Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 23-31)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ تَنزِيلاً } أي فرّقناه في الإنزال ، ولم ننزله جملة واحدة . وقيل المعنى نزلناه عليك ، ولم تأت به من عندك ، كما يدّعيه المشركون . { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } أي لقضائه ، ومن حكمه ، وقضائه تأخير نصرك إلى أجل اقتضته حكمته . قيل وهذا منسوخ بآية السيف { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً } أي لا تطع كل واحد من مرتكب لإثم وغال في كفر ، فنهاه الله سبحانه عن ذلك . قال الزجاج إن الألف هنا آكد من الواو وحدها لأنك إذا قلت لا تطع زيداً ، وعمراً ، فأطاع أحدهما كان غير عاص لأنه أمره أن لا يطيع الاثنين ، فإذا قال لا تطع منهم آثماً أو كفوراً دلّ ذلك على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى ، كما أنك إذا قلت لا تخالف الحسن أو ابن سيرين ، فقد قلت إنهما أهل أن يتبعا ، وكل واحد منهما أهل أن يتبع . وقال الفرّاء « أو » هنا بمنزلة لا ، كأنه قال ولا كفوراً . وقيل المراد بقوله { ءاثِماً } عتبة بن ربيعة ، وبقوله { أَوْ كَفُوراً } الوليد بن المغيرة لأنهما قالا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ارجع عن هذا الأمر ، ونحن نرضيك بالمال والتزويج . { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي دم على ذكره في جميع الأوقات . وقيل المعنى صلّ لربك أوّل النهار وآخره ، فأوّل النهار صلاة الصبح ، وآخره صلاة العصر . { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } أي صلّ المغرب والعشاء . وقيل المراد الصلاة في بعضه من غير تعيين ، ومن للتبعيض على كل تقدير { وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } أي نزّهه عما لا يليق به ، فيكون المراد الذكر بالتسبيح سواء كان في الصلاة ، أو في غيرها . وقيل المراد التطوّع في الليل . قال ابن زيد ، وغيره إن هذه الآية منسوخة بالصلوات الخمس . وقيل الأمر للندب . وقيل هو مخصوص بالنبيّ صلى الله عليه وسلم . { إِنَّ هَـٰؤُلاَء يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } يعني كفار مكة ومن هو موافق لهم . والمعنى أنهم يحبون الدار العاجلة ، وهي دار الدنيا ، { وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } أي يتركون ، ويدعون وراءهم ، أي خلفهم ، أو بين أيديهم وأمامهم يوماً شديداً عسيراً ، وهو يوم القيامة ، وسمي ثقيلاً لما فيه من الشدائد والأهوال . ومعنى كونه يذرونه وراءهم أنهم لا يستعدّون له ، ولا يعبئون به ، فهم كمن ينبذ الشيء وراء ظهره تهاوناً به ، واستخفافاً بشأنه ، وإن كانوا في الحقيقة مستقبلين له وهو أمامهم . { نَّحْنُ خَلَقْنَـٰهُمْ } أي ابتدأنا خلقهم من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة إلى أن كمل خلقهم ، ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعي لا اشتراكاً ولا استقلالاً { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } الأسر شدّة الخلق ، يقال شدّ الله أسر فلان ، أي قوّى خلقه . قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، وغيرهم شددنا خلقهم . قال الحسن شددنا أوصالهم بعضاً إلى بعض بالعروق ، والعصب . قال أبو عبيد يقال فرس شديد الأسر ، أي الخلق . قال لبيد @ ساهم الوجه شديد أسره مشرف الحارك محبوك القتد @@ وقال الأخطل @ من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا @@ وقال ابن زيد الأسر القوّة ، واشتقاقه من الإسار ، وهو القدّ الذي تشدّ به الأقتاب ، ومنه قول ابن أحمر يصف فرساً @ يمشي بأوطفة شداد أسرها شمّ السبائك لا تفي بالجدجد @@ { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَـٰلَهُمْ تَبْدِيلاً } أي لو شئنا لأهلكناهم ، وجئنا بأطوع لله منهم . وقيل المعنى مسخناهم إلى أسمج صورة ، وأقبح خلقة . { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ } يعني إن هذه السورة تذكير وموعظة { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } أي طريقاً يتوسل به إليه ، وذلك بالإيمان ، والطاعة . والمراد إلى ثوابه ، أو إلى جنته . { وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } أي وما تشاءون أن تتخذوا إلى الله سبيلاً إلاّ أن يشاء الله ، فالأمر إليه سبحانه ليس إليهم . والخير والشرّ بيده ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، فمشيئة العبد مجرّدة لا تأتي بخير ولا تدفع شرّاً ، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة ، ويؤجر على قصد الخير ، كما في حديث " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى " قال الزجاج أي لستم تشاءون إلاّ بمشيئة الله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } في أمره ونهيه ، أي بليغ العلم والحكمة . { يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِى رَحْمَتِهِ } أي يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ، أو يدخل في جنته من يشاء من عباده ، قال عطاء من صدقت نيته أدخله جنته { وَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } انتصاب الظالمين بفعل مقدّر يدل عليه ما قبله ، أي يعذب الظالمين ، نصب الظالمين لأن ما قبله منصوب ، أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ، أي المشركين ، ويكون أعدّ لهم تفسيراً لهذا المضمر ، والاختيار النصب ، وإن جاز الرفع ، وبالنصب قرأ الجمهور ، وقرأ أبان بن عثمان بالرفع على الابتداء ، ووجهه أنه لم يكن بعده فعل يقع عليه . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } قال خلقهم . وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } قال هي المفاصل .