Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 34-37)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ ٱللَّهُ } لما بيّـن سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهورهم ، ووقوع الاستغفار . ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار ، أعني كفار مكة ، مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح . والمعنى أيّ شيء لهم يمنع من تعذيبهم ؟ قال الأخفش إن « أن » زائدة . قال النحاس لو كان كما قال لرفع { يعذبهم } ، وجملة { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } في محل نصب على الحال ، أي وما يمنع من تعذيبهم ؟ والحال أنهم يصدّون الناس عن المسجد الحرام ، كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البيت ، وجملة { وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ } في محل نصب على أنها حال من فاعل { يَصِدُّونَ } ، وهذا كالردّ لما كانوا يقولونه من أنهم ولاة البيت ، وأن أمره مفوّض إليهم ، ثم قال مبيناً لمن له ذلك { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } أي ما أولياؤه إلا من كان في عداد المتقين للشرك والمعاصي { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك ، والحكم على الأكثرين بالجهل يفيد أن الأقلين يعلمون ولكنهم يعاندون . قوله { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً } المكاء الصفير من مكا يمكو مكاء ، ومنه قول عنترة @ وخليل غانية تركت مجندلا تمكو فريصته كشدق الأعلم @@ أي تصوّت . ومنه مكت است الدابة إذا نفخت بالريح ، قيل المكاء هو الصفير على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء . قال الشاعر @ إذا غرّد المكاء في غير دوحة فويل لأهل الشاء والحمرات @@ والتصدية التصفيق ، يقال صدّى يصدّى تصدية إذا صفق ، ومنه قول عمر بن الإطنابة @ وظلوا جميعاً لهم ضجة مكاء لدى البيت بالتصدية @@ أي بالتصفيق . وقيل المكاء الضرب بالأيدي ، والتصدية الصياح . وقيل المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم ، والتصدية الصفير . وقيل التصدية صدّهم عن البيت . قيل والأصل على هذا تصددة ، فأبدل من إحدى الدالين ياء . ومعنى الآية أن المشركين كانوا يصفرون ويصفقون عند البيت الذي هو موضع للصلاة والعبادة ، فوضعوا ذلك موضع الصلاة ، قاصدين به أن يشغلوا المصلين من المسلمين عن الصلاة . وقرىء بنصب " صلاتهم " على أنها خبر كان ، وما بعده اسمها . قوله { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } هذا التفات إلى مخاطبة الكفار تهديداً لهم ومبالغة في إدخال الروعة في قلوبهم ، والمراد به عذاب الدنيا كيوم بدر وعذاب الآخرة . قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } لما فرغ سبحانه من شرح أحوال هؤلاء الكفرة في الطاعات البدنية ، أتبعها شرح أحوالهم في الطاعات المالية . والمعنى أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصدّ عن سبيل الحق ، بمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع الجيوش لذلك ، وإنفاق أموالهم عليها ، وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الأحزاب . فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش ، ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز فقال { فَسَيُنفِقُونَهَا } أي سيقع منهم هذا الإنفاق { ثُمَّ تَكُونُ } عاقبة ذلك أن يكون إنفاقهم حسرة عليهم ، وكأن ذات الأموال تنقلب حسرة تصير ندماً . { ثُمَّ } آخر الأمر { يُغْلَبُونَ } كما وعد الله به في مثل قوله { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } المجادلة 21 . ومعنى { ثُمَّ } في الموضعين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور ، وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد ، وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل المال وعدم حصول المقصود من المباينة ، ثم قال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } أي استمرّوا على الكفر ، لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقاً من أسلم وحسن إسلامه ، أي يساقون إليها لا إلى غيرها . ثم بيّن العلة التي لأجلها فعل بهم ما فعله فقال { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ } أي الفريق الخبيث من الكفار { مِنْ } الفريق { ٱلطَّيّبِ } وهم المؤمنون { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي يجعل فريق الكفار الخبيث بعضه على بعض { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } عبارة عن الجمع والضم ، أي يجمع بعضهم إلى بعض ، ويضمّ بعضهم إلى بعض حتى يتراكموا لفرط ازدحامهم . يقال ركم الشيء يركمه إذا جمعه وألقى بعضه على بعض . والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الفريق الخبيث { هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي الكاملون في الخسران . وقيل الخبيث والطيب صفة للمال ، والتقدير يميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون ، فيضمّ تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض ، فيلقيه في جهنم ويعذبهم بها ، كما في قوله تعالى { فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } التوبة 35 . قال في الكشاف واللام على هذا متعلقة بقوله { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } ، وعلى الأوّل بـ { يحشرون } ، و { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الذين كفروا . انتهى . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثم استثنى أهل الشرك فقال { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ ٱللَّهُ } . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ ٱللَّهُ } قال عذابهم فتح مكة . وأخرج ابن إسحاق ، وأبو حاتم ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ ٱللَّهُ } وهم يجحدون بآيات الله ويكذبون رسله . وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن عروة بن الزبير ، في قوله { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي من آمن بالله وعبده ، أنت ومن اتبعك { وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } الذين يخرجون منه ويقيمون الصلاة عنده ، أي أنت ومن آمن بك . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } قال من كانوا حيث كانوا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير ، قال كانت قريش يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف ، ويستهزئون ويصفرون ويصفقون ، فنزلت { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً } . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والضياء عن ابن عباس ، قال كانت قريش يطوفون بالكعبة عراة تصفر وتصفق ، فأنزل الله { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً } قال والمكاء الصفير ، إنما شبهوا بصفير الطير ، وتصدية التصفيق وأنزل الله فيهم { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } الأعراف 32 . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، نحوه . وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عنه نحوه أيضاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عمر قال المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، قال المكاء إدخال أصابعهم في أفواههم ، والتصدية الصفير ، يخلطون بذلك كله على محمد صلى الله عليه وسلم صلاته . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ قال المكاء الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز ، والتصدية التصفيق . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { إِلاَّ مُكَاء } قال كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهنّ { وَتَصْدِيَةً } قال صدّهم الناس . وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال . وهو قوله { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً } فالمكاء مثل نفخ البوق ، والتصدية طوافهم على الشمال . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الضحاك في قوله { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قال يعني أهل بدر عذبهم الله بالقتل والأسر . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، كلهم من طريقه ، قال حدّثني الزهري ، ومحمد بن يحيـى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحسين بن عبد الرحمن بن عمرو قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم ، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم ، فأعينوا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثاراً . ففعلوا ، ففيهم كما ذكر ابن عباس ، أنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد نحوه . وأخرج هؤلاء وغيرهم عن سعيد بن جبير نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحكم بن عتيبة ، في الآية قال نزلت في أبي سفيان أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب ، وكانت الوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالاً من ذهب . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن شمر بن عطية ، في قوله { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } قال يميز يوم القيامة ما كان من عمل صالح في الدنيا ، ثم تؤخذ الدنيا بأسرها فتلقى في جهنم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، في قوله { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } قال يجمعه جميعاً .