Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 71, Ayat: 21-28)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِىٰ } أي استمرّوا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي ، شكاهم إلى الله عزّ وجلّ ، وأخبره بأنهم عصوه ولم يتبعوه ، وهو أعلم بذلك { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أي اتبع الأصاغر رؤساءهم وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلاّ ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة . قرأ أهل المدينة ، والشام ، وعاصم ، وولده بفتح الواو واللام . وقرأ الباقون بسكون اللام ، وهي لغة في الولد ، ويجوز أن يكون جمعاً ، وقد تقدّم تحقيقه ، ومعنى { وَٱتَّبِعُـواْ } أنهم استمرّوا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } أي مكراً كبيراً عظيماً ، يقال كبير وكبار ، وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب ، وجميل وجمال وجمال . قال المبرد كباراً بالتشديد للمبالغة ، ومثل { كباراً } قرّاء لكثير القراءة ، وأنشد ابن السكيت @ بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القرّاء @@ قرأ الجمهور { كباراً } بالتشديد . وقرأ ابن محيصن ، وحميد ، ومجاهد بالتخفيف . قال أبو بكر هو جمع كبير كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل ، فلذلك وصفه بالجمع . وقال عيسى بن عمر هي لغة يمانية . واختلف في مكرهم هذا ما هو ؟ فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح ، وقيل هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم . وقال الكلبي هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد . وقال مقاتل هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرنّ الٰهتكم وقيل مكرهم كفرهم . { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ } أي لا تتركوا عبادة الٰهتكم ، وهي الأصنام والصور التي كانت لهم ، ثم عبدتها العرب من بعدهم ، وبهذا قال الجمهور . { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } أي لا تتركوا عبادة هذه . قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح ، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة ، فقال لهم إبليس لو صوّرتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة ، ففعلوا ، ثم نشأ قوم من بعدهم ، فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم ، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت ، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء ، لأنهم صوّروها على صورة أولئك القوم . وقال عروة بن الزبير وغيره إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم ، وكان ودّ أكبرهم . قال الماوردي فأما ودّ ، فهو أوّل صنم معبود ، سمي ودّاً لودّهم له ، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس ، وعطاء ، ومقاتل ، وفيه يقول شاعرهم @ حياك ودّ فإنا لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد غربا @@ وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر ، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة . وقال المهدوي لمراد ثم لغطفان وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة ، وعكرمة ، وعطاء . وقال الثعلبي كان لكهلان بن سبأ ، ثم توارثوه حتى صار في همدان ، وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني @ يريش الله في الدنيا ويبري ولا يبري يعوق ولا يريش @@ وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول قتادة ، ومقاتل . قرأ الجمهور { ودّاً } بفتح الواو . وقرأ نافع بضمها . قال الليث ودّ بضم الواو صنم لقريش ، وبفتحها صنم كان لقوم نوح ، وبه سمي عمرو بن ودّ . قال في الصحاح . والودّ بالفتح الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال . وقرأ الجمهور { ولا يغوث ويعقوق } بغير تنوين ، فإن كانا عربيين ، فالمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل ، وإن كانا عجميين ، فللعجمة والعلمية . وقرأ الأعمش { ولا يغوثا ويعوقا } بالصرف . قال ابن عطية وذلك وهم . ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الالٰهة لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } أي أضلّ كبراؤهم ورؤساؤهم كثيراً من الناس . وقيل الضمير راجع إلى الأصنام أي ضلّ بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم { رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ } إبراهيم 36 وأجرى عليهم ضمير من يعقل لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل . { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } معطوف على { رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِىٰ } ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم . وقال أبو حيان إنه معطوف على قد أضلوا ، ومعنى { إِلاَّ ضَلاَلاً } إلاّ عذاباً كذا قال ابن بحر ، واستدلّ على ذلك بقوله { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } القمر 47 . وقيل إلاّ خسراناً . وقيل إلاّ فتنة بالمال والولد . وقيل الضياع . وقيل ضلالاً في مكرهم . { مّمَّا خَطِيئَـٰتِهِمْ أُغْرِقُواْ } « ما » مزيدة للتأكيد ، والمعنى من خطيئاتهم ، أي من أجلها وبسببها أغرقوا بالطوفان { فَأُدْخِلُواْ نَاراً } عقب ذلك ، وهي نار الآخرة . وقيل عذاب القبر . قرأ الجمهور { خطيئاتهم } على جمع السلامة ، وقرأ أبو عمرو « خطاياهم » على جمع التكسير ، وقرأ الجحدري ، وعمرو بن عبيد ، والأعمش ، وأبو حيوة ، وأشهب العقيلي " خطيئتهم " على الإفراد ، قال الضحاك عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في حالة واحدة كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في جانب . قرأ الجمهور { أغرقوا } من أغرق ، وقرأ زيد بن عليّ " غرقوا " بالتشديد . { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } أي لم يجدوا أحداً يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم . { وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلاْرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } معطوف على { قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِىٰ } لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك . قال قتادة دعا عليهم بعد أن أوحي إليه { إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } هود 36 فأجاب الله دعوته وأغرقهم . وقال محمد بن كعب ، ومقاتل ، والربيع بن أنس ، وابن زيد ، وعطية إنما قال هذا حين أخرج الله كلّ مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة . وقيل بأربعين . قال قتادة لم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب . وقال الحسن ، وأبو العالية لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذاباً من الله لهم ، وعدلاً فيهم ، ولكن أهلك ذرّيتهم وأطفالهم بغير عذاب ، ثم أهلكهم بالعذاب ، ومعنى { دَيَّاراً } من يسكن الديار ، وأصله ديوار على فيعال ، من دار يدور ، فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى ، مثل القيام أصله قيوام ، وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل بالدار . يقال ما بالدار ديار أي أحد . وقيل الديار صاحب الديار ، والمعنى لا تدع أحداً منهم إلاّ أهلكته { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ } أي إن تتركهم على الأرض يضلوا عبادك عن طريق الحقّ { وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } أي إلاّ فاجراً بترك طاعتك كفاراً لنعمتك أي كثير الكفران لها ، والمعنى إلاّ من سيفجر ويكفر . ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه والمؤمنين ، فقال { رَّبّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوٰلِدَىَّ } وكانا مؤمنين ، وأبوه لامك بن متوشلخ ، كما تقدّم ، وأمه سمحاء بنت أنوش ، وقيل أراد آدم وحواء . وقال سعيد بن جبير أراد بوالديه أباه وجدّه . وقرأ سعيد بن جبير " ولوالدي " بكسر الدال على الإِفراد . { وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ } قال الضحاك ، والكلبي يعني مسجده ، وقيل منزله الذي هو ساكن فيه ، وقيل سفينته . وقيل لمن دخل في دينه ، وانتصاب { مُؤْمِناً } على الحال ، أي لمن دخل بيتي متصفاً بصفة الإيمان ، فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال { سَآوِى إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَاء } هود 43 ثم عمم الدعوة ، فقال { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث . ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين ، فقال { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً } أي لا تزد المتصفين بالظلم إلاّ هلاكاً ، وخسراناً ودماراً وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة ، كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } قال هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح . وأخرج البخاري ، وابن المنذر ، وابن مردويه عنه قال صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب أما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ، ثم لبني غطيف ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ، أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ففعلوا ، فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت .