Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأنفال جمع نفل محرّكاً ، وهو الغنيمة ، ومنه قول عنترة @ إنا إذا احمرّ الوغى نروي القنا ونعف عند تقاسم الأنفال @@ أي الغنائم . وأصل النفل . الزيادة . وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحلّ الله لهذه الأمة مما كان محرماً على غيرهم . أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجر الجهاد . ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين ، والابتغاء ، ونبت معروف . والنافلة التطوّع لكونها زائدة على الواجب . والنافلة ولد الولد ، لأنه زيادة على الولد . وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر كما سيأتي بيانه ، فنزع الله ما غنموه من أيديهم ، وجعله لله والرسول ، فقال { قُلِ ٱلأنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } أي حكمها مختص بهما ، يقسمها بينكم رسول الله عن أمر الله سبحانه ، وليس لكم حكم في ذلك . وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } الأنفال 41 . وثم أمرهم بالتقوى ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما ، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم ، ثم قال { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مؤمنين بالله . وفيه من التهييج والإلهاب مالا يخفى ، مع كونهم في تلك الحال على الإيمان ، فكأنه قال إن كنتم مستمرّين على الإيمان بالله ، لأن هذه الأمور الثلاثة التي هي تقوى الله ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله والرسول ، لا يكمل الإيمان بدونها ، بل لا يثبت أصلاً لمن لم يمتثلها ، فإن من ليس بمتق ، وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن . وقد أخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن أبي أمامة ، قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقسمه رسول الله بين المسلمين عن بواء . يقول عن سواء . وأخرج سعيد ابن منصور ، وأحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدراً ، فالتقى الناس فهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدوّ منه غرّة ، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ لستم بأحق بها منا ، نحن نفينا عنه العدوّ وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرّة فاشتغلنا به ، فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ قُلِ ٱلأنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدوّ نفل الربع ، وإذا أقبل راجعاً وكلّ الناس نفل الثلث . وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قويّ المسلمين على ضعيفهم . وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي أيوب الأنصاريّ قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، فنصرها الله وفتح عليها ، فكان من آتاه بشيء نفله من الخمس ، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلونه ويأسرون ، وتركوا الغنائم خلفهم ، فلم ينالوا من الغنائم شيئاً ، فقالوا يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون ، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم بالغنيمة ؟ فسكت رسول الله ونزل { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } الآية ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال " ردوا ما أخدتم واقتسموا بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك " ، فقالوا قد أنفقنا وأكلنا ، فقال " احتسبوا ذلك " . وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال قلت يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين ، فهب لي هذا السيف ، فقال " إن هذا السيف لا لك ولا لي ، ضعه " ، فوضعته ، ثم رجعت قلت عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي ، إذا رجل يدعوني من ورائي ، قلت قد أنزل الله فيّ شيئاً ؟ قال " كنت سألتني هذا السيد وليس هو لي ، وإنه قد وهب لي فهو لك " وأنزل الله هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } وفي لفظ لأحمد أن سعداً قال لما قتل أخي يوم بدر ، وقتلت سعيد بن العاص ، وأخذت سيفه وكان يسمّى ذا الكتيفة ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحو ما تقدّم ، وقد روي هذا الحديث عن سعد من وجوه أخر . وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جدّه أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر ، فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } . وأخرج ابن مردويه عنه قال لم ينفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إذ نزلت عليه { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } إلا من الخمس ، فإنه نفل يوم خيبر من الخمس . وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن حبان ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلاً فله كذا وكذا " ، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا ، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقالت المشيخة للشبان أشركونا معكم فإنا كنا لكم رِدءاً ، ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } الآية ، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بينهم بالسوية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، في قوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } قال الأنفال المغانم . كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه به . فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها شيئاً فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ قُلِ ٱلأنفَالُ } لي جعلتها لرسولي ليس لكم فيها شيء { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } إلى قوله { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ثم أنزل الله { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } الأنفال 41 الآية ، ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذي القربى واليتامى ، والمساكين ، والمهاجرين في سبيل الله ، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء ، للفرس سهمان ، ولصاحبه سهم ، وللراجل سهم . وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، عن ابن عباس ، في قوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } قال هي الغنائم ، ثم نسخها { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } الآية . وأخرج مالك وابن أبي شيبة ، وأبو عبيد ، وعبد بن حميد وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال فقال الفرس من النفل ، والسلب من النفل ، فأعاد المسألة فقال ابن عباس هذا مثل ضبيع الذي ضربه عمر وفي لفظ فقال ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بضبيع العراقي ، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه ، قال الأنفال المغانم ، أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها ، فيرد القويّ على الضعيف . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والنحاس ، وأبو الشيخ ، عن عطاء ، في قوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } قال هو ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال ، من عبد أو دابة أو متاع ، فذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، يصنع به ما شاء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن عمرو قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال فقال تسألوني عن الأنفال ، وإنه لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرج عبد الرزاق عن سعيد أيضاً قال ما كانوا ينفلون إلا من الخمس . وروي عبد الرزاق عنه أنه قال لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس . وأخرج عبد الرزاق عن أنس أن أميراً من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه ، فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن الشعبي ، في قوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } قال ما أصابت السرايا . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والنحاس في ناسخه ، عن مجاهد ، وعكرمة ، قال كانت الأنفال لله والرسول ، حتى نسختها آية الخمس { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } الآية الأنفال 41 . وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، في الأدب المفرد ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس ، في قوله { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } قال هذا تخريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مكحول ، قال كان صلاح ذات بينهم أن ردت الغنائم ، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين من قاتل وغنم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء ، في قوله { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } قال طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة .