Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 26-28)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الخطاب بقوله { وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } للمهاجرين ، أي اذكروا وقت قلتكم ، و { مُّسْتَضْعَفُونَ } خبر ثان للمبتدأ ، والأرض هي أرض مكة ، والخطف الأخذ بسرعة ، والمراد بالناس مشركو قريش . وقيل فارس والروم { فَآوَاكُمْ } يقال آوى إليه بالمد وبالقصر بمعنى انضم إليه . فالمعنى ضمكم الله إلى المدينة أو إلى الأنصار { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } أي قوّاكم بالنصر في مواطن الحرب التي منها يوم بدر ، أو قوّاكم بالملائكة يوم بدر { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } التي من جملتها الغنائم { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي إرادة أن تشكروا هذه النعم ، التي أنعم بها عليكم ، والخون أصله كما في الكشاف النقص . كما أن الوفاء التمام ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان . وقيل معناه الغدر وإخفاء الشيء . ومنه قوله تعالى { يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلاْعْيُنِ } غافر 19 نهاهم الله عن أن يخونوه بترك شيء مما افترضه عليهم ، أو يخونوا رسوله بترك شيء مما أمنهم عليه ، أو بترك شيء مما سنه لهم ، أو يخونوا شيئاً من الأمانات التي اؤتمنوا عليها ، وسميت أمانات لأنه يؤمن معها من منع الحق ، مأخوذة من الأمن . وجملة { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } في محل نصب على الحال ، أي وأنتم تعلمون أن ذلك الفعل خيانة ، فتفعلون الخيانة عن عمد ، أو وأنتم من أهل العلم لا من أهل الجهل . ثم قال { وَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } لأنهم سبب الوقوع في كثير من الذنوب ، فصاروا من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده ، وإن كانوا من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا كما في الآية الأخرى { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } فآثروا حقه على أموالكم وأولادكم ، ليحصل لكم ما عنده من الأجر المذكور . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { وَٱذْكُرُواْ إِذَ أَنتُمْ قَلِيلٌ } قال كان هذا الحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاً ، وأشقاه عيشاً ، وأجوعه بطوناً ، وأعراه جلوداً ، وأبينه ضلالة ، من عاش عاش شقياً ، ومن مات منهم ردّي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، لا والله ما نعلم قبيلاً من حاضري الأرض يومئذ كان أشرّ منزلاً منهم حتى جاء الله بالإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس . وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا لله نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله عزّ وجلّ . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج ، في قوله { يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } قال في الجاهلية بمكة { فَآوَاكُمْ } إلى الإسلام . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن وهب ، في قوله { يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } قال الناس إذ ذاك فارس والروم . وأخرج أبو الشيخ ، وأبو نعيم ، والديلمي ، في مسند الفردوس ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله { وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } قيل يا رسول الله ومن الناس ؟ قال " أهل فارس " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { فَآوَاكُمْ } قال إلى الأنصار بالمدينة { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } قال يوم بدر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن جابر بن عبد الله ، أن أبا سفيان خرج من مكة ، فأتى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا ، فاخرجوا إليه واكتموا " ، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان إن محمداً يريدكم فخذوا حذركم ، فأنزل الله { ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، قال نزلت هذه الآية { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } في أبي لبابة بن عبد المنذر ، سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر ؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، فنزلت . قال أبو لبابة ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله . وأخرج سنيد ، وابن جرير ، عن الزهري نحوه بأطول منه . وأخرج عبد بن حميد ، عن الكلبي أن رسول الله بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفاً لهم ، فأومأ بيده أنه الذبح ، فنزلت . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ ، في هذه الآية أنها نزلت في أبي لبابة ، ونسختها الآية التي في براءة { وَءاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } التوبة 102 . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ } قال بترك فرائضه { وَٱلرَّسُولِ } بترك سننه ، وارتكاب معصيته { وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ } يقول لا تنقصوها . والأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد . وأخرج ابن جرير ، عن المغيرة بن شعبة ، قال نزلت هذه الآية في قتل عثمان . ولعل مراده أن من جملة من يدخل تحت عمومها قتل عثمان . وأخرج أبو الشيخ ، عن يزيد بن أبي حبيب ، في الآية قال هو الإخلال بالسلاح في المغازي ، ولعل مراده أن هذا مما يندرج تحت عمومها . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود ، قال ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة ، لأن الله يقول { إِنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } فمن استعاذ منكم ، فليستعذ بالله من مضلات الفتن . وأخرج هؤلاء عن ابن زيد في الآية قال فتنة الإختبار اختبرهم ، وقرأ و { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } الأنبياء 35 .