Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 31-37)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما نزل قوله سبحانه { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } المدثر 30 قال أبو جهل أما لمحمد من الأعوان إلاّ تسعة عشر يخوّفكم محمد بتسعة عشر ، وأنتم الدهم ، أفيعجز كل مائة رجل منكم أن يبطشوا بواحد منهم ، ثم يخرجون من النار ؟ فقال أبو الأشدّ ، وهو رجل من بني جمح يا معشر قريش إذا كان يوم القيامة ، فأنا أمشي بين أيديكم ، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن ، وتسعة بمنكبي الأيسر ، ونمضي ندخل الجنة ، فأنزل الله { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَـئِكَةً } يعني ما جعلنا المدبرين لأمر النار القائمين بعذاب من فيها إلاّ ملائكة ، فمن يطيق الملائكة ومن يغلبهم ، فكيف تتعاطون أيها الكفار مغالبتهم . وقيل جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المخلوقين من الجنّ والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجالس من الرقة والرأفة . وقيل لأنهم أقوم خلق الله بحقه والغضب له ، وأشدهم بأساً وأقواهم بطشاً { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً } أي ضلالة لِلَّذِينَ استقلوا عددهم ، ومحنة لهم ، والمعنى ما جعلناهم عددهم هذا العدد المذكور في القرآن إلاّ ضلالة ومحنة لهم ، حتى قالوا ما قالوا ، ليتضاعف عذابهم ويكثر غضب الله عليهم . وقيل معنى { إِلاَّ فِتْنَةً } إلاّ عذاباً ، كما في قوله { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } الذاريات 13 أي يعذبون ، واللام في قوله { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } متعلق بـ { جعلنا } ، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى لموافقة ما نزل من القرآن بأن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر لما عندهم . قاله قتادة ، والضحاك ، ومجاهد ، وغيرهم ، والمعنى أن الله جعل عدّة الخزنة هذه العدّة ليحصل اليقين لليهود والنصارى بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم لموافقة ما في القرآن لما في كتبهم . { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِيمَـٰناً } وقيل المراد الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام . وقيل أراد الذين آمنوا المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى ليزدادوا يقيناً إلى يقينهم لما رأوا من موافقة أهل الكتاب لهم ، وجملة { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } مقرّرة لما تقدّم من الاستيقان وازدياد الإيمان ، والمعنى نفي الارتياب عنهم في الدّين ، أو في أن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر ، ولا ارتياب في الحقيقة من المؤمنين ، ولكنه من باب التعريض لغيرهم ممن في قلبه شك { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَـٰفِرُونَ مَاذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } المراد بالذين في قلوبهم مرض هم المنافقون والسورة وإن كانت مكية ، ولم يكن إذ ذاك نفاق ، فهو إخبار بما سيكون في المدينة ، أو المراد بالمرض مجرّد حصول الشكّ والريب ، وهو كائن في الكفار . قال الحسين بن الفضل السورة مكية ، ولم يكن بمكة نفاق ، فالمرض في هذه الآية الخلاف ، والمراد بقوله { وَٱلْكَـٰفِرُونَ } كفار العرب من أهل مكة ، وغيرهم ، ومعنى { مَاذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } أيّ شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل . قال الليث المثل الحديث ، ومنه قوله { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } الرعد 35 أي حديثها ، والخبر عنها { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاء } أي مثل ذلك الإضلال المتقدّم ذكره ، وهو قوله { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } . { يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاء } من عباده ، والكاف نعت مصدر محذوف { وَيَهْدِى مَن يَشَاء } من عباده ، والمعنى مثل ذلك الإضلال للكافرين والهداية للمؤمنين ، يضلّ الله من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته . وقيل المعنى كذلك يضلّ الله عن الجنة من يشاء ، ويهدي إليها من يشاء . { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ } أي ما يعلم عدد خلقه ، ومقدار جموعه من الملائكة ، وغيرهم إلاّ هو وحده لا يقدر على علم ذلك أحد . وقال عطاء يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار لا يعلم عدّتهم إلاّ الله ، والمعنى أن خزنة النار ، وإن كانوا تسعة عشر ، فلهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلاّ الله سبحانه . ثم رجع سبحانه إلى ذكر سقر فقال { وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي وما سقر ، وما ذكر من عدد خزنتها إلاّ تذكرة وموعظة للعالم . وقيل { وَمَا هِىَ } أي الدلائل والحجج والقرآن إلاّ تذكرة للبشر . وقال الزجاج نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة ، وهو بعيد . وقيل { مَا هِىَ } أي عدّة خزنة جهنم إلاّ تذكرة للبشر ليعلموا كمال قدرة الله ، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار . وقيل الضمير في { وَمَا هِىَ } يرجع إلى الجنود . ثم ردع سبحانه المكذبين وزجرهم فقال { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } قال الفراء { كلا } صلة للقسم ، التقدير ، أي والقمر . وقيل المعنى حقاً والقمر . قال ابن جرير المعنى ردّ زعم من زعم أنه يقاوم خزنة جهنم أي ليس الأمر كما يقول ، ثم أقسم على ذلك بالقمر وبما بعده ، وهذا هو الظاهر من معنى الآية . { وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } أي ولى . قرأ الجمهور " إذا " بزيادة الألف ، دبر بزنة ضرب على أنه ظرف لما يستقبل من الزمان ، وقرأ نافع ، وحفص ، وحمزة { إذ } بدون ألف ، أدبر بزنة أكرم ظرف لما مضى من الزمان ودبر ، وأدبر لغتان ، كما يقال أقبل الزمان وقبل الزمان ، يقال دبر الليل وأدبر إذا تولى ذاهباً . { وَٱلصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } أي أضاء وتبين { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } هذا جواب القسم ، والضمير راجع إلى سقر ، أي إنّ سقر لإحدى الدواهي ، أو البلايا الكبر ، والكبر جمع كبرى ، وقال مقاتل إن الكبر اسم من أسماء النار . وقيل إنها أي تكذبيهم لمحمد لإحدى الكبر . وقيل إن قيام الساعة لإحدى الكبر ، ومنه قول الشاعر @ يابن المعلى نزلت إحدى الكبر داهية الدهر وصماء الغير @@ قرأ الجمهور { لإحدى } بالهمزة ، وقرأ نصر بن عاصم ، وابن محيصن ، وابن كثير في رواية عنه " إنها لحدى " بدون همزة . وقال الكلبي أراد بالكبر دركات جهنم وأبوابها . { نَذِيراً لّلْبَشَرِ } انتصاب { نذيراً } على الحال من الضمير في { إنها } ، قاله الزجاج . وروي عنه ، وعن الكسائي ، وأبي عليّ الفارسي أنه حال من قوله { قُمْ فَأَنذِرْ } المدثر 2 أي قم يا محمد فأنذر حال كونك نذيراً للبشر . وقال الفراء هو مصدر بمعنى الإنذار منصوب بفعل مقدّر . وقيل إنه منتصب على التمييز لإحدى لتضمنها معنى التنظيم كأنه قيل أعظم الكبر إنذاراً ، وقيل إنه مصدر منصوب بأنذر المذكور في أوّل السورة . وقيل منصوب بإضمار أعني ، وقيل منصوب بتقدير ادع . وقيل منصوب بتقدير ناد أو بلغ . وقيل إنه مفعول لأجله ، والتقدير وإنها لإحدى الكبر لأجل إنذار البشر . قرأ الجمهور بالنصب ، وقرأ أبيّ بن كعب ، وابن أبي عبلة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هي نذير ، أو هو نذير . وقد اختلف في النذير ، فقال الحسن هي النار . وقيل محمد صلى الله عليه وسلم . وقال أبو رزين المعنى أنا نذير لكم منها ، وقيل القرآن نذير للبشر لما تضمنه من الوعد والوعيد { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } هو بدل من قوله { لّلْبَشَرِ } أي نذيراً لمن شاء منكم أن يتقدّم إلى الطاعة أو يتأخر عنها ، والمعنى أن الإنذار قد حصل لكل من آمن وكفر ، وقيل فاعل المشيئة هو الله سبحانه ، أي لمن شاء الله أن يتقدّم منكم بالإيمان أو يتأخر بالكفر ، والأوّل أولى . وقال السديّ لمن شاء منكم أن يتقدّم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر إلى الجنة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس قال لما سمع أبو جهل { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } . قال لقريش ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدّهم ، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطش برجل من خزنة جهنم ؟ وأخرج ابن مردويه عنه في قوله { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال قال أبو الأشدّ خلوا بيني وبين خزنة جهنم أنا أكفيكم مؤنتهم ، قال وحدّثت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وصف خزّان جهنم فقال " كأن أعينهم البرق ، وكأن أفواههم الصياصي يجرّون أشعارهم ، لهم مثل قوّة الثقلين ، يقبل أحدهم بالأمة من الناس يسوقهم على رقبته جبل حتى يرمي بهم في النار فيرمي بالجبل عليهم " وأخرج الطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ عن أبي سعيد الخدري " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثهم عن ليلة أسري به قال فصعدت أنا وجبريل إلى السماء الدنيا ، فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل ، وهو صاحب سماء الدنيا ، وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف ، وتلا هذه الآية { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ } " وأخرج أحمد عن أبي ذرّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أصبع إلاّ عليه ملك ساجد " وأخرجه الترمذي ، وابن ماجه . قال الترمذي حسن غريب ، ويروى عن أبي ذرّ موقوفاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { إِذْ أَدْبَرَ } قال دبور ظلامه . وأخرج مسدّد في مسنده ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال سألت ابن عباس عن قوله { وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } فسكت عني حتى إذا كان من آخر الليل وسمع الأذان ، ناداني يا مجاهد هذا حين دبر الليل . وأخرج ابن جرير عنه في قوله { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } قال من شاء اتبع طاعة الله ومن شاء تأخر عنها .