Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 107-110)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الله أصناف المنافقين ، وبين طرائقهم المختلفة ، عطف على ما سبق هذه الطائفة منهم ، وهم الذين اتخذوا مسجداً ضراراً ، فيكون التقدير ومنهم الذين اتخذوا على أن { الذين } مبتدأ ، وخبره " منهم " المحذوف ، والجملة معطوفة على ما تقدّمها ، ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على الذمّ . وقرأ المدنيون وابن عامر " الذين اتخذوا " بغير واو ، فتكون قصة مستقلة ، الموصول مبتدأ ، وخبره { لاَ تَقُمْ } قاله الكسائي ، وقال النحاس إن الخبر هو { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ } وقيل الخبر محذوف ، والتقدير يعذبون ، وسيأتي بيان هؤلاء البانين لمسجد الضرار . و { ضِرَارًا } منصوب على المصدرية ، أو على العلية { وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا وَإِرْصَادًا } معطوفة على { ضِرَارًا } فقد أخبر الله سبحانه أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة الأوّل الضرار لغيرهم ، وهو المضاررة . الثاني الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام ، لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق . الثالث التفريق بين المؤمنين لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء ، فتقلّ جماعة المسلمين ، وفي ذلك من اختلاف الكلمة وبطلان الألفة ما لا يخفى . الرابع الإرصاد لمن حارب الله ورسوله ، أي الإعداد لأجل من حارب الله ورسوله . قال الزجاج الإرصاد الانتظار . وقال ابن قتيبة الإرصاد الانتظار مع العداوة . وقال الأكثرون هو الإعداد ، والمعنى متقارب يقال أرصدت لكذا إذا أعددته مرتقباً له به . وقال أبو زيد يقال رصدته وأرصدته في الخير ، وأرصدت له في الشرّ . وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ، ومعناه ارتقبت ، والمراد بمن حارب الله ورسوله المنافقون ، ومنهم أبو عامر الراهب أي أعدّوه لهؤلاء ، وارتقبوا به وصولهم ، وانتظروهم ليصلوا فيه حتى يباهوا بهم المؤمنين ، وقوله { مِن قَبْلُ } متعلق بـ { اتخذوا } أي اتخذوا مسجداً من قبل أن ينافق هؤلاء ويبنوا مسجد الضرار ، أو متعلق بـ { حارب } أي لمن وقع منه الحرب لله ولرسوله من قبل بناء مسجد الضرار . قوله { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } أي ما أردنا إلا الخصلة الحسنى ، وهي الرفق بالمسلمين ، فردّ الله عليهم بقوله { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما حلفوا عليه ، ثم نهى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مسجد الضرار ، فقال { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } أي في وقت من الأوقات ، والنهي عن القيام فيه ، يستلزم النهي عن الصلاة فيه . وقد يعبر عن الصلاة بالقيام ، يقال فلان يقوم الليل أي يصلي ، ومنه الحديث الصحيح " من قام رمضان إيماناً به واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه " ثم ذكر الله سبحانه علة النهي عن القيام فيه بقوله { لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } واللام في { لَّمَسْجِدٌ } لام القسم ، وقيل لام الابتداء ، وفي ذلك تأكيد لمضمون الجملة ، وتأسيس البناء تثبيته ورفعه . ومعنى تأسيسه على التقوى تأسيسه على الخصال التي تتقى بها العقوبة . واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقالت طائفة هو مسجد قباء ، كما روي عن ابن عباس والضحاك ، والحسن ، والشعبي ، وغيرهم . وذهب آخرون إلى أنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . والأول أرجح لما سيأتي قريباً إن شاء الله . و { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } متعلق بأسس أي أسس على التقوى من أول يوم من أيام تأسيسه ، قال بعض النحاة إن { مِنْ } هنا بمعنى منذ أي منذ أوّل يوم ابتدىء ببنائه ، وقوله { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } خبر المبتدأ ، والمعنى لو كان القيام في غيره جائزاً لكان هذا أولى بقيامك فيه للصلاة ولذكر الله ، لكونه أسس على التقوى من أوّل يوم ، ولكون { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } وهذه الجملة مستأنفة لبيان أحقية قيامه فيه أي كما أن هذا المسجد أولى من جهة المحل ، فهو أولى من جهة الحالّ فيه ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال أي حال كون فيه رجال يحبون أن يتطهروا ، ويجوز أن تكون صفة أخرى لمسجد . ومعنى محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه عند عروض موجبه وقيل معناه يحبون التطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار . والأوّل أولى . وقيل يحبون أن يتطهروا بالحمى المطهرة من الذنوب فحموا جميعاً ، وهذا ضعيف جدّاً . ومعنى محبة الله لهم الرضا عنهم ، والإحسان إليهم ، كما يفعل المحب بمحبوبه . ثم بيّن سبحانه أن بين الفريقين بوناً بعيداً . فقال { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } والهمزة للإنكار التقريري ، والبنيان مصدر كالعمران ، وأريد به المبنيّ ، والجملة مستأنفة . والمعنى أن من أسس بناء دينه على قاعدة قوية محكمة ، وهي تقوى الله ورضوانه ، خير ممن أسس دينه على ضدّ ذلك ، وهو الباطل والنفاق ، والموصول مبتدأ ، وخبره { خير } ، وقرىء « أسس بنيانه » على بناء الفعل للفاعل ، ونصب بنيانه ، واختار هذه القراءة أبو عبيدة ، وقرىء على البناء للمجهول ، وقرىء « أساس بنيانه » بإضافة أساس إلى بنيانه ، وقرىء « أسّ بنيانه » والمراد أصول البناء ، وحكى أبو حاتم قراءة أخرى ، وهي « آساس بنيانه » على الجمع ، ومنه @ أصبح الملك ثابت الآساس بالبهاليل من بني العباس @@ والشفا الشفير ، والجرف ما يتجرف السيول ، وهي الجوانب التي تنجرف بالماء ، والاجتراف اقتلاع الشيء من أصله ، وقرىء بضم الراء من " جرف " وبإسكانها . والهار الساقط ، يقال هار البناء إذا سقط ، وأصله هائر ، كما قالوا شاك السلاح ، وشائك كذا ، قال الزجاج . وقال أبو حاتم إن أصله هاور . قال في شمس العلوم الجرف ما جرف السيل أصله ، وأشرف أعلاه فإن انصدع أعلاه فهو الهار ا هـ ، جعل الله سبحانه هذا مثلاً لما بنوا عليه دينهم الباطل المضمحلّ بسرعة ، ثم قال { فَٱنْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ } وفاعل فانهار ، ضمير يعود على الجرف أي فانهار الجرف بالبنيان في النار ، ويجوز أن يكون الضمير في { بِهِ } يعود إلى { من } ، وهو الباني . والمعنى أنه طاح الباطل بالبناء ، أو الباني في نار جهنم ، وجاء بالانهيار الذي هو للجرف ترشيحاً للمجاز ، وسبحان الله ما أبلغ هذا الكلام ، وأقوى تراكيبه ، وأوقع معناه ، وأفصح مبناه . ثم ذكر سبحانه أن بنيانهم هذا موجب لمزيد ريبهم ، واستمرار تردّدهم وشكهم فقال { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } أي شكاً في قلوبهم ونفاقاً ، ومنه قول النابغة @ حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب @@ وقيل معنى الريبة الحسرة والندامة ، لأنهم ندموا على بنيانه . وقال المبرد أي حرارة وغيظاً . وقد كان هؤلاء الذين بنوا مسجد الضرار منافقين شاكين في دينهم ، ولكنهم ازدادوا بهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاقاً وتصميماً على الكفر ، ومقتاً للإسلام ، لما أصابهم من الغيظ الشديد ، والغضب العظيم بهدمه ، ثم ذكر سبحانه ما يدلّ على استمرار هذه الريبة ودوامها ، وهو قوله { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } أي لا يزال هذا إلا أن تتقطع قلوبهم قطعاً ، وتتفرّق أجزاء إما بالموت أو بالسيف ، والمقصود أن هذه الريبة دائمة لهم ما داموا أحياء ، ويجوز أن يكون ذكر التقطع تصويراً لحال زوال الريبة . وقيل معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، ويعقوب ، وأبو جعفر ، بفتح حرف المضارعة . وقرأ الجمهور بضمها . وروي عن يعقوب أنه قرأ « تقطع » بالتخفيف ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي إلا أن تقطع يا محمد قلوبهم . وقرأ أصحاب عبد الله بن مسعود « ولو تقطعت قلوبهم » . وقرأ الحسن ، ويعقوب ، وأبو حاتم « إلى أن تقطع » على الغاية . أي لا يزالون كذلك إلى أن يموتوا . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس ، في قوله { وَٱلَّذِين ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا } قال هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجداً ، فقال لهم أبو عامر الراهب ابنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوّة وسلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآتي بجند من الروم ، فأخرج محمداً وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا قد فرغنا من بناء مسجدنا فيجب أن تصلي فيه ، وتدعو بالبركة ، فأنزل الله { لا تقم فِيهِ أَبَدًا } . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عنه ، قال لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء خرج رجال من الأنصار منهم بجدح جدّ عبد الله بن حنيف ، ووديعة بن حزام ، ومجمع بن جارية الأنصاري ، فبنوا مسجد النفاق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبجدح " ويلك يا بجدح ، ما أردت إلى ما أرى " ، فقال يا رسول الله ، والله ما أردت إلا الحسنى وهو كاذب ، فصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يعذره ، فأنزل الله تعالى { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني رجلاً يقال له أبو عامر ، كان محارباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قد انطلق إلى هرقل ، وكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه ، وكان قد خرج من المدينة محارباً لله ولرسوله . وأخرج ابن إسحاق ، وابن مردويه ، عنه ، أيضاً قال دعا رسول الله مالك بن الدخشم ، فقال مالك لعاصم أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي ، فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار ، ثم خرجوا يشتدّون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله ، فحرقوه وهدموه ، وخرج أهله فتفرّقوا عنه ، فأنزل الله هذه الآية . ولعل في هذه الرواية حذفاً بين قوله صلى الله عليه وسلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وبين قوله فقال مالك لعاصم ، ويبين ذلك ما أخرج ابن إسحاق ، وابن مردويه ، عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري ، وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا يا رسول الله إنا بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة ، والليلة الشاتية ، والليلة المطيرة ، وإنا نحبّ أن تأتينا فتصلي لنا فيه قال إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي ، وأخاه عاصم بن عدي ، أحد بني العجلان ، فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه وحرّقاه ، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن أنظرني حتى أخرج إليك ، فدخل إلى أهله ، فأخذ سعفاً من النخل ، فأشعل فيه ناراً ، ثم خرجا يشتدان ، وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ، ونزل فيهم من القرآن ما نزل { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } إلى آخر القصة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم إن الذين بنوا مسجد الضرار كانوا اثني عشر رجلاً ، وذكرا أسماءهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن أبي سعيد الخدري قال اختلف رجلان رجل من بني خدرة ، وفي لفظ تماريت أنا ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال الخدري هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العمري هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال " هو هذا المسجد " ، لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال " في ذلك خير كثير " ، يعني مسجد قباء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والزبير بن بكار في أخبار المدينة ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، والطبراني ، والحاكم في الكنى ، وابن مردويه ، عن سهل بن سعد الساعدي نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والخطيب ، والضياء في المختارة ، عن أبيّ بن كعب قال « سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى قال " هو مسجدي هذا " وأخرج الطبراني ، والضياء المقدسي في المختارة ، عن زيد بن ثابت ، مرفوعاً مثله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن مردويه ، والطبراني ، من طريق عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت قال المسجد الذي أسس على التقوى من أوّل يوم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . قال عروة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير منه ، إنما أنزلت في مسجد قباء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن مردويه ، عن ابن عمر ، قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج المذكوران عن أبي سعيد الخدري مثله . وقد روي عن جماعة غير هؤلاء مثل قولهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس ، أنه مسجد قباء . وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، مثله . ولا يخفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين هذا المسجد الذي أسس على التقوى ، وجزم بأنه مسجده صلى الله عليه وسلم ، كما قدّمنا من الأحاديث الصحيحة ، فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة ولا جماعة منهم ، ولا غيرهم ، ولا يصح لإيراده في مقابلة ما قد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء ، فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذي أسس على التقوى ، على أن ما ورد في فضائل مسجده صلى الله عليه وسلم أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء ، بلا شك ولا شبهة تعمّ . وأخرج أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } قال وكانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية ، وفي إسناده يونس بن الحارث ، وهو ضعيف . وأخرج الطبراني ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال لما نزلت هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة ، فقال " ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟ فقالوا يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه ، أو قال مقعدته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو هذا " وأخرج أحمد ، وابن خزيمة ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن عويم بن ساعدة الأنصاري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال " إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تتطهرون به ؟ قالوا والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود ، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا " رواه أحمد عن حسن بن محمد . حدّثنا أبو أويس ، حدّثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة ، فذكره . وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه . وأخرج ابن ماجه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الجارود في المنتقى ، والدارقطني ، والحاكم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن طلحة بن نافع ، قال حدّثني أبو أيوب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك أن هذه الآية لما نزلت { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيراً في الطهور ، فما طهوركم هذا ؟ قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ، قال فهل مع ذلك غيره ؟ قالوا لا ، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحبّ أن يستنجي بالماء ، قال هو ذاك فعليكموه " . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري في تاريخه ، وابن جرير ، والبغوي في معجمه ، والطبراني وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، قال لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء فقال " إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيراً أفلا تخبروني ؟ " يعني قوله تعالى { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهّرِينَ } فقالوا يا رسول الله ، إنا لنجده مكتوباً علينا في التوراة الاستنجاء بالماء ، ونحن نفعله اليوم . وإسناد أحمد في هذا الحديث هكذا حدّثنا يحيـى بن آدم ، حدّثني مالك ، يعني ابن مغول ، سمعت سياراً أبا الحكم ، عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام . وقد روى عن جماعة من التابعين في ذكر سبب نزول الآية نحو هذا . ولا يخفاك أن بعض هذه الأحاديث ليس فيه تعيين مسجد قباء وأهله ، وبعضها ضعيف ، وبعضها لا تصريح فيه بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء ، وعلى كل حال لا تقاوم تلك الأحاديث المصرحة بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في صحتها وصراحتها . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { فَٱنْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ } قال يعني قواعده في نار جهنم . وأخرج مسدّد في مسنده ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله ، قال لقد رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حيث انهار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن المنذر ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس في قوله { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } قال يعني الشك { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } يعني الموت . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن حبيب بن أبي ثابت ، في قوله { رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } قال غيظاً في قلوبهم { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } قال إلى أن يموتوا . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان ، في قوله { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } قال إلا أن يتوبوا .