Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 72-75)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به ، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم ، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله ، وإجابة لداعيه { وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ } هم الأنصار ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الموصول الأوّل والآخر ، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده ، ويجوز أن يكون { بَعْضُهُمْ } بدلاً من اسم الإشارة ، والخبر { أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة ، وقيل المعنى إن بعضهم أولياء بعض في الميراث . وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة ، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } . قوله { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } مبتدأ ، وخبره { مَا لَكُم مّن وَلـٰيَتِهِم مّن شَىْء } . قرأ يحيـى بن وثاب والأعمش ، وحمزة { من ولايتهم } بكسر الواو . وقرأ الباقون بفتحها ، أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم ، أو من ميراثهم ، ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ } أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا ، إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين { فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } أي فواجب عليكم النصر { إِلا } أن يستنصروكم { عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ } فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم ، حتى تنقضي مدته . قال الزجاج ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء . قوله { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مبتدأ خبره { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي بعضهم ينصر بعضاً ويتولاه في أموره ، أو يرثه إذا مات ، وفيه تعريض للمسلمين بأنهم لا يناصرون الكفار ولا يتولونهم ، قوله { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } الضمير يرجع إلى ما أمروا به قبل هذا من موالاة المؤمنين ومناصرتهم على التفصيل المذكور ، وترك موالاة الكافرين { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى ٱلأَرْضِ } أي تقع فتنة إن لم تفعلوا ذلك { وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } أي مفسدة كبيرة في الدين والدنيا ، ثم بيّن سبحانه حكماً آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله والمؤمنين الذين آووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار ، فقال { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي الكاملون في الإيمان ، وليس في هذا تكرير لما قبله فإنه وارد في الثناء على هؤلاء ، والأوّل وارد في إيجاب الموالاة والنصرة ، ثم أخبر سبحانه أن { لَهُمْ } منه { مَغْفِرَةٍ } لذنوبهم في الآخرة و لهم في الدنيا { رّزْقٌ كَرِيمٌ } خالص عن الكدر طيب مستلذ . ثم أخبر سبحانه بأن من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأوّلين والأنصار فهو من جملتهم ، أي من جملة المهاجرين الأوّلين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة ، وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم ، ثم بيّن سبحانه بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث ، والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة . وقيل المراد بهم هنا العصبات ، قالوا ومنه قول العرب وصلتك رحم ، فإنهم لا يريدون قرابة الأم . قالوا ومنه قول قتيلة @ ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحـام هناك تشقق @@ ولا يخفاك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات ، وقد استدل بهذه الآية من أثبت ميراث ذوي الأرحام ، وهم من ليس بعصبة ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث ، والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه . وقد قيل إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسر ما تقدّم من قوله { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } وما بعده بالتوارث ، وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه الآية إخباراً منه سبحانه وتعالى بأن القرابات { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي في حكمه ، أو في اللوح المحفوظ ، أو في القرآن ، ويدخل في هذه الأولوية الميراث دخولاً أوّلياً لوجود سببه ، أعني القرابة { أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } لا يخفى عليه شيء من الأشياء كائناً ما كان ، ومن جملة ذلك ما تضمنته هذه الآيات . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } الآية قال إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل ، منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه ، وفي قوله { وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ } قال آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة ، وشهروا السيوف على من كذب وجحد ، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض ، وفي قوله { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا } قال كانوا يتوارثون بينهم إذا توفى المؤمن المهاجر بالولاية في الدين ، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر ، فبرّأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم ، وهي الولاية التي قال { مَا لَكُم مّن وَلـٰيَتِهِم مّن شَىْء حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثاق } كان حقاً على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق ، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدوّ الذي لا ميثاق لهم ، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا } فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيباً مفروضاً ، لقوله { وَأُوْلُواْ ٱلأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } الآية ، وفي رواية لابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله { أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } قال يعني في الميراث جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } ما لكم من ميراثهم من شيء { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدّينِ } يعني إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدوّ لهم ، فعليهم أن ينصروهم إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية { وَأُوْلُواْ ٱلأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } فنسخت الآية التي قبلها ، وصارت المواريث لذوي الأرحام . وأخرج أبو عبيد ، وأبو داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضاً في هذه الآيات قال كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ، ولا يرث الأعرابي المهاجر ، فنسختها هذه الآية { وَأُوْلُواْ ٱلأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عنه ، أيضاً قال قال رجل من المسلمين لنورثنّ ذوي القربى منا من المشركين ، فنزلت { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } . وأخرج أحمد ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ، والطلقاء من قريش ، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة " وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن أسامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافراً ، ولا كافر مسلماً ، ثم قرأ { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } الآية " وأخرج ابن سعد ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن الزبير بن العوام قال أنزل الله فينا خاصة معشر قريش { وَأُوْلُواْ ٱلأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان . فواخيناهم ووارثناهم فآخونا ، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلاناً ، وآخى عثمان بن عفان رجلاً من بني زريق بن أسعد الزرقي ، قال الزبير وآخيت أنا كعب بن مالك ، ووارثونا ووارثناهم ، فلما كان يوم أحد قيل لي قد قتل أخوك كعب بن مالك ، فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقلته فيما يرى ، فوالله يا بنيّ لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار ، فرجعنا إلى مواريثنا . وأخرج أبو داود الطيالسي ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وورّث بعضهم من بعض ، حتى نزلت هذه الآية { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب .