Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-18)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ } أصله المتزمل ، فأدغمت التاء في الزاي ، والتزمل التلفف في الثوب . قرأ الجمهور { المزمل } بالإدغام . وقرأ أبيّ " المتزمل " على الأصل . وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي ، ومثل هذه القراءة قول امرىء القيس @ كأن ثبيرا في أفانين وبله كبير أناس في لحاد مزّمل @@ وهذا الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف في معناه ، فقال جماعة إنه كان يتزمل صلى الله عليه وسلم بثيابه في أوّل ما جاءه جبريل بالوحي فرقاً منه حتى أنس به . وقيل المعنى يا أيها المزمل بالنبوّة ، والملتزم للرسالة . وبهذا قال عكرمة وكان يقرأ " يا أيها المزمل " بتخفيف الزاي وفتح الميم مشدّدة اسم مفعول . وقيل المعنى يا أيها المزمل بالقرآن . وقال الضحاك تزمل بثيابه لمنامه . وقيل بلغه من المشركين سوء قول ، فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت { يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ } و { يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } المدثر 1 . وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الملك ، ونظر إليه أخذته الرعدة ، فأتى أهله ، وقال " زملوني دثروني " وكان خطابه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب في أول نزول الوحي . ثم بعد ذلك خوطب بالنبوّة والرسالة { قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي قم للصلاة في الليل . قرأ الجمهور { قم } بكسر الميم لالتقاء الساكنين . وقرأ أبو السماك بضمها اتباعاً لضمة القاف . قال عثمان بن جني الغرض بهذه الحركة الهرب من التقاء الساكنين فبأيّ حركة تحرك فقد وقع الغرض . وانتصاب الليل على الظرفية . وقيل إن معنى { قم } صلّ ، عبر به عنه واستعير له . واختلف هل كان هذا القيام الذي أمر به فرضاً عليه أو نفلاً ؟ وسيأتي إن شاء الله ما روي في ذلك . وقوله { إِلاَّ قَلِيلاً } استثناء من الليل أي صلّ الليل كله إلاّ يسيراً منه ، والقليل من الشيء هو ما دون النصف . وقيل ما دون السدس . وقيل ما دون العشر . وقال مقاتل ، والكلبي المراد بالقليل هنا الثلث ، وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله { نّصْفَهُ } إلخ ، وانتصاب { نصفه } على أنه بدل من الليل . قال الزجاج نصفه بدل من الليل ، وإلاّ قليلاً استثناء من النصف ، والضمير في منه وعليه عائد إلى النصف . والمعنى قم نصف الليل ، أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث ، أو زد عليه قليلاً إلى الثلثين ، فكأنه قال قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه . وقيل إن نصفه بدل من قوله { قليلاً } فيكون المعنى قم الليل إلاّ نصفه ، أو أقلّ من نصفه ، أو أكثر من نصفه ، قال الأخفش نصفه أي أو نصفه ، كما يقال أعطه درهماً درهمين ثلاثة ، يريد ، أو درهمين ، أو ثلاثة . قال الواحدي قال المفسرون أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث ، أو زد على النصف إلى الثلثين ، جعل له سعة في مدة قيامه في الليل ، وخيره في هذه الساعات للقيام ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وطائفة معه يقومون على هذه المقادير ، وشقّ ذلك عليهم ، فكان الرجل لا يدري كم صلّى ، أو كم بقي من الليل ، فكان يقوم الليل كله حتى خفف الله عنهم ، وقيل الضميران في منه وعليه راجعان للأقل من النصف ، كأنه قال قم أقل من نصفه ، أو قم أنقص من ذلك الأقلّ ، أو أزيد منه قليلاً ، وهو بعيد جداً ، والظاهر أن نصفه بدل من قليلاً ، والضميران راجعان إلى النصف المبدل من { قليلاً } . واختلف في الناسخ لهذا الأمر . وقيل هو قوله { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } المزمل 20 إلى آخر السورة . وقيل هو قوله { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } وقيل هو قوله { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } . وقيل هو منسوخ بالصلوات الخمس ، وبهذا قال مقاتل ، والشافعي ، وابن كيسان . وقيل هو قوله { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } المزمل 20 وذهب الحسن ، وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ تَرْتِيلاً } أي اقرأه على مهل مع تدبر . قال الضحاك اقرأه حرفاً حرفاً . قال الزجاج هو أن يبيّن جميع الحروف ، ويوفي حقها من الإشباع . وأصل الترتيل التنضيد ، والتنسيق ، وحسن النظام ، وتأكيد الفعل بالمصدر يدلّ على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض ، ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة . { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } أي سنوحي إليك القرآن ، وهو قول ثقيل . قال قتادة ثقيل ، والله فرائضه وحدوده . قال مجاهد حلاله وحرامه . قال الحسن العمل به . قال أبو العالية ثقيلاً بالوعدوالوعيد ، والحلال والحرام . وقال محمد بن كعب ثقيل على المنافقين والكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم والبيان لضلالهم ، وسبّ الٰهتهم . وقال السديّ ثقيل بمعنى كريم من قولهم فلان ثقيل عليّ ، أي يكرم عليّ . قال الفراء ثقيلاً رزيناً ليس بالخفيف السفساف . لأنه كلام ربنا . وقال الحسين بن الفضل ثقيلاً لا يحمله إلاّ قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد . وقيل وصفه بكونه ثقيلاً حقيقة لما ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها على الأرض ، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسري عنه . { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } أي ساعاته وأوقاته لأنها تنشأ أوّلاً فأوّلاً ، يقال نشأ الشيء ينشأ إذا ابتدأ وأقبل شيئًا بعد شيء ، فهو ناشىء ، وأنشأه الله فنشأ ، ومنه نشأت السحاب إذا بدأت ، فناشئة فاعلة من نشأ ينشأ ، فهي ناشئة . قال الزجاج ناشئة الليل كل ما نشأ منه ، أي حدث ، فهو ناشئة ، قال الواحدي قال المفسرون الليل كله ناشئة ، والمراد أن ساعات الليل الناشئة ، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف . وقيل إن ناشئة الليل هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة أي تنهض ، من نشأ من مكانه إذا نهض . وقيل الناشئة بالحبشية قيام الليل ، وقيل إنما يقال لقيام الليل ناشئة إذا كان بعد نوم . قال ابن الأعرابي إذا نمت من أوّل الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة ، ومنه ناشئة الليل . قيل وناشئة الليل هي ما بين المغرب والعشاء ، لأن معنى نشأ ابتدأ ، ومنه قول نصيب @ ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار @@ قال عكرمة ، وعطاء إن ناشئة الليل بدوّ الليل . وقال مجاهد وغيره هي في الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار ، واختار هذا مالك . وقال ابن كيسان هي القيام من آخر الليل . قال في الصحاح ناشئة الليل أوّل ساعاته . وقال الحسن هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح { هِىَ أَشَدُّ وَطْأً } قرأ الجمهور { وطأ } بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة ، واختار هذه القراءة أبو حاتم . وقرأ أبو العالية ، وابن أبي إسحاق ، ومجاهد ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحميد ، وابن محيصن ، والمغيرة ، وأبو حيوة بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، فالمعنى على القراءة الأولى أن الصلاة في ناشئة الليل أثقل على المصلي من صلاة النهار لأن الليل للنوم . قال ابن قتيبة المعنى أنها أثقل على المصلي من ساعات النهار ، من قول العرب اشتدّت على القوم وطأة السلطان إذا ثقل عليهم ما يلزمهم منه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم { اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر } والمعنى على القراءة الثانية أنها أشدّ مواطأة ، أي موافقة ، من قولهم واطأت فلاناً على كذا مواطأة ووطاء إذا وافقته عليه . قال مجاهد ، وابن أبي مليكة أي أشد موافقة بين السمع والبصر ، والقلب واللسان لانقطاع الأصوات والحركات فيها ، ومنه { لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } التوبة 37 أي ليوافقوا . وقال الأخفش أشدّ قياماً . وقال الفرّاء أي أثبت للعمل ، وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة ، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش ، فعبادته تدوم ولا تنقطع . وقال الكلبي أشدّ نشاطاً { وَأَقْوَمُ قِيلاً } أي وأشدّ مقالاً ، وأثبت قراءة لحضور القلب فيها وهدوء الأصوات ، وأشدّ استقامة واستمراراً على الصواب لأن الأصوات فيها هادئة والدنيا ساكنة ، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه . قال قتادة ، ومجاهد أي أصوب للقراءة ، وأثبت للقول لأنه زمان التفهم . قال أبو عليّ الفارسي أقوم قليلاً ، أي أشدّ استقامة لفراغ البال بالليل . قال الكلبي أي أبين قولاً بالقرآن . وقال عكرمة أي أتمّ نشاطاً وإخلاصاً وأكثر بركة . وقال ابن زيد أجدر أن يتفقه في القرآن . وقيل أعجل إجابة للدعاء . { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } قرأ الجمهور { سبحاً } بالحاء المهملة أي تصرفاً في حوائجك ، وإقبالاً وإدباراً ، وذهاباً ومجيئاً . والسبح الجري والدوران ، ومنه السباحة في الماء لتقلبه ببدنه ورجليه ، وفرس سابح ، أي شديد الجري . وقيل السبح الفراغ أي إن لك فراغاً بالنهار للحاجات ، فصلّ بالليل . قال ابن قتيبة أي تصرّفاً ، وإقبالاً وإدباراً في حوائجك وأشغالك . وقال الخليل إن لك في النهار سبحاً ، أي نوماً ، والتسبح التمدّد . قال الزجاج المعنى إن فاتك في الليل شيء فلك في النهار فراغ للاستدراك . وقرأ يحيـى بن يعمر ، وأبو وائل ، وابن أبي عبلة " سبخاً " بالخاء المعجمة . قيل ومعنى هذه القراءة الخفة والسعة والاستراحة . قال الأصمعي يقال سبخ الله عنك الحمى ، أي خففها ، وسبخ الحرّ فتر وخفّ ، ومنه قول الشاعر @ فسبخ عليك الهمّ واعلم بأنه إذا قدّر الرحمٰن شيئًا فكائن @@ أي خفف عنك الهمّ . والتسبيخ من القطن ما ينسج بعد الندف ، ومنه قول الأخطل @ فأرسلوهنّ يذرين التراب كما تذري سبائخ قطن ندف أوتار @@ قال ثعلب السبخ بالخاء المعجمة التردّد والاضطراب ، والسبخ السكون . وقال أبو عمرو السبخ النوم والفراغ . { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ } أي ادعه بأسمائه الحسنى . وقيل اقرأ باسم ربك في ابتداء صلاتك ، وقيل اذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتوفر على طاعته ، وتبعد عن معصيته . وقيل المعنى دم على ذكر ربك ليلاً ونهاراً ، واستكثر من ذلك . وقال الكلبي المعنى صلّ لربك { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } أي انقطع إليه انقطاعاً بالاشتغال بعبادته ، والتبتل الانقطاع ، يقال بتلت الشيء أي قطعته وميزته من غيره ، وصدقة بتلة ، أي منقطعة من مال صاحبها ، ويقال للراهب متبتل لانقطاعه عن الناس ، ومنه قول الشاعر @ تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل @@ ووضع { تبتيلاً } مكان تبتلاً لرعاية الفواصل . قال الواحدي والتبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله . { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، وابن عامر بجرّ ربّ على النعت لربك ، أو البدل منه ، أو البيان له . وقرأ الباقون برفعه على أنه مبتدأ ، وخبره { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو ربّ المشرق ، وقرأ زيد بن عليّ بنصبه على المدح . وقرأ الجمهور { المشرق والمغرب } مفردين . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس " المشارق والمغارب " على الجمع . وقد قدّمنا تفسير المشرق والمغرب ، والمشرقين والمغربين ، والمشارق والمغارب { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } أي إذا عرفت أنه المختص بالربوبية ، فاتخذه وكيلاً ، أي قائماً بأمورك ، وعوّل عليه في جميعها . وقيل كفيلاً بما وعدك من الجزاء والنصر { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } من الأذى والسب والاستهزاء ، ولا تجزع من ذلك { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } أي لا تتعرّض لهم ، ولا تشتغل بمكافأتهم . وقيل الهجر الجميل الذي لا جزع فيه . وهذا كان قبل الأمر بالقتال . { وَذَرْنِى وَٱلْمُكَذّبِينَ } أي دعني وإياهم ، ولا تهتم بهم فإني أكفيك أمرهم وأنتقم لك منهم . قيل نزلت في المطعمين يوم بدر ، وهم عشرة وقد تقدّم ذكرهم . وقال يحيـى بن سلام هم بنو المغيرة . وقال سعيد بن جبير أخبرت أنهم اثنا عشر { أُوْلِى ٱلنَّعْمَةِ } أي أرباب الغنى والسعة والترفه واللذة في الدنيا { وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً } أي تمهيلاً قليلاً على أنه نعت لمصدر محذوف ، أو زماناً قليلاً على أنه صفة لزمان محذوف ، والمعنى أمهلهم إلى انقضاء آجالهم . وقيل إلى نزول عقوبة الدنيا بهم كيوم بدر ، والأول أولى لقوله { إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً } وما بعده ، فإنه وعيد لهم بعذاب الآخرة ، والأنكال جمع نكل ، وهو القيد ، كذا قال الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما . وقال الكلبي الأنكال الأغلال ، والأوّل أعرف في اللغة ، ومنه قول الخنساء @ أتوك فقطعت أنكالهم وقد كنّ قبلك لا تقطع @@ وقال مقاتل هي أنواع العذاب الشديد . وقال أبو عمران الجوني هي قيود لا تحلّ { وَجَحِيماً } أي ناراً مؤججة { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } أي لا يسوغ في الحلق بل ينشب فيه ، فلا ينزل ، ولا يخرج . قال مجاهد هو الزقوم . وقال الزجاج هو الضريع ، كما قال { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } الغاشية 6 قال وهو شوك العوسج ، قال عكرمة هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج ، والغصة الشجا في الحلق ، وهو ما ينشب فيه من عظم أو غيره ، وجمعها غصص { وَعَذَاباً أَلِيماً } أي ونوعاً آخر من العذاب غير ما ذكر . { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } انتصاب الظرف إما بذرني ، أو بالاستقرار المتعلق به لدينا ، أو هو صفة لعذاب ، فيتعلق بمحذوف أي عذاباً واقعاً يوم ترجف ، أو متعلق بـ { أليماً } . قرأ الجمهور { ترجف } بفتح التاء وضم الجيم مبنياً للفاعل ، وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول . مأخوذ من أرجفها ، والمعنى تتحرك وتضطرب بمن عليها ، والرجفة الزلزلة والرعدة الشديدة { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } أي وتكون الجبال ، وإنما عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ، والكثيب الرمل المجتمع ، والمهيل الذي يمرّ تحت الأرجل . قال الواحدي أي رملاً سائلاً يقال لكل شيء أرسلته إرسالاً من تراب ، أو طعام أهلته هيلاً . قال الضحاك ، والكلبي المهيل الذي إذا وطئته بالقدم زلّ من تحتها ، وإذا أخذت أسفله انهال . ومنه قول حسان @ عرفت ديار زينب بالكثيب كخط الوحي في الورق القشيب @@ { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَـٰهِداً عَلَيْكُمْ } الخطاب لأهل مكة أو لكفار العرب أو لجميع الكفار . والرسول محمد ، والمعنى يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } يعني موسى . { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } الذي أرسلناه إليه وكذبه ، ولم يؤمن بما جاء به ، ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف ، والمعنى إنا أرسلنا إليكم رسولاً فعصيتموه ، كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصاه { فَأَخَذْنَـٰهُ أَخْذاً وَبِيلاً } أي شديداً ثقيلاً غليظاً ، والمعنى عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل به ، وإن اختلف نوع العقوبة . قال الزجاج أي ثقيلاً غليظاً ، ومنه قيل للمطر وابل . وقال الأخفش شديداً ، والمعنى متقارب ، ومنه طعام وبيل إذا كان لا يستمرأ ، ومنه قول الخنساء @ لقد أكلت بجيلة يوم لاقت فوارس مالك أكلاً وبيلا @@ { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ } أي كيف تقون أنفسكم { إِن كَفَرْتُمْ } أي إن بقيتم على كفركم { يَوْماً } أي عذاب يوم { يَجْعَلُ ٱلْوِلْدٰنَ شِيباً } لشدّة هوله ، أي يصير الولدان شيوخاً ، والشيب جمع أشيب ، وهذا يجوز أن يكون حقيقة ، وأنهم يصيرون كذلك ، أو تمثيلاً لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه ، وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوّة ، وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم . قال الحسن أي كيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم ، وكذا قرأ ابن مسعود ، وعطية ، ويوماً مفعول به لتتقون . قال ابن الأنباري ومنهم من نصب اليوم بكفرتم ، وهذا قبيح ، والولدان الصبيان ، ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدّة ، فقال { السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ } أي متشققة به لشدّته وعظيم هوله ، والجملة صفة أخرى ليوم ، والباء سببية ، وقيل هي بمعنى في أي منفطر فيه ، وقيل بمعنى اللام أي منفطر له ، وإنما قال { منفطر } ولم يقل " منفطرة " لتنزيل السماء منزلة شيء لكونها قد تغيرت ، ولم يبق منها إلاّ ما يعبر عنه بالشيء . وقال أبو عمرو بن العلاء لم يقل " منفطرة " لأن مجازها السقف ، كما قال الشاعر @ فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالسماء وبالسحاب @@ فيكون هذا ، كما في قوله { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } الأنبياء 32 . وقال الفرّاء السماء تذكر وتؤنث . وقال أبو عليّ الفارسي هو من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، و { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } القمر 20 قال أيضاً أي السماء ذات انفطار . كقولهم امرأة مرضع ، أي ذات إرضاع على طريق النسب ، وانفطارها لنزول الملائكة ، كما قال { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } الانفطار 1 وقوله { ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } الشورى 5 . وقيل منفطر به ، أي بالله ، والمراد بأمره ، والأوّل أولى { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } أي وكان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائناً لا محالة ، والمصدر مضاف إلى فاعله ، أو وكان وعد اليوم مفعولاً ، فالمصدر مضاف إلى مفعوله . وقال مقاتل كان وعده أن يظهر دينه على الدين كله . وقد أخرج أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة أنبئيني عن قيام رسول الله ، قالت ألست تقرأ هذه السورة { يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ } ؟ قلت بلى ، قالت فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً ، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوّعاً من بعد فرضه ، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، ومحمد بن نصر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها ، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن نصر عن أبي عبد الرحمٰن السلمي قال لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } المزمل 20 فاستراح الناس . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن نصر ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال في المزمل { قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ } نسختها الآية التي فيها { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءانِ } المزمل 20 وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل ، يقول هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل ، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ ، وقوله { أَقْوَمُ قِيلاً } هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن ، وقوله { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } يقول فراغاً طويلاً . وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله { يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ } قال زملت هذا الأمر فقم به . وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضاً قال يتزمل بالثياب . وأخرج الفريابي ، عن أبي صالح عنه أيضاً { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ تَرْتِيلاً } قال تقرأ آيتين ثلاثاً ثم تقطع لا تهدر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن منيع في مسنده ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، ومحمد بن نصر عنه أيضاً { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ تَرْتِيلاً } قال بيّنه تبييناً . وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً نحوه . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن نصر ، والحاكم وصححه عن عائشة « أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه ، وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه ، وتلت { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } » . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن نصر ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } قال قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا نشأ . وأخرج البيهقي عنه قال { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } أوّله . وأخرج ابن المنذر ، وابن نصر عنه أيضاً قال الليل كله ناشئة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } بالحبشة قيام الليل . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن نصر ، والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } ما بين المغرب والعشاء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن نصر ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } قال السبح الفراغ للحاجة والنوم . وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت لما نزلت { وَذَرْنِى وَٱلْمُكَذّبِينَ أُوْلِى ٱلنَّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً } لم يكن إلاّ يسيراً حتى كانت وقعة بدر . وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود { إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً } قال قيوداً . وأخرج عبد بن حميد ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي عن ابن عباس { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } قال شجرة الزقوم . وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله { كَثِيباً مَّهِيلاً } قال المهيل الذي إذا أخذت منه شيئًا تبعك آخره . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { كَثِيباً مَّهِيلاً } قال الرمل السائل ، وفي قوله { أَخْذاً وَبِيلاً } قال شديداً . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { يَجْعَلُ ٱلْوِلْدٰنَ شِيباً } قال " ذلك يوم القيامة ، وذلك يوم يقول الله لآدم قم ، فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال من كم يا ربّ ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، وينجو واحد ، فاشتدّ ذلك على المسلمين ، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم إن بني آدم كثير ، وإن يأجوج ، ومأجوج من ولد آدم ، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل ، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم " وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه . وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ } قال ممتلئة بلسان الحبشة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال مثقلة موقرة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال يعني تشقق السماء .