Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 30-33)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الظرف معمول لفعل محذوف ، أي واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك ، أو معطوف على ما تقدّم من قوله { وَٱذْكُرُواْ } ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التي أنعم بها عليه ، وهي نجاته من مكر الكافرين وكيدهم كما سيأتي بيانه { لِيُثْبِتُوكَ } أي يثبتوك بالجراحات ، كما قال ثعلب وأبو حاتم ، وغيرهما ، ومنه قول الشاعر @ فقلت ويحكم ما في صحيفتكم قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعا @@ وقيل المعنى ليحبسوك ، يقال أثبته إذا حبسه . وقيل ليوثقوك ، ومنه { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } محمد 4 . وقرأ الشعبي " ليبيتوك " من البيات . وقرىء « ليثبتوك » بالتشديد { أَوْ يُخْرِجُوكَ } معطوف على ما قبله ، أي يخرجوك من مكة التي هي بلدك وبلد أهلك . وجملة { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } مستأنفة . والمكر التدبير في الأمر في خفية . والمعنى أنهم يخفون ما يعدّونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المكايد ، فيجازيهم الله على ذلك ويردّ كيدهم في نحورهم . وسمى ما يقع منه تعالى مكراً مشاكلة ، كما في نظائره { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أي المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم ، فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون ، فيكون ذلك أشدّ ضرراً عليهم وأعظم بلاء من مكرهم . قوله { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } أي التي تأتيهم بها ، وتتلوها عليهم { قَالُواْ } تعنتاً وتمرّداً وبعداً عن الحق { قَدْ سَمِعْنَا } ما تتلوه علينا { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } الذي تلوته علينا . قيل إنهم قالوا هذا توهماً منهم أنهم يقدرون على ذلك . فلما راموا أن يقولوا مثله عجزوا عنه . ثم قالوا عناداً وتمرّداً { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأوَّلِينَ } أي ما يستطره الوراقون من أخبار الأوّلين ، وقد تقدّم بيانه مستوفى . { وَإِذْ قَالُواْ } أي واذكر إذ قالوا { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } بنصب الحق على أنه خبر كان ، والضمير للفصل ، ويجوز الرفع . قال الزجاج ولا أعلم أحداً قرأ بها ، ولا اختلاف بين النحويين في إجازتها ، ولكن القراءة سنة ، والمعنى إن كان القرآن الذي جاءنا به محمد هو الحق ، { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا } قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار . قال أبو عبيدة يقال أمطر في العذاب ، ومطر في الرحمة . وقال في الكشاف قد كثر الإمطار في معنى العذاب . { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } سألوا أن يعذبوا بالرجم بالحجارة من السماء ، أو بغيرها من أنواع العذاب الشديد . فأجاب الله عليهم بقوله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ } يا محمد { فِيهِمْ } موجود ، فإنك ما دمت فيهم فهم في مهلة من العذاب الذي هو الاستئصال { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } روي أنهم كانوا يقولون في الطواف غفرانك ، أي وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرونه . وقيل المعنى لو كانوا ممن يؤمن بالله ويستغفره لم يعذبهم . وقيل إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم ، أي وما كان الله ليعذبهم وفيهم من يستغفر من المسلمين ، فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده . وقيل المعنى وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله . وقد أخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، والخطيب ، عن ابن عباس ، في قوله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم بل اقتلوه ، وقال بعضهم بل أخرجوه ، فأطلع الله نبيه على ذلك ، فبات عليّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوه علياً ردّ الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا ؟ فقال لا أدري ، فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا في الجبل فمرّوا بالغار ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، عن ابن عباس ، فذكر القصة بأطول مما هنا . وفيها ذكر الشيخ النجدي أي إبليس ومشورته عليهم عند اجتماعهم في دار الندوة للمشاورة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أبا جهل أشار بأن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش غلاماً ، ويعطوا كل واحد منهم سيفاً ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرّق دمه في القبائل ، فقال الشيخ النجدي هذا والله هو الرأي ، فتفرّقوا على ذلك . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبيد بن عمير ، قال لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ، قال له عمه أبو طالب هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال " يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني " ، قال من حدّثك بهذا ؟ قال " ربي " ، قال نعم الربّ ربك استوص به خيراً ، قال " أنا أستوصي به ؟ بل هو يستوصي بي " وأخرجه ابن جرير من طريق أخرى عنه . وهذا لا يصح ، فقد كان أبو طالب مات قبل وقت الهجرة بسنين . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج ، في قوله { وَإِذ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال قال عكرمة هي مكية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عطاء في قوله { لِيُثْبِتُوكَ } يعني ليوثقوك . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير ، قال قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبراً عقبة بن أبي معيط ، وطعيمة بن عديّ ، والنضر بن الحارث ، وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول " ، قال وفيه أنزلت هذه الآية { وَإِذا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } وهذا مرسل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ أنها نزلت في النضر بن الحارث . وأخرج البخاري ، وابن أبي حاتم ، وابن الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن أنس بن مالك قال قال أبو جهل بن هشام { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الآية فنزلت { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ } الآية . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة ، أنها نزلت في أبي جهل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، في الآية ، أنها نزلت في النضر بن الحارث . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ عن مجاهد مثله . وأخرج ابن جرير ، عن عطاء ، نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، ويقولون غفرانك غفرانك ، فأنزل الله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ } الآية . قال ابن عباس ، كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستغفار ، فذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وبقي الاستغفار . وأخرج الترمذي وضعفه ، عن أبي موسى الأشعري ، قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنزل الله عليّ أمانين لأمتي { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ } الآية ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار " وأخرج أبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، والبهيقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة قال كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر ، قال { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ } الآية . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس نحوه . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، والطبراني وابن مردويه ، والحاكم ، وابن عساكر ، عن أبي موسى الأشعري نحوه أيضاً ، والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلق الاستغفار كثيرة جدّاً معروفة في كتب الحديث .