Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-26)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها ، وهي الملائكة التي تنزع أرواح العباد عن أجسادهم ، كما ينزع النازع في القوس ، فيبلغ بها غاية المدّ ، وكذا المراد بالناشطات ، والسابحات ، والسابقات ، والمدبرات يعني الملائكة ، والعطف مع اتحاد الكلّ لتنزيل التغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي ، كما في قول الشاعر @ إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم @@ وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وقال السديّ { النازعات } هي النفوس حين تغرق في الصدور . وقال مجاهد هي الموت ينزع النفس . وقال قتادة هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ، من قولهم نزع إليه إذا ذهب ، أو من قولهم نزعت بالحبل أي إنها تغرب وتغيب وتطلع من أفق آخر . وبه قال أبو عبيدة ، والأخفش ، وابن كيسان . وقال عطاء ، وعكرمة النازعات القسي تنزع بالسهام ، وإغراق النازع في القوس أن يمدّه غاية المدّ حتى ينتهي به إلى النصل . وقال يحيـى بن سلام تنزع بين الكلأ وتنفر ، وقيل أراد بالنازعات الغزاة الرماة ، وانتصاب { غَرْقاً } على أنه مصدر بحذف الزوائد أي إغراقاً ، والناصب له ما قبله لملاقاته له في المعنى أي إغراقاً في النزع حيث تنزعها من أقاصي الأجساد ، أو على الحال أي ذوات إغراق ، يقال أغرق في الشيء يغرق فيه إذا أوغل فيه وبلغ غايته ومعنى { الناشطات } أنها تنشط النفوس أي تخرجها من الأجساد ، كما ينشط العقال من يد البعير ، إذا حلّ عنه ، ونشط الرجل الدلو من البئر إذا أخرجها ، والنشاط الجذب بسرعة ، ومنه الأنشوطة للعقدة التي يسهل حلها . قال أبو زيد نشطت الحبل أنشطه نشطاً عقدته ، وأنشطته ، أي حللته ، وأنشطت الحبل ، أي مددته . قال الفراء أنشط العقال أي حلّ ، ونشط أي ربط الحبل في يديه . قال الأصمعي بئر أنشاط أي قريبة القعر يخرج الدلو منها بجذبة واحدة ، وبئر نشوط ، وهي التي لا يخرج منها الدلو حتى ينشط كثيراً . وقال مجاهد هو الموت ينشط نفس الإنسان . وقال السديّ هي النفوس حين تنشط من القدمين . وقال عكرمة ، وعطاء هي الأوهاق التي تنشط السهام ، وقال قتادة ، والحسن ، والأخفش هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق أي تذهب . قال في الصحاح والناشطات نشطاً يعني النجوم من برج إلى برج كالثور الناشط من بلد إلى بلد ، والهموم تنشط بصاحبها . وقال أبو عبيدة ، وقتادة هي الوحوش حين تنشط من بلد إلى بلد . وقيل الناشطات لأرواح المؤمنين ، والنازعات لأرواح الكافرين لأنها تجذب روح المؤمن برفق ، وتجذب روح الكافر بعنف ، وقوله { نَشْطاً } مصدر ، وكذا سبحاً وسبقاً { وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ } الملائكة تسبح في الأبدان لإخراج الروح كما يسبح الغوّاص في البحر لإخراج شيء منه ، وقال مجاهد ، وأبو صالح هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين لأمر الله ، كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه . وقال مجاهد أيضاً السابحات الموت يسبح في نفوس بني آدم . وقيل هي الخيل السابحة في الغزو ، ومنه قول عنترة @ والخيل تعلم حين تسـ ـبح في حياض الموت سبحا @@ وقال قتادة ، والحسن هي النجوم تسبح في أفلاكها ، كما في قوله { وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يۤس 40 وقال عطاء هي السفن تسبح في الماء ، وقيل هي أرواح المؤمنين تسبح شوقاً إلى الله { فَٱلسَّـٰبِقَـٰتِ سَبْقاً } هم الملائكة على قول الجمهور كما سلف . قال مسروق ، ومجاهد تسبق الملائكة الشياطين بالوحي إلى الأنبياء . وقال أبو روق هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير ، والعمل الصالح ، وروي نحوه عن مجاهد . وقال مقاتل هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة . وقال الربيع هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة شوقاً إلى الله . وقال مجاهد أيضاً هو الموت يسبق الإنسان . وقال قتادة ، والحسن ، ومعمر هي النجوم يسبق بعضها في السير بعضاً . وقال عطاء هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد . وقيل هي الأرواح التي تسبق الأجساد إلى الجنة أو النار . قال الجرجاني عطف السابقات بالفاء ، لأنها مسببة من التي قبلها ، أي واللاتي يسبحن فيسبقن . تقول قام فذهب ، فهذا يوجب أن يكون القيام سبباً للذهاب ، ولو قلت قام وذهب بالواو لم يكن القيام سبباً للذهاب . قال الواحدي وهذا غير مطرد في قوله { فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } لأنه يبعد أن يجعل السبق سبباً للتدبر . قال الرازي ويمكن الجواب عما قاله الواحدي بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره ، فتكون هذه أفعالاً يتصل بعضها ببعض كقوله قام زيد فذهب ، ولما سبقوا في الطاعات وسارعوا إليها ظهرت أمانتهم ، ففوّض إليهم التدبير . ويجاب عنه بأن السبق لا يكون سبباً للتدبير كسببية السبح للسبق ، والقيام للذهاب ، ومجرد الاتصال لا يوجب السببية والمسببية ، والأولى أن يقال العطف بالفاء في المدبرات طوبق به ما قبله من عطف السابقات بالفاء ، ولا يحتاج إلى نكتة ، كما احتاج إليها ما قبله لأن النكتة إنما تطلب لمخالفة اللاحق للسابق لا لمطابقته وموافقته . { فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } قال القشيري أجمعوا على أن المراد هنا الملائكة . وقال الماوردي فيه قولان أحدهما الملائكة وهو قول الجمهور . والثاني أنها الكواكب السبع ، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل ، وفي تدبيرها الأمر وجهان أحدهما تدبر طلوعها ، وأفولها . الثاني تدبر ما قضاه الله فيها من الأحوال . ومعنى تدبير الملائكة للأمر نزولها بالحلال والحرام ، وتفصيلهما ، والفاعل للتدبير في الحقيقة ، وإن كان هو الله عزّ وجلّ ، لكن لما نزلت الملائكة به وصفت به . وقيل إن الملائكة لما أمرت بتدبير أهل الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك قيل لها مدبرات . قال عبد الرحمٰن بن ساباط تدبير أمر الدنيا إلى أربعة من الملائكة جبريل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وإسرافيل ، فأما جبريل ، فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل ، فموكل بالقطر والنبات ، وأما عزرائيل ، فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل ، فهو ينزل بالأمر عليهم ، وجواب القسم بهذه الأمور التي أقسم الله بها محذوف أي والنازعات ، وكذا ، وكذا لتبعثنّ . قال الفرّاء وحذف لمعرفة السامعين به ، ويدل عليه قوله { أإِذَا كُنَّا عِظَـٰماً نَّخِرَةً } . وقيل إن جواب القسم قوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰ } أي إن في يوم القيامة ، وذكر موسى وفرعون لعبرة لمن يخشى . قال ابن الأنباري وهذا قبيح لأن الكلام قد طال بينهما ، وقيل جواب القسم { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } لأن المعنى قد أتاك ، وهذا ضعيف جداً ، وقيل الجواب { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } على تقدير ليوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة . وقال السجستاني يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير ، كأنه قال فإذا هم بالساهرة والنازعات . قال ابن الأنباري وهذا خطأ ، لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام ، والأوّل أولى . { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } انتصاب هذا الظرف بالجواب المقدّر للقسم ، أو بإضمار اذكر ، والراجفة المضطربة ، يقال رجف يرجف إذا اضطرب ، والمراد هنا الصيحة العظيمة التي فيها تردّد واضطراب كالرعد ، وهي النفخة الأولى التي يموت بها جميع الخلائق ، والرادفة النفخة الثانية التي تكون عند البعث ، وسميت رادفة لأنها ردفت النفخة الأولى ، كذا قال جمهور المفسرين . وقال ابن زيد الراجفة الأرض ، والرادفة الساعة . وقال مجاهد الرادفة الزلزلة { تتبعها الرادفة } الصيحة ، وقيل الراجفة اضطراب الأرض ، والرادفة الزلزلة ، وأصل الرجفة الحركة ، وليس المراد التحرك هنا فقط ، بل الراجفة هنا مأخوذة من قولهم رجف الرعد يرجف رجفاً ورجيفاً إذا ظهر صوته ، ومنه سميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها ، وظهور الأصوات فيها ، ومنه قول الشاعر @ أبا لأراجيف يا ابن اللؤم توعدني وفي الأراجيف خلت اللؤم والخورا @@ ومحل { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } النصب على الحال من الراجفة ، والمعنى لتبعثنّ يوم النفخة الأولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها . { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } قلوب مبتدأ ، ويومئذ منصوب بواجفة ، وواجفة صفة قلوب ، وجملة { أَبْصَـٰرُهَا خَـٰشِعَةٌ } خبر قلوب ، والراجفة المضطربة القلقة لما عاينت من أهوال يوم القيامة . قال جمهور المفسرين أي خائفة وجلة . وقال السديّ زائلة عن أماكنها ، نظيره { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } غافر 18 وقال المؤرج قلقة مستوفزة . وقال المبرد مضطربة ، يقال وجف القلب يجف وجيفاً إذا خفق ، كما يقال وجب يجب وجيباً ، والإيجاف السير السريع ، فأصل الوجيف اضطراب القلب ، ومنه قول قيس بن الخطيم @ إن بني جحجبي وقومهم أكبادنا من ورائهم تجف @@ { أبصارها خاشعة } أي أبصار أصحابها ، فحذف المضاف ، والخاشعة الذليلة ، والمراد أنها تظهر عليهم الذلة والخضوع عند معاينة أهوال يوم القيامة ، كقوله { خَـٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلّ } الشورى 45 قال عطاء يريد أبصار من مات على غير الإسلام ، ويدلّ على هذا أن السياق في منكري البعث { يَقُولُونَ أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى ٱلْحَـٰفِرَةِ } هذا حكاية لما يقوله المنكرون للبعث إذا قيل لهم إنكم تبعثون أي أنردّ إلى أوّل حالنا ، وابتداء أمرنا ، فنصير أحياء بعد موتنا ، يقال رجع فلان في حافرته ، أي رجع من حيث جاء ، والحافرة عند العرب اسم لأوّل الشيء ، وابتداء الأمر ، ومنه قولهم رجع فلان على حافرته أي على الطريق الذي جاء منه ، ويقال اقتتل القوم عند الحافرة أي عند أوّل ما التقوا ، وسميت الطريق التي جاء منها حافرة لتأثيره فيها بمشيه فيها فهي حافرة بمعنى محفورة ، ومن هذا قول الشاعر @ أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وعار @@ أي أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل بعد الشيب والصلع ؟ ! وقيل الحافرة العاجلة ، والمعنى إنا لمردودون إلى الدنيا . وقيل الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم ، ومنه قول الشاعر @ آليت لا أنساكم فاعلموا حتى يردّ الناس في الحافرة @@ والمعنى إنا لمردودون في قبورنا أحياء ، كذا قال الخليل ، والفراء ، وبه قال مجاهد . وقال ابن زيد الحافرة النار ، واستدلّ بقوله { تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } . قرأ الجمهور { في الحافرة } وقرأ أبو حيوة " في الحفرة " . { أإِذَا كُنَّا عِظَـٰماً نَّخِرَةً } أي بالية متفتتة . يقال نخر العظم بالكسر إذا بلي وهذا تأكيد لإنكار البعث أي كيف نردّ أحياء ، ونبعث إذا كنا عظاماً نخرة ؟ والعامل في إذا مضمر يدلّ عليه مردودون أي أئذا كنا عظاماً بالية نردّ ونبعث مع كونها أبعد شيء من الحياة . قرأ الجمهور { نخرة } وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر " ناخرة " ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، وأبو حاتم ، واختار القراءة الثانية الفراء ، وابن جرير ، وأبو معاذ النحوي . قال أبو عمرو بن العلاء الناخرة التي لم تنخر بعد ، أي لم تبل ولا بدّ أن تنخر . وقيل هما بمعنى ، تقول العرب نخر الشيء ، فهو ناخر ونخر ، وطمع ، فهو طامع وطمع ونحو ذلك . قال الأخفش هما جميعاً لغتان أيهما قرأت فحسن . قال الشاعر @ يظلّ بها الشيخ الذي كان بادنا يدبّ على عوج له نخرات @@ يعني على قوائم عوج . وقيل الناخرة التي أكلت أطرافها وبقيت أوساطها ، والنخرة التي فسدت كلها . وقال مجاهد نخرة أي مرفوتة ، كما في قوله { رفاتاً } الإسراء 49 . وقد قرىء " إذا كنا " و { أئذا كنا } بالاستفهام ، وبعدمه . ثم ذكر سبحانه عنهم قولاً آخر قالوه فقال { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } أي رجعة ذات خسران لما يقع على أصحابها من الخسران ، والمعنى أنهم قالوا إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا بعد الموت مما يقوله محمد . وقيل معنى خاسرة كاذبة أي ليست بكائنة ، كذا قال الحسن وغيره . وقال الربيع بن أنس خاسرة على من كذب بها . وقال قتادة ، ومحمد بن كعب أي لئن رجعنا بعد الموت لنخسرنّ بالنار ، وإنما قالوا هذا لأنهم أوعدوا بالنار ، والكرّة الرجعة ، والجمع كرّات . وقوله { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } تعليل لما يدل عليه ما تقدّم من استبعادهم لبعث العظام النخرة ، وإحياء الأموات ، والمعنى لا تستبعدوا ذلك فإنما هي زجرة واحدة ، وكان ذلك الإحياء ، والبعث ، والمراد بالزجرة الصيحة وهي النفخة الثانية التي يكون البعث بها . وقيل إن الضمير في قوله { إِنَّمَا هِىَ } . راجع إلى الرادفة المتقدّم ذكرها . { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } أي فإذا الخلائق الذين قد ماتوا ودفنوا أحياء على وجه الأرض ، قال الواحدي المراد بالساهرة وجه الأرض ، وظاهرها في قول الجميع . قال الفرّاء سميت بهذا الاسم لأن فيها نوم الحيوان ، وسهرهم . وقيل لأنه يسهر في فلاتها خوفاً منها ، فسميت بذلك ، ومنه قول أبي كثير الهذلي @ يردون ساهرة كأنّ حميمها وغميمها أسداف ليل مظلم @@ وقول أمية بن أبي الصلت @ وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به لهم مقيم @@ يريد لحم حيوان أرض ساهرة . قال في الصحاح الساهرة وجه الأرض ، ومنه قوله { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } . وقال الساهرة أرض بيضاء ، وقيل أرض من فضة لم يعص الله سبحانه فيها . وقيل الساهرة الأرض السابعة يأتي بها الله سبحانه فيحاسب عليها الخلائق . وقال سفيان الثوري الساهرة أرض الشام . وقال قتادة هي جهنم ، أي فإذا هؤلاء الكفار في جهنم ، وإنما قيل لها ساهرة لأنهم لا ينامون فيها لاستمرار عذابهم ، وجملة { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه ، وأنه يصيبهم مثل ما أصاب من كان قبلهم ممن هو أقوى منهم ، ومعنى { هل أتاك } قد جاءك وبلغك ، هذا على تقدير أن قد سمع من قصص فرعون وموسى ما يعرف به حديثهما ، وعلى تقدير أن هذا أوّل ما نزل عليه في شأنهما ، فيكون المعنى على الاستفهام أي هل أتاك حديثه أنا أخبرك به . { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } الظرف متعلق بـ { حديث } لا بـ { أتاك } لاختلاف وقتيهما ، وقد مضى من خبر موسى وفرعون في غير موضع ما فيه كفاية ، وقد تقدّم الاختلاف بين القرّاء في { طوى } في سورة طه . والواد المقدّس المبارك المطهر . قال الفراء { طوى } واد بين المدينة ومصر . قال وهو معدول من طاو كما عدل عمر من عامر . قال والصرف أحبّ إليّ إذ لم أجد في المعدول نظيراً له . وقيل طوى معناه يا رجل بالعبرانية ، فكأنه قيل يا رجل اذهب ، وقيل المعنى إن الوادي المقدّس بورك فيه مرتين ، والأوّل أولى . وقد مضى تحقيق القول فيه . { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } قيل هو على تقدير القول ، وقيل هو تفسير للنداء أي ناداه نداء هو قوله اذهب . وقيل هو على حذف أن المفسرة ، ويؤيده قراءة ابن مسعود أن اذهب لأن في النداء معنى القول ، وجملة { إِنَّهُ طَغَىٰ } تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال أي جاوز الحدّ في العصيان ، والتكبر ، والكفر بالله { فَقُلْ } له { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } أي قوله بعد وصولك إليه هل لك رغبة إلى التزكي وهو التطهر من الشرك ، وأصله تتزكى فحذفت إحدى التاءين . قرأ الجمهور { تزكى } بالتخفيف . وقرأ نافع ، وابن كثير بتشديد الزاي على إدغام التاء في الزاي . قال أبو عمرو بن العلاء معنى قراءة التخفيف تكون زكياً مؤمناً ومعنى قراءة التشديد الصدقة ، وفي الكلام مبتدأ مقدّر يتعلق به إليه ، والتقدير هل لك رغبة ، أو هل لك توجه ، أو هل لك سبيل إلى التزكي ، ومثل هذا قولهم هل لك في الخير ؟ يريدون هل لك رغبة في الخير ، ومن هذا قول الشاعر @ فهل لكم فيها إليّ فإنني بصير بما أعيا النطاسي جذيما @@ { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ فَتَخْشَىٰ } أي أرشدك إلى عبادته وتوحيده ، فتخشى عقابه ، والفاء لترتيب الخشية على الهداية لأن الخشية لا تكون إلاّ من مهتد راشد { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } هذه الفاء هي الفصيحة لإفصاحها عن كلام محذوف ، يعني فذهب فقال له ما قال مما حكاه الله في غير موضع ، وأجاب عليه بما أجاب إلى أن قال { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـئَايَةٍ فَأْتِ } الأعراف 106 فعند ذلك أراه الآية الكبرى . واختلف في الآية الكبرى ما هي ؟ فقيل العصا ، وقيل يده . وقيل فلق البحر . وقيل هي جميع ما جاء به من الآيات التسع { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } أي فلما أراه الآية الكبرى كذّب بموسى ، وبما جاء به ، وعصى الله عزّ وجلّ ، فلم يطعه { ثُمَّ أَدْبَرَ } أي تولى ، وأعرض عن الإيمان { يَسْعَىٰ } أي يعمل بالفساد في الأرض ، ويجتهد في معارضة ما جاء به موسى ، وقيل أدبر هارباً من الحية يسعى خوفاً منها . وقال الرازي معنى { أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } أقبل يسعى ، كما يقال أقبل يفعل كذا أي أنشأ يفعل كذا ، فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال . { فَحَشَرَ } أي فجمع جنوده للقتال والمحاربة ، أو جمع السحرة للمعارضة ، أو جمع الناس للحضور ليشاهدوا ما يقع ، أو جمعهم ليمنعوه من الحية { فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } أي قال لهم بصوت عال ، أو أمر من ينادي بهذا القول . ومعنى { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلاْعْلَىٰ } أنه لا ربّ فوقي . قال عطاء كان صنع لهم أصناماً صغاراً وأمرهم بعبادتها ، وقال أنا ربّ أصنامكم ، وقيل أراد بكونه ربهم أنه قائدهم وسائدهم . والأوّل أولى لقوله في آية أخرى { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } القصص 38 . { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلأَخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } النكال نعت مصدر محذوف ، أي أخذه أخذ نكال ، أو هو مصدر لفعل محذوف ، أي أخذه الله ، فنكله نكال الآخرة ، والأولى ، أو مصدر مؤكد لمضمون الجملة ، والمراد بنكال الآخرة عذاب النار ، ونكال الأولى عذاب الدنيا بالغرق . وقال مجاهد عذاب أوّل عمره وآخره . وقال قتادة الآخرة . قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأعْلَىٰ } والأولى تكذيبه لموسى . وقيل الآخرة . قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلاْعْلَىٰ } والأولى قوله { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } القصص 38 وكان بين الكلمتين أربعون سنة ، ويجوز أن يكون انتصاب نكال على أنه مفعول له أي أخذه الله لأجل نكال ، ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض أي بنكال . ورجح الزجاج أنه مصدر مؤكد ، قال لأن معنى أخذه الله نكل الله به ، فأخرج من معناه لا من لفظه . وقال الفرّاء أي أخذه الله أخذاً نكالاً أي للنكال ، والنكال اسم لما جعل نكالاً للغير أي عقوبة له ، يقال نكل فلان بفلان إذا عاقبه ، وأصل الكلمة من الامتناع ، ومنه النكول عن اليمين ، والنكل القيد . { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰ } أي فيما ذكر من قصة فرعون ، وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه ، ويخاف عقوبته ، ويحاذر غضبه . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في قوله { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً } قال هي الملائكة تنزع روح الكفار { وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشْطاً } قال هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها { وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبْحاً } هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض { فَٱلسَّـٰبِقَـٰتِ سَبْقاً } هي الملائكة يسبق بعضها بعضاً بأرواح المؤمنين إلى الله { فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } هي الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً } قال هي أنفس الكفار تنزع ، ثم تنشط ، ثم تغرق في النار . وأخرج الحاكم وصححه عنه { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً * وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشْطاً } قال الموت . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً } قال الملائكة الذين يلون أنفس الكفار إلى قوله { وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبْحاً } قال الملائكة . وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تمزّق الناس ، فتمزقك كلاب النار ، قال الله { وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشْطاً } أتدري ما هو ؟ " قلت يا نبيّ الله ما هو ؟ قال " كلاب في النار تنشط اللحم والعظم " وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب أن ابن الكوّاء سأله عن { المدبرات أمْراً } قال هي الملائكة يدبرون ذكر الرحمٰن وأمره . وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت عن ابن عباس قال { لَكَ أمْراً } ملائكة يكونون مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم ، فمنهم من يعرج بالروح ، ومنهم من يؤمِّن على الدّعاء ، ومنهم من يستغفر للميت حتى يُصلى عليه ويدلى في حفرته . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } قال النفخة الأولى { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } قال النفخة الثانية { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } قال خائفة { أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى ٱلْحَـٰفِرَةِ } قال الحياة . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أبيّ بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال " أيها الناس اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه " وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، والديلمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ترجف الأرض رجفاً وتزلزل بأهلها وهي التي يقول الله { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } " يقول " مثل السفينة في البحر تكفأ بأهلها مثل القنديل المعلق بأرجائه " وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } قال وجلة متحركة . وأخرج عبد بن حميد عنه { أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى ٱلْحَـٰفِرَةِ } قال خلقاً جديداً . وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وابن الأنباري في الوقف والابتداء ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً أنه سئل عن قوله { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } فقال الساهرة وجه الأرض ، وفي لفظ قال الأرض كلها ساهرة ، ألا ترى قول الشاعر @ صيد بحر وصيد ساهرة @@ وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضاً { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } قال هل لك أن تقول لا إلٰه إلاّ الله ؟ وأخرج ابن جرير عنه أيضاً { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلأَخِرَةِ } قال قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } { والأولى } قال قوله { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } القصص 38 . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال كان بين كلمتيه أربعون سنة .