Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 29-50)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱنطَلِقُواْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ } هو بتقدير القول ، أي يقال لهم توبيخاً وتقريعاً { ٱنطَلِقُواْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } في الدنيا ، تقول لهم ذلك خزنة جهنم ، أي سيروا إلى ما كنتم تكذبون به من العذاب ، وهو عذاب النار { ٱنطَلِقُواْ إِلَىٰ ظِلّ ذِى ثَلَـٰثِ شُعَبٍ } أي إلى ظل من دخان جهنم قد سطع ، ثم افترق ثلاث فرق تكونون فيه حتى يفرغ الحساب . وهذا شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب شعباً . قرأ الجمهور { انطلقوا } في الموضعين على صيغة الأمر على التأكيد ، وقرأ رويس عن يعقوب بصيغة الماضي في الثاني ، أي لما أمروا بالانطلاق امتثلوا ذلك ، فانطلقوا . وقيل المراد بالظل هنا هو السرادق ، وهو لسان من النار يحيط بهم . ثم يتشعب ثلاث شعب ، فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم ، ثم يصيرون إلى النار . وقيل هو الظلّ من يحموم ، كما في قوله { فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ } الواقعة 42 ، 43 على ما تقدم . ثم وصف سبحانه هذا الظلّ تهكماً بهم فقال { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِى مِنَ ٱللَّهَبِ } أي لا يظل من الحرّ ، ولا يغني من اللهب . قال الكلبي لا يردّ حرّ جهنم عنكم . ثم وصف سبحانه النار فقال { إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } أي كل شررة من شررها التي ترمي بها كالقصر من القصور في عظمها ، والشرر ما تطاير من النار متفرّقاً ، والقصر البناء العظيم . وقيل القصر جمع قصرة ساكنة الصاد مثل حمر وحمرة ، وتمر وتمرة ، وهي الواحدة من جزل الحطب الغليظ . قال سعيد بن جبير ، والضحاك وهي أصول الشجر العظام . وقيل أعناقه . قرأ الجمهور { كالقصر } بإسكان الصاد ، وهو واحد القصور ، كما تقدّم . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وحميد ، والسلمي بفتح الصاد ، أي أعناق النخل ، والقصرة العنق جمعه قصر وقصرات . وقال قتادة أعناق الإبل . وقرأ سعيد بن جبير بكسر القاف ، وفتح الصاد ، وهي أيضاً جمع قصرة مثل بدر وبدرة ، وقصع وقصعة . وقرأ الجمهور { بشرر } بفتح الشين . وقرأ ابن عباس ، وابن مقسم بكسرها مع ألف بين الراءين . وقرأ عيسى كذلك إلاّ أنه يفتح الشين ، وهي لغات ، ثم شبه الشرر باعتبار لونه فقال { كَأَنَّهُ جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } وهي جمع جمال ، وهي الإبل ، أو جمع جمالة . قرأ الجمهور " جمالات " بكسر الجيم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص { جمالة } جمع جمل . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن جبير ، وقتادة ، وأبو رجاء جمالات بضم الجيم ، وهي حبال السفن . قال الواحدي والصفر معناها السود في قول المفسرين . قال الفرّاء الصفر سواد الإبل لا يرى أسود من الإبل إلاّ وهو مشرب صفرة ، لذلك سمت العرب سود الإبل صفراً . قيل والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون النار أشبه شيء بالإبل السود ، ومنه قول الشاعر @ تلك خيلي وتلك ركابي هنّ صفر أولادها كالزبيب @@ أي هنّ سود . قيل وهذا القول محال في اللغة أن يكون شيء يشوبه شيء قليل ، فينسب كله إلى ذلك الشائب ، فالعجب لمن قال بهذا ، وقد قال تعالى { جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } . وأجيب بأن وجهه أن النار خلقت من النور ، فهي مضيئة ، فلما خلق الله جهنم ، وهي موضع النار حشى ذلك الموضع بتلك النار ، وبعث إليها سلطانه وغضبه ، فاسودّت من سلطانه وازدادت سواداً ، وصارت أشدّ سواداً من كل شيء ، فيكون شررها أسود لأنه من نار سوداء . قلت وهذا الجواب لا يدفع ما قاله القائل لأن كلامه باعتبار ما وقع في الكتاب العزيز هنا من وصفها بكونها صفراء ، فلو كان الأمر ، كما ذكره المجيب من اسوداد النار ، واسوداد شررها ، لقال الله كأنها جمالات سود ، ولكن إذا كانت العرب تسمي الأسود أصفر لم يبق إشكال لأن القرآن نزل بلغتهم ، وقد نقل الثقات عنهم ذلك ، فكان ما في القرآن هنا وارداً على هذا الاستعمال العربي . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } لرسل الله وآياته { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } أي لا يتكلمون قال الواحدي قال المفسرون في يوم القيامة مواقف ، ففي بعضها يتكلمون ، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون ، وقد قدّمنا الجمع بهذا في غير موضع . وقيل إن هذا إشارة إلى وقت دخولهم النار وهم عند ذلك لا ينطقون لأن مواقف السؤال والحساب قد انقضت . وقال الحسن لا ينطقون بحجة ، وإن كانوا ينطقون . قرأ الجمهور برفع { يوم } على أنه خبر لإسم الإشارة . وقرأ زيد بن عليّ ، والأعرج ، والأعمش ، وأبو حيوة ، وعاصم في رواية عنه بالفتح على البناء لإضافته إلى الفعل ، ومحله الرفع على الخبرية . وقيل هو منصوب على الظرفية ، والإشارة بهذا إلى ما تقدّم من الوعيد كأنه قيل هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } قرأ الجمهور { يؤذن } على البناء للمفعول ، وقرأ زيد بن عليّ ولا يأذن على البناء للفاعل ، أي لا يأذن الله لهم ، أي لا يكون لهم إذن من الله فيكون لهم اعتذار من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن كما لو نصب . قال الفرّاء الفاء في فيعتذرون نسق على يؤذن ، وأجيز ذلك لأن أواخر الكلام بالنون ، ولو قال فيعتذروا لم يوافق الآيات ، وقد قال { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } فاطر 36 بالنصب ، والكل صواب . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } بما دعتهم إليه الرسل ، وأنذرتهم عاقبته . { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَـٰكُمْ وَٱلاْوَّلِينَ } أي ويقال لهم هذا يوم الفصل الذي يفصل فيه بين الخلائق ، ويتميز فيه الحق من الباطل ، والخطاب في جمعناكم للكفار في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالأوّلين كفار الأمم الماضية . { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ } أي إن قدرتم على كيد الآن { فَكِيدُونِ } وهذا تقريع وتوبيخ لهم . قال مقاتل يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم . وقيل المعنى فإن قدرتم على حرب فحاربون . وقيل إن هذا من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيكون كقول هود { فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } هود 55 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } لأنه قد ظهر لهم عجزهم ، وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا . ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى ظِلَـٰلٍ وَعُيُونٍ } أي في ظلال الأشجار وظلال القصور ، لا كالظلّ الذي للكفار من الدخان ، أو من النار كما تقدّم . قال مقاتل ، والكلبي المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله لأن السورة من أوّلها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم . قال الرازي فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض ، وإلاّ لتفككت السورة في نظمها وترتيبها ، وإنما يتمّ النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم ، فأما جعله سبباً للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال والمراد بالعيون الأنهار ، وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم . { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يقال لهم ذلك ، فالجملة مقدّرة بالقول ، وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين ، والباء للسببية ، أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة . { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم ، قرأ الجمهور . { في ظلال } . وقرأ الأعمش ، والزهري ، وطلحة ، والأعرج في ظلل جمع ظلة { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } حيث صاروا في شقاء عظيم ، وصار المؤمنون في نعيم مقيم . { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين ، أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكير لهم بحالهم في الدنيا ، أو يقال لهم هذا في الدنيا ، والمجرمون المشركون بالله ، وهذا وإن كان في اللفظ أمراً فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } كرّره لزيادة التوبيخ والتقريع . { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } أي وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون . قال مقاتل نزلت في ثقيف امتنعوا من الصلاة بعد أن أمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بها فقالوا لا ننحني ، فإنها مسبة علينا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود " وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون . وقيل المعنى بالركوع الطاعة والخشوع . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } بأوامر الله سبحانه ونواهيه { فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } أي فبأيّ حديث بعد القرآن يصدّقون إذا لم يؤمنوا به . قرأ الجمهور { يؤمنون } بالتحتية على الغيبة . وقرأ ابن عامر في رواية عنه ، ويعقوب بالفوقية على الخطاب . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } قال كالقصر العظيم ، وقوله { جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } قال قطع النحاس . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وهناد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه من طريق عبد الرحمٰن بن عابس قال سمعت ابن عباس يسأل عن قوله { إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } قال كنا نرفع الخشب بقدر ثلاثة أذرع أو أقلّ ، فنرفعه للشتاء ، فنسميه القصر . قال وسمعته يسأل عن قوله { جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } قال حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى يكون كأوساط الرجال . ولفظ البخاري كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر . { كَأَنَّهُ جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه أنه قرأ كالقصر بفتح القاف والصاد . وقال قصر النخل يعني الأعناق . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال كانت العرب في الجاهلية تقول أقصروا لنا الحطب ، فيقطع على قدر الذراع والذراعين . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط عن ابن مسعود في قوله { تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } قال إنها ليست كالشجر والجبال ، ولكنها مثل المدائن والحصون . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { كَٱلْقَصْرِ } قال هو القصر ، وفي قوله { جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } قال الإبل . وأخرج الحاكم وصححه من طريق عكرمة قال سأل نافع ابن الأزرق ابن عباس عن قوله { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } و { لا تُسْمِعُ إِلاَّ هَمْساً } طه 108 { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } الطور 25 و { هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } الحاقة 19 فقال له ويحك هل سألت عن هذا أحداً قبلي ؟ قال لا ، قال أما أنك لو كنت سألت هلكت ، أليس قال الله { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } الحج 47 قال بلى ، قال فإن لكل مقدار يوم من هذه الأيام لوناً من الألوان . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } يقول يدعون يوم القيامة إلى السجود ، فلا يستطيعون من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا .