Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-25)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأمر هنا بالاستجابة مؤكد لما سبق من الأمر بالطاعة ، ووحد الضمير هنا حيث قال { إِذَا دَعَاكُمْ } كما وحده في قوله { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ } الأنفال 20 وقد قدّمنا الكلام في وجه ذلك ، والاستجابة الطاعة . قال أبو عبيدة معنى استجيبوا أجيبوا . وإن كان استجاب يتعدّى باللام ، وأجاب بنفسه كما في قوله { يٰقَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِىَ ٱللَّهِ } الأحقاف 31 ، وقد يتعدّى استجاب بنفسه كما في قول الشاعر @ وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب @@ { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } اللام متعلقة بقوله { ٱسْتَجِيبُواْ } أي استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم ، ولا مانع من أن تكون متعلقة " بدعا " أي إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة ، فإن العلم حياة ، كما أن الجهل موت . فالحياة هنا مستعارة للعلم . قال الجمهور من المفسرين المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواه ففيه الحياة الأبدية ، والنعمة السرمدية . وقيل المراد بقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } الجهاد ، فإنه سبب الحياة في الظاهر ، لأن العدوّ إذا لم يغز غزا . ويستدلّ بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائناً ما كان ، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال . وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة ، وترك التقيد بالمذاهب ، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان . قوله { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } قيل معناه بادروا إلى الاستجابة قبل أن لا تتمكنوا منها بزوال القلوب التي تعقلون بها بالموت الذي كتبه الله عليكم . وقيل معناه إنه خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدوّ ، فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمناً ، ويبدل عدوّهم من الأمن خوفاً . وقيل هو من باب التمثيل لقربه سبحانه من العبد كقوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } قۤ 16 ومعناه أنه مطلع على ضمائر القلوب ، لا تخفى عليه منها خافية . واختار ابن جرير أن هذا من باب الإخبار من الله عزّ وجلّ بأنه أملك لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئته عزّ وجلّ . ولا يخفاك أنه لا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني . { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } معطوف على { أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } وأنكم محشورون إليه ، وهو مجازيكم بالخير خيراً ، وبالشرّ شرّاً . قال الفراء ولو استأنفت فكسرت همزة " إنَّه " لكان صواباً . ولعل مراده أن مثل هذا جائز في العربية . قوله { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } أي اتقوا فتنة تتعدّى الظالم فتصيب الصالح والطالح ، ولا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم . وقد اختلف النحاة في دخول هذه النون المؤكدة في { تُصِيبَنَّ } فقال الفراء هو بمنزلة قولك انزل عن الدابة لا تطرحنك ، فهو جواب الأمر بلفظ النهى ، أي إن تنزل عنها لا تطرحنك ، ومثله قوله تعالى { ٱدْخُلُواْ مَسَـٰكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَـٰنُ وَجُنُودُهُ } النمل 18 أي إن تدخلوا لا يحطمنكم . فدخلت النون لما فيه من معنى الجزاء . وقال المبرد إنه نهى بعد أمر . والمعنى النهي للظالمين ، أي لا يقربنّ الظلم ، ومثله ما روى عن سيبويه لا أرينك هاهنا . فإن معناه لا تكن هاهنا ، فإن من كان ها هنا رأيته . وقال الجرجاني إن { لا تصيبنّ } نهي في موضع وصف لفتنة . وقرأ عليّ ، وزيد بن ثابت ، وأبيّ وابن مسعود " لتصيبنّ " على أن اللام جواب لقسم محذوف ، والتقدير اتقوا فتنة والله لتصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة . فيكون معنى هذه القراءة مخالفاً لمعنى قراءة الجماعة ، لأنها تفيد أن الفتنة تصيب الظالم خاصة ، بخلاف قراءة الجماعة . { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ، ومن شدّة عقابه أنه يصيب بالعذاب من لم يباشر أسبابه ، وقد وردت الآيات القرآنية بأنه لا يصاب أحد إلا بذنبه ، ولا يعذب إلا بجنايته ، فيمكن حمل مافي هذه الآية على العقوبات التي تكون بتسليط العباد بعضهم على بعض . ويمكن أن تكون هذه الآية خاصة بالعقوبات العامة ، والله أعلم . ويمكن أن يقال إن الذين لم يظلموا قد تسببوا للعقوبة بأسباب كترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتكون الأسباب المتعدّية للظالم إلى غيره مختصة بمن ترك ما يجب عليه عند ظهور الظلم . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال للحق . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في الآية قال هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة . وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن عروة بن الزبير ، في قوله { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أي للحرب التي أعزّكم الله بها بعد الذلّ . وقوّاكم بها بعد الضعف ، ومنعكم بها من العذاب بعد القهر منهم لكم . وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلي ، قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي ، فقال " ألم يقل الله تعالى { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } " الحديث . وفيه دليل على ما ذكرنا من أن الآية تعمّ كل دعاء من الله أو من رسوله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه من طرق ، عن ابن عباس ، في قوله { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } قال يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله . ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس ، في الآية قال علمه يحول بين المرء وقلبه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في الآية قال يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل . وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن ، في الآية قال في القرب منه . وأخرج أحمد ، والبزار ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن مطرف ، قال قلت للزبير يا أبا عبد الله ضيعتم الخليفة حتى قتل ، ثم جئتم تطلبون بدمه . قال الزبير إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } ولم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن ، قال قرأ الزبير { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } قال البلاء والأمر الذي هو كائن . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن ، في الآية قال نزلت في عليّ وعثمان وطلحة والزبير . وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك قال نزلت في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن السديّ قال نزلت في أهل بدر خاصة ، فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا ، فكان من المقتولين طلحة والزبير ، وهما من أهل بدر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في الآية قال تصيب الظالم والصالح عامة . وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد مثله . وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال هي مثل { يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } حتى يتركه لا يعقل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في الآية قال أمر الله المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب . وقد وردت الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأن هذه الأمة إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، عمهم الله بعذاب من عنده .