Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-12)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حكى الواحدي عن المفسرين ، وأهل المعاني أن { هَلُ } هنا بمعنى قد ، وليس باستفهام ، وقد قال بهذا سيبويه ، والكسائي ، والفراء ، وأبو عبيدة . قال الفراء هل تكون جحداً ، وتكون خبراً ، فهذا من الخبر لأنك تقول هل أعطيتك تقرّره بأنك أعطيته ، والجحد أن تقول هل يقدر أحد على مثل هذا وقيل هي وإن كانت بمعنى قد ، ففيها معنى الاستفهام ، والأصل أهل أتى ، فالمعنى أقد أتى ، والاستفهام للتقرير والتقريب ، والمراد بالإنسان هنا آدم ، قاله قتادة ، والثوري ، وعكرمة ، والسديّ وغيرهم { حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ } قيل أربعون سنة قبل أن ينفخ فيه الروح . وقيل إنه خلق من طين أربعين سنة ، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة ، ثم من صلصال أربعين سنة ، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة . وقيل الحين المذكور هنا لا يعرف مقداره . وقيل المراد بالإنسان بنو آدم ، والحين مدّة الحمل ، وجملة { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } في محل نصب على الحال من الإنسان ، أو في محل رفع صفة لحين . قال الفراء ، وقطرب ، وثعلب المعنى أنه كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً لا يذكر ، ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ، ولا ما يراد به ، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً . وقال يحيـى بن سلام لم يكن شيئًا مذكوراً في الخلق ، وإن كان عند الله شيئًا مذكوراً . وقيل ليس المراد بالذكر هنا الإخبار ، فإن إخبار الربّ عن الكائنات قديم ، بل هو الذكر بمعنى الخطر والشرف ، كما في قوله { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الزخرف 44 . قال القشيري ما كان مذكوراً للخلق وإن كان مذكوراً لله سبحانه . قال الفراء كان شيئًا ولم يكن مذكوراً . فجعل النفي متوجهاً إلى القيد . وقيل المعنى قد مضت أزمنة وما كان آدم شيئًا ، ولا مخلوقاً ولا مذكوراً لأحد من الخليقة . وقال مقاتل في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره هل أتى حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكوراً لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ، ولم يخلق بعده حيوان . { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ } المراد بالإنسان هنا ابن آدم . قال القرطبي من غير خلاف ، والنطفة الماء الذي يقطر ، وهو المنيّ ، وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة ، وجمعها نطف ، و { أَمْشَاجٍ } صفة لنطفة ، وهي جمع مشج أو مشيج ، وهي الأخلاط ، والمراد نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما . يقال مشج هذا بهذا ، فهو ممشوج ، أي خلط هذا بهذا فهو مخلوط . قال المبرد مشج يمشج إذا اختلط ، وهو هنا اختلاط النطفة بالدم . قال رؤبة بن العجاج @ يطرحن كل معجل مشاج لم يكس جلداً من دم أمشاج @@ قال الفراء أمشاج اختلاط ماء الرجل وماء المرأة ، والدم والعلقة ، ويقال مشج هذا إذا خلط . وقيل الأمشاج الحمرة في البياض والبياض في الحمرة . قال القرطبي وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة . قال الهذلي @ كأن الريش والفوقين منه حلاف النصل نيط به مشيج @@ وذلك لأن ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فيخلق منهما الولد . قال ابن السكيت الأمشاج الأخلاط لأنها ممتزجة من أنواع يخلق الإنسان منها وطباع مختلفة . وقيل الأمشاج لفظ مفرد كبرمة أعشار ، ويؤيد هذا وقوعه نعتاً لنطفة ، وجملة { نَّبْتَلِيهِ } في محل نصب على الحال من فاعل خلقنا ، أي مريدين ابتلاءه ، ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان ، والمعنى نبتليه بالخير والشرّ وبالتكاليف . قال الفراء معناه والله أعلم { جَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } نبتليه ، وهي مقدّمة معناها التأخير لأن الابتلاء لا يقع إلاّ بعد تمام الخلقة ، وعلى هذا تكون هذه الحال مقدّرة . وقيل مقارنة . وقيل معنى الابتلاء نقله من حال إلى حال على طريقة الاستعارة ، والأوّل أولى . ثم ذكر سبحانه أنه أعطاه ما يصحّ معه الابتلاء ، فقال { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } أي بينا له ، وعرّفناه طريق الهدى والضلال ، والخير والشرّ ، كما في قوله { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } البلد 10 قال مجاهد أي بينا السبيل إلى الشقاء والسعادة . وقال الضحاك ، والسديّ ، وأبو صالح السبيل هنا خروجه من الرحم . وقيل منافعه ومضارّه التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله ، وانتصاب { شاكراً } و { كفوراً } على الحال من مفعول ، { هديناه } أي مكناه من سلوك الطريق في حالتيه جميعاً . وقيل على الحال من سبيل على المجاز ، أي عرّفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وإما سبيلاً كفوراً . وحكى مكيّ عن الكوفيين أن قوله { إمّا } هي إن شرطية زيدت بعدها ما ، أي بينا له الطريق إن شكر وإن كفر . واختار هذا الفرّاء ، ولا يجيزه البصريون لأن إن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل ، ولا يصح هنا إضمار الفعل لأنه كان يلزم رفع { شاكراً } و { كفوراً } . ويمكن أن يضمر فعل ينصب شاكراً وكفوراً ، وتقديره إن خلقناه شاكراً فشكور ، وإن خلقناه كافراً فكفور ، وهذا على قراءة الجمهور { إما شاكراً وإما كفوراً } بكسر همزة إما . وقرأ أبو السماك ، وأبو العجاج بفتحها ، وهي على الفتح إما العاطفة في لغة بعض العرب ، أو هي التفصيلية ، وجوابها مقدّر . وقيل انتصب شاكراً وكفوراً بإضمار كان ، والتقدير سواء كان شاكراً أو كان كفوراً . ثم بيّن سبحانه ما أعدّ للكافرين فقال { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَلَـٰسِلَ وَأَغْلَـٰلاً وَسَعِيراً } قرأ نافع ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وهشام عن ابن عامر " سلاسلاً " بالتنوين ، ووقف قنبل عن ابن كثير ، وحمزة بغير ألف ، والباقون وقفوا بالألف . ووجه من قرأ بالتنوين في سلاسل مع كون فيه صيغة منتهى الجموع أنه قصد بذلك التناسب لأن ما قبله وهو { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } ، وما بعده وهو { أَغْلَـٰلاً وَسَعِيراً } منوّن ، أو على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف ، كما حكاه الكسائي ، وغيره من الكوفيين عن بعض العرب . قال الأخفش سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف لأن الأصل في الأسماء الصرف ، وترك الصرف لعارض فيها . قال الفراء هو على لغة من يجرّ الأسماء كلها إلاّ قولهم هو أظرف منك ، فإنهم لا يجرّونه ، وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم @ كأن سيوفنا فينا وفيهم مخاريق بأيدي لاعبينا @@ ومن ذلك قول الشاعر @ وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الأبصار @@ بكسر السين من نواكس ، وقول لبيد @ وحسور أستار دعوني لحتفها بمعالق متشابه أعلاقها @@ وقوله أيضاً @ فضلاً وذو كرم يعين على الندى سمح لشوب رغائب غنامها @@ وقيل إن التنوين لموافقة رسم المصاحف المكية والمدنية والكوفية فإنها فيها بالألف . وقيل إن هذا التنوين بدل من حرف الإطلاق ، ويجري الوصل مجرى الوقف ، والسلاسل قد تقدّم تفسيرها ، والخلاف فيها هل هي القيود ، أو ما يجعل في الأعناق ، كما في قول الشاعر @ … ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل والأغلال @@ جمع غلّ تغلّ به الأيدي إلى الأعناق . والسعير الوقود الشديد ، وقد تقدّم تفسير السعير ، ثم ذكر سبحانه ما أعدّه للشاكرين ، فقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } الأبرار أهل الطاعة والإخلاص ، والصدق ، جمع برّ أو بارّ . قال في الصحاح جمع البرّ الأبرار ، وجمع البارّ البررة ، وفلان يبرّ خالقه ويبرره ، أي يطيعه . وقال الحسن البرّ الذي لا يؤذي الذر . وقال قتادة الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر . والكأس في اللغة هو الإناء الذي فيه الشراب ، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسمّ كأساً ، ولا وجه لتخصيصه بالزجاجة ، بل يكون من الزجاج ومن الذهب والفضة والصيني وغير ذلك ، وقد كانت كاسات العرب من أجناس مختلفة ، وقد يطلق الكأس على نفس الخمر ، كما في قول الشاعر @ وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها @@ { كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } أي يخالطها ، وتمزج به ، يقال مزجه يمزجه مزجاً ، أي خلطه يخلطه خلطاً ، ومنه قول الشاعر @ كأن سبية من بيت رأس كان مزاجها عسل وماء @@ ومنه قول عمرو بن كلثوم @ صددت الكأس عنا أمّ عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا معتقة كأن الخصّ فيها إذا ما الماء خالطها سخينا @@ ومنه مزاج البدن ، وهو ما يمازجه من الأخلاط ، والكافور قيل هو اسم عين في الجنة يقال لها الكافوري تمزج خمر الجنة بماء هذه العين . وقال قتادة ، ومجاهد تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك . وقال عكرمة مزاجها طعمها . وقيل إنما الكافور في ريحها لا في طعمها . وقيل إنما أراد الكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ، لأن الكافور لا يشرب ، كما في قوله { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } الكهف 96 أي كنار . وقال ابن كيسان طيبها المسك والكافور والزنجبيل . وقال مقاتل ليس هو كافور الدنيا ، وإنما سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب ، والجملة في محل جرّ صفة لكأس . وقيل إن كان هنا زائدة أي من كأس مزاجها كافوراً . { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } انتصاب { عيناً } على أنها بدل من { كافوراً } لأن ماءها في بياض الكافور . وقال مكي إنها بدل من محل { مِن كَأْسٍ } على حذف مضاف كأنه قيل يشربون خمراً خمر عين . وقيل إنها منتصبة على أنها مفعول يشربون أي عيناً من كأس ، وقيل هي منتصبة على الاختصاص ، قاله الأخفش . وقيل منتصبة بإضمار فعل يفسره ما بعده ، أي يشربون عيناً يشرب بها عباد الله ، والأوّل أولى ، وتكون جملة { يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } صفة لـ { عيناً } . وقيل إن الباء في { يَشْرَبُ بِهَا } زائدة . وقيل بمعنى من قاله الزجاج ، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة يشربها عباد الله . وقيل إن يشرب مضمن معنى يلتذّ . وقيل هي متعلقة بـ { يشرب } ، والضمير يعود إلى الكأس . وقال الفراء يشربها ويشرب بها سواء في المعنى ، وكأنّ يشرب بها يروى بها ، وينتفع بها وأنشد قول الهذلي @ شربن بماء البحر ثم ترفعت @@ قال ومثله تكلم بكلام حسن ، وتكلم كلاماً حسناً { يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً } أي يجرونها إلى حيث يريدون ، وينتفعون بها كما يشاءون ، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يريدون وصوله إليه ، فهم يشقونها شقاً ، كما يشقّ النهر ويفجر إلى هنا وهنا . قال مجاهد يقودونها حيث شاءوا ، وتتبعهم حيث مالوا مالت معهم ، والجملة صفة أخرى لـ { عيناً } ، وجملة { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } مستأنفة مسوقة لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر ، وكذا ما عطف عليها ، ومعنى النذر في اللغة الإيجاب ، والمعنى يوفون بما أوجبه الله عليهم من الطاعات . قال قتادة ، ومجاهد يوفون بطاعة الله من الصلاة والحج ونحوهما . وقال عكرمة يوفون إذا نذروا في حق الله سبحانه ، والنذر في الشرع ما أوجبه المكلف على نفسه ، فالمعنى يوفون بما أوجبوه على أنفسهم . قال الفراء في الكلام إضمار ، أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا . وقال الكلبي يوفون بالعهد ، أي يتممون العهد . والأولى حمل النذر هنا على ما أوجبه العبد على نفسه من غير تخصيص { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } المراد يوم القيامة ، ومعنى استطارة شرّه فشوّه وانتشاره ، يقال استطار يستطير استطارة ، فهو مستطير ، وهو استفعل من الطيران ، ومنه قول الأعشى @ فباتت وقد أثارت في الفؤا د صدعاً على نأيها مستطيرا @@ والعرب تقول استطار الصدع في القارورة والزجاجة إذا امتدّ ، ويقال استطار الحريق إذا انتشر . قال الفراء المستطير المستطيل . قال قتادة استطار شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السماوات ، والأرض . قال مقاتل كان شرّه فاشياً في السمٰوات ، فانشقت وتناثرت الكواكب وفزعت الملائكة ، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه . { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } أي يطعمون هؤلاء الثلاثة الأصناف الطعام على حبه لديهم وقلته عندهم . قال مجاهد على قلته ، وحبهم إياه وشهوتهم له فقوله { على حبه } في محل نصب على الحال ، أي كائنين على حبه ، ومثله قوله { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } آل عمران 92 وقيل على حبّ الإطعام لرغبتهم في الخير . قال الفضيل بن عياض على حب إطعام الطعام . وقيل الضمير في حبه يرجع إلى الله أي يطعمون الطعام على حبّ الله ، أي يطعمون إطعاماً كائناً على حبّ الله ، ويؤيد هذا قوله { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } والمسكين ذو المسكنة ، وهو الفقير ، أو من هو أفقر من الفقير ، والمراد باليتيم يتامى المسلمين ، والأسير الذي يؤسر فيحبس . قال قتادة ، ومجاهد الأسير المحبوس . وقال عكرمة الأسير العبد . وقال أبو حمزة الثمالي الأسير المرأة . قال سعيد بن جبير نسخ هذا الإطعام آية الصدقات ، وآية السيف في حق الأسير الكافر . وقال غيره بل هي محكمة ، وإطعام المسكين واليتيم على التطوّع ، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلى أن يتخير فيه الإمام . وجملة { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } في محل نصب على الحال بتقدير القول ، أي يقولون إنما نطعمكم ، أو قائلين إنما نطعمكم يعني أنهم لا يتوقعون المكافأة ولا يريدون ثناء الناس عليهم بذلك . قال الواحدي قال المفسرون لم يستكملوا بهذا ، ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى عليهم ، وعلم من ثنائه أنهم فعلوا ذلك خوفاً من الله ورجاء ثوابه { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً } أي لا نطلب منكم المجازاة على هذا الإطعام ، ولا نريد منكم الشكر لنا ، بل هو خالص لوجه الله ، وهذه الجملة مقرّرة لما قبلها لأن من أطعم لوجه الله لا يريد المكافأة ، ولا يطلب الشكر له ممن أطعمه . { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } أي نخاف عذاب يوم متصف بهاتين الصفتين ، ومعنى { عَبُوساً } أنه يوم تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ، فالمعنى أنه ذو عبوس . قال الفراء ، وأبو عبيدة ، والمبرد يوم قمطرير وقماطر إذا كان صعباً شديداً ، وأنشد الفراء @ بني عمنا هل تذكرون بلاءنا عليكم إذا ما كان يوم قماطر @@ قال الأخفش القمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ، ومنه قول الشاعر @ ففرّوا إذا ما الحرب ثار غبارها ولج بها اليوم العبوس القماطر @@ قال الكسائي اقمطرّ اليوم وازمهرّ إذا كان صعباً شديداً ، ومنه قول الشاعر @ بنو الحرب أوصينا لهم بقمطرة ومن يلق منا ذلك اليوم يهرب @@ وقال مجاهد إن العبوس بالشفتين ، والقمطير بالجبهة والحاجبين ، فجعلهما من صفات المتغير في ذلك اليوم لما يراه من الشدائد ، وأنشد ابن الأعرابي @ يقدر على الصيد بعود منكسر ويقمطر ساعة ويكفهر @@ قال أبو عبيدة يقال قمطرير ، أي منقبض ما بين العينين والحاجبين . قال الزجاج يقال اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورمت بأنفها ما يسبقها من القطر ، وجعل الميم مزيدة . { فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } أي دفع عنهم شرّه بسبب خوفهم منه وإطعامهم لوجهه { وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } أي أعطاهم بدل العبوس في الكفار نضرة في الوجود وسروراً في القلوب . قال الضحاك والنضرة البياض والنقاء في وجوههم . وقال سعيد بن جبير والحسن والبهاء . وقيل النضرة أثر النعمة . { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } أي بسبب صبرهم على التكاليف . وقيل على الفقر . وقيل على الجوع . وقيل على الصوم . والأولى حمل الآية على الصبر على كل شيء يكون الصبر عليه طاعة لله سبحانه ، و " ما " مصدرية ، والتقدير بصبرهم { جَنَّةً وَحَرِيراً } أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير ، وهو لباس أهل الجنة عوضاً عن تركه في الدنيا امتثالاً لما ورد في الشرع من تحريمه ، وظاهر هذه الآيات العموم في كلّ من خاف من يوم القيامة وأطعم لوجه الله وخاف من عذابه ، والسبب وإن كان خاصاً ، كما سيأتي ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ويدخل سبب التنزيل تحت عمومها دخولاً أوّلياً . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ } قال كل إنسان . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { أَمْشَاجٍ } قال أمشاجها عروقها . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم { أَمْشَاجٍ } قال العروق . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } قال ماء الرجل وماء المرأة حين يختلطان . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه قال { أَمْشَاجٍ } ألوان نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة خضراء وحمراء . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال الأمشاج الذي يخرج على أثر البول كقطع الأوتار ، ومنه يكون الولد . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } قال فاشياً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر عنه أيضاً في قوله { وَأَسِيراً } قال هو المشرك . وأخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { مِسْكِيناً } قال " فقيراً " { وَيَتِيماً } قال " لا أب له " { وَأَسِيراً } قال " المملوك والمسجون " . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ } الآية قال نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { يَوْماً عَبُوساً } قال ضيقاً { قَمْطَرِيراً } قال طويلاً . وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } قال " يقبض ما بين الأبصار " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر من طرق عن ابن عباس قال القمطرير الرجل المنقبض ما بين عينيه ووجهه . وأخرج ابن المنذر عنه { وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } قال نضرة في وجوههم ، وسروراً في صدورهم .