Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الوجل الخوف والفزع ، والمراد أن حصول الخوف من الله . والفزع منه عند ذكره هو شأن المؤمنين الكاملي الإيمان المخلصين لله ، فالحصر باعتبار كمال الإيمان لا باعتبار أصل الإيمان . قال جماعة من المفسرين هذه الآية متضمنة للتحريض على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما أمر به من قسمة الغنائم ، ولا يخفاك أن هذا وإن صح إدراجه تحت معنى الآية ، من جهة أن وجل القلوب عند الذكر وزيادة الإيمان عند تلاوة آيات الله يستلزمان امتثال ما أمر به سبحانه من كون الأنفال لله والرسول ، ولكن الظاهر أن مقصود الآية هو إثبات هذه المزية لمن كمل إيمانه من غير تقييد بحال دون حال ، ولا بوقت دون وقت ، ولا بواقعة دون واقعة . والمراد من تلاوة آياته تلاوة الآيات المنزلة أو التعبير عن بديع صنعته ، وكمال قدرته في آياته التكوينية بذكر خلقها البديع وعجائبها التي يخشع عند ذكرها المؤمنون . قيل والمراد بزيادة الإيمان هو زيادة انشراح الصدر وطمأنينة القلب وانثلاج الخاطر عند تلاوة الآيات . وقيل المراد بزيادة الإيمان زيادة العمل لأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ، والآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة ترد ذلك وتدفعه . { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } لا على غيره . والتوكل على الله تفويض الأمر إليه في جميع الأمور . والموصول في قوله { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } في محل رفع على أنه وصف للموصول الذي قبله ، أو بدل منه ، أو بيان له ، أو في محل نصب على المدح . وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه . و « من » في { مّمَّا } للتبعيض . والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المتصفين بالأوصاف المتقدّمة ، وهو مبتدأ وخبره { هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي إن هؤلاء هم الكاملون الإيمان البالغون فيه إلى أعلى درجاته ، وأقصى غاياته . و { حَقّاً } مصدر مؤكد لمضمون جملة { هم المؤمنون } أي حق ذلك حقاً أو صفة مصدر محذوف ، أي هم المؤمنون إيماناً حقاً . ثم ذكر ما أعدّ لمن كان جامعاً بين هذه الأوصاف من الكرامة فقال { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ } أي منازل خير وكرامة ، وشرف في الجنة كائنة عند ربهم ، وفي كونها عنده سبحانه زيادة تشريف لهم وتكريم ، وتعظيم وتفخيم . وجملة { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبّهِمْ } خبر ثان لـ { أُوْلَـٰئِكَ } أو مستأنفة جواباً لسؤال مقدر { وَمَغْفِرَةٌ } معطوف على درجات أي مغفرة لذنوبهم . { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } يكرمهم الله به من واسع فضله ، وفائض جوده . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قال فرقت قلوبهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه ، أيضاً في الآية قال المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون على الله ، ولا يصلون إذا غابوا ، ولا يؤدّون زكاة أموالهم ، فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف المؤمنين فقال { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فأدّوا فرائضه . وأخرج الحكيم الترمذي ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، من طريق شهر بن حوشب ، عن أمّ الدرداء قالت إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر بن حوشب ، أما تجد قشعريرة ؟ قلت بلى ، قالت فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك . وأخرج الحكيم الترمذي عن ثابت البناني قال قال فلان إني لأعلم متى يستجاب لي قالوا ومن أين لك ؟ قال إذا اقشعرّ جلدي ، ووجل قلبي ، وفاضت عيناي ، فذلك حين يستجاب لي . وأخرج أيضاً عن عائشة قالت ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة ، فإذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في الآية قال هو الرجل يريد أن يظلم أو يهمّ بمعصية ، فيقال له اتق الله فييجل قلبه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } قال تصديقاً . وأخرج هؤلاء عن الربيع بن أنس في قوله { زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } قال خشية . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يقول لا يرجون غيره . وأخرجا عنه في قوله { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } قال برئوا من الكفر . وأخرج أبو الشيخ عنه { حَقّاً } قال خالصاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ } يعني فضائل ورحمة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ } قال أعمال رفيعة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ } قال أهل الجنة بعضهم فوق بعض . فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه . ولا يرى الذي هو أسفل أنه فضل عليه أحد . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن زيد ، في قوله { وَمَغْفِرَةٌ } قال بترك الذنوب . { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } قال الأعمال الصالحة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال إذا سمعتم الله يقول { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } فهي الجنة .