Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 19-20)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإشارة بقوله { إِنَّ هَـٰذِهِ } إلى ما تقدّم من الآيات ، والتذكرة الموعظة ، والإشارة إلى جميع آيات القرآن ، لا إلى ما في هذه السورة فقط { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } أي اتخذ بالطاعة التي أهم أنواعها التوحيد إلى ربه طريقاً توصله إلى الجنة . { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ } معنى { أدنى } أقلّ ، استعير له الأدنى لأن المسافة بين السنين إذا دنت قلّ ما بينهما { وَنِصْفَهُ } معطوف على أدنى { وَثُلُثَهُ } معطوف على نصفه ، والمعنى أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقلّ من ثلثي الليل ، ويقوم نصفه ، ويقوم ثلثه ، وبالنصب قرأ ابن كثير ، والكوفيون ، وقرأ الجمهور " ونصفه وثلثه " بالجر عطفاً على ثلثي الليل ، والمعنى أن الله يعلم أن رسوله يقوم أقلّ من ثلثي الليل ، وأقلّ من نصفه ، وأقلّ من ثلثه ، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه . وقال الفرّاء القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال أقلّ من ثلثي الليل ، ثم فسر نفس القلة { وَطَائِفَةٌ مّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } معطوف على الضمير في تقوم أي وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك . { وَٱللَّهُ يُقَدّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ، ويختص بذلك دون غيره ، وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة . قال عطاء يريد لا يفوته علم ما تفعلون . أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار ، فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أن لن تطيقوا علم مقادير الليل والنهار على الحقيقة ، وفي أن ضمير شأن محذوف . وقيل المعنى لن تطيقوا قيام الليل . قال القرطبي والأوّل أصحّ ، فإن قيام الليل ما فرض كله قط ، قال مقاتل وغيره لما نزل { قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } المزمل 2 4 شقّ ذلك عليهم ، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه ، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطىء ، فانتفخت أقدامهم ، وانتقعت ألوانهم ، فرحمهم الله ، وخفف عنهم فقال { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضاً ، وإن نقصتم شق ذلك عليكم . { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي فعاد عليكم بالعفو ، ورخص لكم في ترك القيام . وقيل فتاب عليكم من فرض القيام إذا عجزتم ، وأصل التوبة الرجوع ، كما تقدّم فالمعنى رجع بكم من التثقيل إلى التخفيف ، ومن العسر إلى اليسر . { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءانِ } أي فاقرءوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم ، وتيسّر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتاً . قال الحسن هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء . قال السديّ ما تيسّر منه هو مائة آية . قال الحسن أيضاً من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن . وقال كعب من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين . وقال سعيد خمسون آية . وقيل معنى { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } فصلوا ما تيسّر لكم من صلاة الليل ، والصلاة تسمى قرآناً ، كقوله و { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } الإسراء 78 . قيل إن هذه الآية نسخت قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف والزيادة عليه ، فيحتمل أن يكون ما تضمنته هذه الآية فرضاً ثابتاً ، ويحتمل أن يكون منسوخاً لقوله { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } الإسراء 79 . قال الشافعي الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين . فوجدنا سنة رسول الله تدلّ على أن لا واجب من الصلاة إلاّ الخمس . وقد ذهب قوم إلى أن قيام الليل نسخ في حقه وفي حق أمته . وقيل نسخ التقدير بمقدار وبقي أصل الوجوب . وقيل إنه نسخ في حق الأمة ، وبقي فرضاً في حقه ، والأولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه وفي حق أمته ، وليس في قوله { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } ما يدل على بقاء شيء من الوجوب لأنه إن كان المراد به القراءة من القرآن ، فقد وجدت في صلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من النوافل المؤكدة ، وإن كان المراد به الصلاة من الليل ، فقد وجدت صلاة الليل بصلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من التطوّع . وأيضاً الأحاديث الصحيحة المصرّحة بقول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل عليّ غيرها ، يعني الصلوات الخمس ؟ فقال " لا ، إلاّ أن تطوّع " تدل على عدم وجوب غيرها . فارتفع بهذا وجوب قيام الليل ، وصلاته على الأمة ، كما ارتفع وجوب ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } ، قال الواحدي قال المفسرون في قوله { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } كان هذا في صدر الإسلام ، ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين ، وثبت على النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، وذلك قوله { وأقيموا الصلاة } . ثم ذكر سبحانه عذرهم فقال { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } فلا يطيقون قيام الليل { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } أي يسافرون فيها للتجارة والأرباح يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم فلا يطيقون قيام الليل { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } يعني المجاهدين ، فلا يطيقون قيام الليل . ذكر سبحانه ها هنا ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص ، ورفع وجوب قيام الليل ، فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم . ثم ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } وقد سبق تفسيره قريباً ، والتكرير للتأكيد { وأقيموا الصلاة } يعني المفروضة ، وهي الخمس لوقتها { وآتوا الزكاة } يعني الواجبة في الأموال . وقال الحارث العكلي هي صدقة الفطر لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك . وقيل صدقة التطوّع . وقيل كل أفعال الخير { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي أنفقوا في سبيل الخير من أموالكم إنفاقاً حسناً ، وقد مضى تفسيره في سورة الحديد . قال زيد بن أسلم القرض الحسن النفقة على الأهل . وقيل النفقة في الجهاد ، وقيل هو إخراج الزكاة المفترضة على وجه حسن ، فيكون تفسيراً لقوله { وآتوا الزكاة } والأوّل أولى لقوله { وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } فإن ظاهره العموم ، أي أيّ خير كان مما ذكر ومما لم يذكر { هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } مما تؤخرونه إلى عند الموت ، أو توصون به ليخرج بعد موتكم ، وانتصاب { خيراً } على أنه ثاني مفعولي تجدوه ، وضمير هو ضمير فصل ، وبالنصب قرأ الجمهور ، وقرأ أبو السماك ، وابن السميفع بالرفع على أن يكون هو مبتدأ ، وخير خبره ، والجملة في محل نصب على أنها ثاني مفعولي تجدوه . قال أبو زيد وهي لغة تميم يرفعون ما بعد ضمير الفصل ، وأنشد سيبويه @ تحنّ إلى ليلى وأنت تركتها وكنت عليها بالملاء أنت أقدر @@ وقرأ الجمهور أيضاً { وأعظم } بالنصب عطفاً على { خيراً } ، وقرأ أبو السماك ، وابن السميفع بالرفع ، كما قرأ برفع " خير " ، وانتصاب { أجراً } على التمييز { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } أي اطلبوا منه المغفرة لذنوبكم ، فإنكم لا تخلون من ذنوب تقترفونها { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة لمن استغفره ، كثير الرحمة لمن استرحمه . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والطبراني عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } . قال « مائة آية » . وأخرج الدراقطني ، والبيهقي في سننه ، وحسناه عن قيس بن أبي حازم قال صليت خلف ابن عباس ، فقرأ في أوّل ركعة بالحمد لله ربّ العالمين ، وأوّل آية من البقرة ، ثم ركع ، فلما انصرفنا أقبل علينا ، فقال إن الله يقول { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } قال ابن كثير وهذا حديث غريب جداً لم أره إلاّ في معجم الطبراني . وأخرج أحمد ، والبيهقي في سننه عن أبي سعيد قال « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسّر » . وقد قدّمنا في البحث الأوّل من هذه السورة ما روي أن هذه الآيات المذكورة هنا هي الناسخة لوجوب قيام الليل ، فارجع إليه .