال مقيتاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد { مَذْءومًا } قال منفياً { مَّدْحُورًا } قال مطروداً .