Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 70-71)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلاف القراء في أسرى والأسارى هو هنا كما سبق في الآية قبل هذه . خاطب الله النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا ، أي قل لهؤلاء الأسرى الذين هم في أيديكم أسرتموهم يوم بدر وأخذتم منهم الفداء ، { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } من حسن إيمان ، وصلاح نية ، وخلوص طوية { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } من الفداء أي يعوّضكم في هذه الدنيا رزقاً خيراً منه ، وأنفع لكم ، أو في الآخرة بما يكتبه لكم من المثوبة بالأعمال الصالحة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } شأنه المغفرة لعباده والرحمة لهم . ولما ذكر ما ذكره من العوض لمن علم في قلبه خيراً ذكر من هو على ضدّ ذلك منهم فقال { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } بما قالوه لك بألسنتهم من أنهم قد آمنوا بك وصدّقوك ، ولم يكن ذلك منهم عن عزيمة صحيحة ونية خالصة ، بل هو مماكرة ومخادعة ، فليس ذلك بمستبعد منهم ، فإنهم قد فعلوا ما هو أعظم منه ، وهو أنهم خانوا الله من قبل أن تظفر بهم ، فكفروا به وقاتلوا رسوله { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } بأن نصرك عليهم في يوم بدر ، فقتلت منهم من قتلت وأسرت من أسرت { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما في ضمائرهم { حَكِيمٌ } في أفعاله بهم . وقد أخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن عائشة قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم ، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص ، وبعثت فيه بقلادة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ رقة شديدة وقال " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها " ، وقال العباس إني كنت مسلماً يا رسول الله ، قال " الله أعلم بإسلامك ، فإن تكن كما تقول فالله يجزيك ، فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب ، وحليفك عتبة بن عمرو " ، قال ما ذاك عندي يا رسول الله ، قال " فأين المال الذي دفنت أنت وأمّ الفضل ؟ فقلت لها إن أصبت فهذا المال لبنيّ ؟ " فقال والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها ، فاحسب لي ما أصبتم مني عشرون أوقية من مال كان معي ، قال " لا أفعل " ، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ، ونزلت { قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ ٱلأَسْرَىٰ } الآية ، فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام ، عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله . وأخرج ابن سعد ، والحاكم وصححه ، عن أبي موسى أن العلاء ابن الحضرمي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين ثمانين ألفاً ، فما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال أكثر منه ، فنشره على حصير ، وجاء الناس ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم ، وما كان يومئذ عدد ولا وزن ، فجاء العباس فقال يا رسول الله إني أعطيت فدائي ، وفداء عقيل يوم بدر ، أعطني من هذا المال ، فقال " خذ " ، فحثا في خميصته ، ثم ذهب ينصرف فلم يستطع ، فرفع رأسه وقال يا رسول الله ارفع عليّ ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب وهو يقول أما أحد اللذين وعد الله فقد أنجزنا ، وما ندري ما يصنع في الأخرى { قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } فهذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة . والروايات في هذا الباب كثيرة . وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر ، عن ابن عباس ، في الآية قال نزلت في الأسارى يوم بدر ، منهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عنه ، في قوله { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } إن كان قولهم كذباً { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } فقد كفروا وقاتلوك { فَأَمْكَنَك } الله مِنْهُمْ .