Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-28)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } قال جمهور المفسرين هي الرياح . وقيل هي الملائكة ، وبه قال مقاتل ، وأبو صالح ، والكلبي . وقيل هم الأنبياء ، فعلى الأوّل أقسم سبحانه بالرياح المرسلة لما يأمرها به ، كما في قوله { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ لَوَاقِحَ } الحجر 23 وقوله { يُرْسِلُ ٱلرّيَاحَ } الروم 48 وغير ذلك . وعلى الثاني أقسم سبحانه بالملائكة المرسلة بوحيه وأمره ونهيه . وعلى الثالث أقسم سبحانه برسله المرسلة إلى عباده لتبليغ شرائعه ، وانتصاب { عُرْفاً } إما على أنه مفعول لأجله ، أي المرسلات لأجل العرف ، وهو ضدّ النكر ، ومنه قول الشاعر @ من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس @@ أو على أنه حال بمعنى متتابعة يتبع بعضها بعضاً كعرف الفرس ، تقول العرب سار الناس إلى فلان عرفاً واحداً إذا توجهوا إليه ، وهم على فلان كعرف الضبع إذا تألبوا عليه ، أو على أنه مصدر كأنه قال والمرسلات إرسالاً ، أي متتابعة ، أو على أنه منصوب بنزع الخافض ، أي والمرسلات بالعرف . قرأ الجمهور { عرفاً } بسكون الراء . وقرأ عيسى بن عمر بضمها . وقيل المراد بالمرسلات السحاب لما فيها من نعمة ونقمة { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } وهي الرياح الشديدة الهبوب . قال القرطبي بغير اختلاف يقال عصف بالشيء إذا أباده وأهلكه ، وناقة عصوف ، أي تعصف براكبها ، فتمضي كأنها ريح في السرعة ، ويقال عصفت الحرب بالقوم إذا ذهبت بهم . وقيل هي الملائكة الموكلون بالرياح يعصفون بها ، وقيل يعصفون بروح الكافر . وقيل هي الآيات المهلكة كالزلازل ، ونحوها { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } يعني الرياح تأتي بالمطر ، وهي تنشر السحاب نشراً ، أو الملائكة الموكلون بالسحاب ينشرونها ، أو ينشرون أجنحتهم في الجوّ عند النزول بالوحي ، أو هي الأمطار لأنها تنشر النبات . وقال الضحاك يريد ما ينشر من الكتب وأعمال بني آدم . وقال الربيع إنه البعث للقيامة بنشر الأرواح ، وجاء بالواو هنا لأنه استئناف قسم آخر { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } يعني الملائكة تأتي بما يفرّق بين الحق والباطل . والحلال والحرام . وقال مجاهد هي الريح تفرق بين السحاب فتبدّده . وروي عنه أنها آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل ، وقيل هي الرسل فرقوا ما بين ما أمر الله به ونهى عنه ، وبه قال الحسن { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } هي الملائكة . قال القرطبي بإجماع ، أي تلقي الوحي إلى الأنبياء . وقيل هو جبريل ، وسمي باسم الجمع تعظيماً له . وقيل هي الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل الله عليهم ، قاله قطرب . قرأ الجمهور { فالملقيات } بسكون اللام ، وتخفيف القاف اسم فاعل ، وقرأ ابن عباس بفتح اللام ، وتشديد القاف من التلقية وهي إيصال الكلام إلى المخاطب ، والراجح أن الثلاثة الأول للرياح ، والرابع والخامس للملائكة ، وهو الذي اختاره الزجاج ، والقاضي ، وغيرهما . { عُذْراً أَوْ نُذْراً } انتصابهما على البدل من { ذكراً } ، أو على المفعولية ، والعامل فيهما المصدر المنوّن ، كما في قوله { أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } البلد 14 ، 15 أو على المفعول لأجله ، أي للإعذار والإنذار ، أو على الحال بالتأويل المعروف ، أي معذرين أو منذرين . قرأ الجمهور بإسكان الذال فيهما . وقرأ زيد بن ثابت ، وابنه خارجة بن زيد ، وطلحة بضمهما . وقرأ الحرميان ، وابن عامر ، وأبو بكر بسكونها في عذراً وضمها في نذراً . وقرأ الجمهور { عذراً أو نذراً } على العطف بـ " أو " . وقرأ إبراهيم التيمي ، وقتادة على العطف بالواو بدون ألف ، والمعنى أن الملائكة تلقي الوحي إعذاراً من الله إلى خلقه ، وإنذاراً من عذابه ، كذا قال الفرّاء . وقيل عذراً للمحقين ونذراً للمبطلين . قال أبو عليّ الفارسي يجوز أن يكون العذر والنذر بالتثقيل جمع عاذر وناذر كقوله { هَـٰذَا نَذِيرٌ مّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } النجم 56 فيكون نصباً على الحال من الإِلقاء ، أي يلقون الذكر في حال العذر والإنذار ، أو مفعولان لذكراً ، أي تذكر عذراً أو نذراً . قال المبرد هما بالتثقيل جمع ، والواحد عذير ونذير . ثم ذكر سبحانه جواب القسم فقال { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوٰقِعٌ } أي إن الذي توعدونه من مجيء الساعة والبعث كائن لا محالة . ثم بيّن سبحانه متى يقع ذلك ، فقال { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } أي محي نورها ، وذهب ضوؤها ، يقال طمس الشيء إذا درس وذهب أثره { وَإِذَا ٱلسَّمَاء فُرِجَتْ } أي فتحت وشقت ، ومثله قوله { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوٰباً } النبأ 19 { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } أي قلعت من مكانها بسرعة ، يقال نسفت الشيء وأنسفته إذا أخذته بسرعة . وقال الكلبي سوّيت بالأرض ، والعرب تقول نسفت الناقة الكلأ إذا رعته . وقيل جعلت كالحبّ الذي ينسف بالمنسف ، ومنه قوله { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } الواقعة 5 والأوّل أولى . قال المبرد نسفت قلعت من مواضعها . { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقّتَتْ } الهمزة في { أقتت } بدل من الواو المضمومة ، وكل واو انضمت ، وكانت ضمتها لازمة يجوز إبدالها بالهمزة ، وقد قرأ بالواو أبو عمرو ، وشيبة ، والأعرج ، وقرأ الباقون بالهمزة ، والوقت الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه ، والمعنى جعل لها وقت للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم ، كما في قوله سبحانه { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } المائدة 109 وقيل هذا في الدنيا ، أي جمعت الرسل لميقاتها الذي ضرب لها في إنزال العذاب بمن كذبها ، والأوّل أولى . قال أبو عليّ الفارسي ، أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتاً . وقيل { أقتت } أرسلت لأوقات معلومة على ما علم الله به { لأَيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ } هذا الاستفهام للتعظيم والتعجيب ، أي لأيّ يوم عظيم يعجب العباد منه لشدّته ومزيد أهواله ضرب لهم الأجل لجمعهم ، والجملة مقول قول مقدر هو جواب لـ " إذا " ، أو في محل نصب على الحال من الضمير في { أقتت } . قال الزجاج المراد بهذا التأقيت تبيين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم . ثم بيّن هذا اليوم فقال { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } قال قتادة يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة والنار ، ثم عظم ذلك اليوم فقال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } أي وما أعلمك بيوم الفصل ، يعني أنه أمر بديع هائل لا يقادر قدره ، و " ما " مبتدأ وأدراك خبره ، أو العكس كما اختاره سيبويه . ثم ذكر حال الذين كذبوا بذلك اليوم فقال { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } أي ويل لهم في ذلك اليوم الهائل ، وويل أصل مصدر سادّ مسد فعله ، وعدل به إلى الرفع للدلالة على الثبات ، والويل الهلاك ، أو هو اسم واد في جهنم ، وكرّر هذه الآية في هذه السورة لأنه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم ، فإن لكل مكذب بشيء عذاباً سوى تكذيبه بشيء آخر ، وربّ شيء كذب به هو أعظم جرماً من التكذيب بغيره ، فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب . ثم ذكر سبحانه ما فعل بالكفار من الأمم الخالية فقال { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } أخبر سبحانه بإهلاك الكفار من الأمم الماضية من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم . قال مقاتل يعني بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم . { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلأَخِرِينَ } يعني كفار مكة ، ومن وافقهم حين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم قرأ الجمهور { نتبعهم } بالرفع على الاستئناف ، أي ثم نحن نتبعهم . قال أبو البقاء ليس بمعطوف لأن العطف يوجب أن يكون المعنى أهلكنا الأولين ثم أتبعناهم الآخرين في الإهلاك . وليس كذلك لأن إهلاك الآخرين لم يقع بعد . ويدل على الرفع قراءة ابن مسعود ثم سنتبعهم الآخرين وقرأ الأعرج ، والعباس عن أبي عمرو ونتبعهم بالجزم عطفاً على { نهلك } . قال شهاب الدين على جعل الفعل معطوفاً على مجموع الجملة من قوله { أَلَمْ نُهْلِكِ } . { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي مثل ذلك الفعل الفظيع نفعل بهم ، يريد من يهلكه فيما بعد ، والكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف ، أي مثل ذلك الإهلاك نفعل بكل مشرك إما في الدنيا أو في الآخرة { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } أي ويل يوم ذلك الإهلاك للمكذبين بكتب الله ورسله . قيل الويل الأوّل لعذاب الآخرة ، وهذا لعذاب الدنيا . { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ } أي ضعيف حقير ، وهو النطفة { فَجَعَلْنَـٰهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } أي مكان حريز ، وهو الرحم { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } أي إلى مقدار معلوم وهو مدّة الحمل . وقيل إلى أن يصوّر { فَقَدَرْنَا } قرأ الجمهور { فقدرنا } بالتخفيف . وقرأ نافع ، والكسائي بالتشديد من التقدير . قال الكسائي ، والفرّاء وهما لغتان بمعنى تقول قدّرت كذا وقدرته { فَنِعْمَ ٱلْقَـٰدِرُونَ } أي نعم المقدّرون نحن . قيل المعنى قدّرناه قصيراً أو طويلاً . وقيل معنى { قدّرنا } ملكنا { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } بقدرتنا على ذلك . ثم بيّن لهم بديع صنعه ، وعظيم قدرته ليعتبروا فقال { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } معنى الكفت في اللغة الضم والجمع ، يقال كفت الشيء إذا ضمه وجمعه ، ومن هذا يقال للجراب والقدر كفت ، والمعنى ألم نجعل الأرض ضامة للأحياء على ظهرها ، والأموات في باطنها تضمهم وتجمعهم . قال الفرّاء يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتاً في بطنها ، أي تحوزهم وهو معنى قوله { أَحْيَاء وَأَمْوٰتاً } وأنشد سيبويه @ كرام حين تنكفت الأفاعي إلى أجحارهنّ من الصقيع @@ قال أبو عبيدة كفاتاً أوعية ، ومنه قول الشاعر @ فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غداً تضمن في كفات @@ أي في قبر ، وقيل معنى جعلها كفاتاً أنه يدفن فيها ما يخرج من الإنسان من الفضلات . وقال الأخفش ، وأبو عبيدة الأحياء والأموات وصفان للأرض ، أي الأرض منقسمة إلى حيّ وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت . قال الفرّاء انتصاب أحياء ، وأمواتاً بوقوع الكفات عليه ، أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات ، فإذا نوّن نصب ما بعده . وقيل نصباً على الحال من الأرض ، أي منها كذا ومنها كذا . وقيل هو مصدر نعت به للمبالغة . وقال الأخفش كفاتاً جمع كافتة ، والأرض يراد بها الجمع ، فنعتت بالجمع . وقال الخليل التكفت تقليب الشيء ظهراً لبطن ، أو بطناً لظهر ، ويقال انكفت القوم إلى منازلهم ، أي ذهبوا . { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَـٰمِخَـٰتٍ } أي جبالاً طوالاً ، والرواسي الثوابت ، والشامخات الطوال ، وكل عال فهو شامخ { وَأَسْقَيْنَـٰكُم مَّاء فُرَاتاً } أي عذباً ، والفرات الماء العذب يشرب منه ويسقى به . قال مقاتل وهذا كله أعجب من البعث . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } بما أنعمنا عليهم من نعمنا التي هي من جملتها . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن أبي هريرة { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } قال هي الملائكة أرسلت بالعرف . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } قال الريح { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } قال الريح { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } قال الريح . وأخرج ابن راهويه ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب أنه جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب ، فقال ما العاصفات عصفاً ؟ قال الرياح . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } قال الريح { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } قال الريح { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } قال الملائكة { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } قال الملائكة . وأخرج ابن المنذر عنه { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } قال الملائكة { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } قال الملائكة ، فرقت بين الحق والباطل { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } قال بالتنزيل . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر عن ابن مسعود قال ويل واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار ، فجعل للمكذبين . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { مّن مَّاء مَّهِينٍ } قال ضعيف . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه { كِفَاتاً } قال كنا . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً { رَوَاسِىَ شَـٰمِخَـٰتٍ } قال جبالاً مشرفات ، وفي قوله { فُرَاتاً } قال عذباً .