Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 100-106)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر سبحانه أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار ، وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة . وأن منهم التابعين لهم . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ " والأنصار " بالرفع على { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } وقرأ سائر القراء من الصحابة فمن بعدهم بالجرّ . قال الأخفش الخفض في الأنصار الوجه لأن السابقين منهم يدخلون في قوله { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } وفي الآية تفضيل السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ، وهم الذين صلوا القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة ، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان . وهي بيعة الحديبية في قول الشعبي ، أو أهل بدر في قول محمد بن كعب ، وعطاء بن يسار ، ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها ، قال أبو منصور البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم الستة الباقون ، ثم البدريون ثم أصحاب أحد ، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية . قوله { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه " الذين اتبعوهم " محذوف الواو وصفاً للأنصار على قراءته برفع الأنصار ، فراجعه في ذلك زيد بن ثابت ، فسأل أبي بن كعب فصدّق زيداً ، فرجع عمر عن القراءة المذكورة كما رواه أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، ومعنى { الذين اتبعوهم بإحسان } الذين اتبعوا السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ، وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة ، وليس المراد بهم التابعين اصطلاحاً ، وهم كل من أدرك الصحابة ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هم من جملة من يدخل تحت الآية ، فتكون " من " في قوله { مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ } على هذا للتبعيض ، وقيل إنها للبيان ، فيتناول المدح جميع الصحابة ، ويكون المراد بالتابعين من بعدهم من الأمة إلى يوم القيامة . وقوله { بِإِحْسَـٰنٍ } قيد للتابعين أي والذين اتبعوهم متلبسين بإحسان في الأفعال والأقوال اقتداء منهم بالسابقين الأوّلين . قوله { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } خبر للمبتدأ وما عطف عليه ، ومعنى رضاه سبحانه عنهم أنه قبل طاعاتهم وتجاوز عنهم ، ولم يسخط عليهم { وَرَضُواْ عَنْهُ } بما أعطاهم من فضله ، ومع رضاه عنهم فقد { أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } في الدار الآخرة . وقرأ ابن كثير " تجري من تحتها الأنهار " بزيادة " من " . وقرأ الباقون بحذفها والنصب على الظرفية ، وقد تقدّم تفسير جري الأنهار من تحت الجنات ، وتفسير الخلود والفوز . قوله { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَـٰفِقُونَ } هذا عود إلى شرح أحوال المنافقين من أهل المدينة ، ومن يقرب منها من الأعراب . { وممن حولكم } خبر مقدّم ، و { من الأعراب } بيان ، وهو في محل نصب على الحال ، { ومنافقون } هو المبتدأ . وقيل وهؤلاء الذين هم حول المدينة من المنافقين هم جهينة ومزينة ، وأشجع ، وغفار ، وجملة { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنّفَاقِ } معطوفة على الجملة الأولى ، عطف جملة على جملة . وقيل إن من أهل المدينة عطف على الخبر في الجملة الأولى ، فعلى الأول يكون المبتدأ مقدّراً أي ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق ، وعلى الثاني يكون التقدير وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا ، ولكون جملة { مردوا على النفاق } مستأنفة لا محل لها ، وأصل مرد وتمرّد اللين والملاسة والتجرّد ، فكأنهم تجرّدوا للنفاق ، ومنه غصن أمرد لا ورق عليه ، وفرس أمرد لا شعر فيه . وغلام أمرد لا شعر بوجهه ، وأرض مرداء لا نبات فيها ، وصرح ممرّد مجرّد فالمعنى أنهم أقاموا على النفاق وثبتوا عليه ولم ينثنوا عنه . قال ابن زيد معناه لجوا فيه وأتوا غيره ، وجملة { لاَ تَعْلَمُهُمْ } مبينة للجملة الأولى ، وهي مردوا على النفاق أي ثبتوا عليه ثبوتاً شديداً ، ومهروا فيه حتى خفي أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف سائر المؤمنين ؟ والمراد عدم علمه صلى الله عليه وسلم بأعيانهم لا من حيث الجملة ، فإن للنفاق دلائل لا تخفى عليه صلى الله عليه وسلم ، وجملة { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } مقرّرة لما قبلها لما فيها من الدلالة على مهارتهم في النفاق ورسوخهم فيه ، على وجه يخفى على البشر ، ولا يظهر لغير الله سبحانه لعلمه بما يخفى ، وما تجنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر . ثم توعدهم سبحانه فقال { سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } قيل المراد بالمرّتين عذاب الدنيا بالقتل والسبي ، وعذاب الآخرة ، وقيل الفضيحة بانكشاف نفاقهم ، والعذاب في الآخرة وقيل المصائب في أموالهم وأولادهم ، وعذاب القبر . وقيل غير ذلك مما يطول ذكره مع عدم الدليل على أنه المراد بعينه . والظاهر أن هذا العذاب المكرّر هو في الدنيا بما يصدق عليه اسم العذاب ، وأنهم يعذبون مرّة بعد مرّة ، ثم يردون بعد ذلك إلى عذاب الآخرة ، وهو المراد بقوله { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } ومن قال إن العذاب في المرة الثانية هو عذاب الآخرة ، قال معنى قوله { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } أنهم يردّون بعد عذابهم في النار ، كسائر الكفار إلى الدرك الأسفل منها أو أنهم يعذبون في النار عذاباً خاصاً بهم دون سائر الكفار ، ثم يردون بعد ذلك إلى العذاب الشامل لهم ولسائر الكفار . ثم ذكر سبحانه حال طائفة من المسلمين وهم المخلطون في دينهم فقال { وَءاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } وهو معطوف على قوله { منافقون } أي وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة قوم { آخرون } ، ويجوز أن يكون آخرون مبتدأ ، واعترفوا بذنوبهم صفته ، و { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } خبره ، والمعنى أن هؤلاء الجماعة تخلفوا عن الغزو لغير عذر مسوّغ للتخلف ، ثم ندموا على ذلك ، ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة كما اعتذر المنافقون ، بل تابوا واعترفوا بالذنب ، ورجوا أن يتوب الله عليهم . والمراد بالعمل الصالح ما تقدّم من إسلامهم وقيامهم بشرائع الإسلام ، وخروجهم إلى الجهاد في سائر المواطن . والمراد بالعمل السيء هو تخلفهم عن هذه الغزوة ، وقد أتبعوا هذا العمل السيء عملاً صالحاً ، وهو الاعتراف به والتوبة عنه ، وأصل الاعتراف الإقرار بالشيء . ومجرد الإقرار لا يكون توبة إلا إذا اقترن به الندم على الماضي ، والعزم على تركه في الحال والاستقبال ، وقد وقع منهم ما يفيد هذا كما سيأتي بيانه إن شاء الله . ومعنى الخلط أنهم خلطوا كل واحد منهما بالآخر ، كقولك خلطت الماء باللبن ، واللبن بالماء . ويجوز أن تكون الواو بمعنى الباء ، كقولك بعت الشاة شاة ودرهما أي بدرهم ، وفي قوله { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } دليل على أنه قد وقع منهم مع الاعتراف ما يفيد التوبة ، أو أن مقدّمة التوبة وهي الاعتراف قامت مقام التوبة ، وحرف الترجي وهو " عسى " ، هو في كلام الله سبحانه يفيد تحقق الوقوع لأن الإطماع من الله سبحانه إيجاب لكونه أكرم الأكرمين { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يغفر الذنوب ويتفضل على عباده . قوله { خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً } اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها ، فقيل هي صدقة الفرض ، وقيل هي مخصوصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، و " من " للتبعيض على التفسيرين ، والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة ، والصدقة مأخوذة من الصدق ، إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه . قوله { تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } الضمير في الفعلين للنبي صلى الله عليه وسلم أي تطهرهم وتزكيهم يا محمد بما تأخذه من الصدقة منهم . وقيل الضمير في { تطهرهم } للصدقة أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم ، والضمير في { تزكيهم } للنبي صلى الله عليه وسلم أي تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة ، والأوّل أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين وعلى الأوّل فالفعلان منتصبان على الحال ، وعلى الثاني فالفعل الأوّل صفة لصدقة ، والثاني حال منه صلى الله عليه وسلم . ومعنى التطهير إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب ، ومعنى التزكية المبالغة في التطهير . قال الزجاج والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم أي فإنك يا محمد تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف ، ويجوز الجزم على جواب الأمر . والمعنى أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم . وقد قرأ الحسن بجزم " تطهرهم " . وعلى هذه القراءة فيكون { وَتُزَكّيهِمْ } على تقدير مبتدأ أي وأنت تزكيهم بها . قوله { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم ، قال النحاس . وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه ، أن الصلاة في كلام العرب الدعاء ، ثم علل سبحانه أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بالصلاة على من يأخذ منه الصدقة فقال { إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } قرأ حفص ، وحمزة ، والكسائي { صلاتك } بالتوحيد . وقرأ الباقون بالجمع ، والسكن ما تسكن إليه النفس وتطمئن به . قوله { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } لما تاب الله سبحانه على هؤلاء المذكورين سابقاً . قال الله { أَلَمْ يَعْلَمُواْ } أي غير التائبين ، أو التائبون قبل أن يتوب الله عليهم ويقبل صدقاتهم { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ } لاستغنائه عن طاعة المطيعين ، وعدم مبالاته بمعصية العاصين . وقرىء " ألم تعلموا " بالفوقية ، وهو إما خطاب للتائبين ، أو لجماعة من المؤمنين ، ومعنى { وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ } أي يتقبلها منهم ، وفي إسناد الأخذ إليه سبحانه بعد أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بأخذها تشريف عظيم لهذه الطاعة ، ولمن فعلها . وقوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } معطوف على قوله { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } مع تضمنه لتأكيد ما اشتمل عليه المعطوف عليه أي أن هذا شأنه سبحانه . وفي صيغة المبالغة في التواب ، وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل . والتأكيد من التبشير لعباده والترغيب لهم ما لا يخفى . قوله { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } فيه تخويف وتهديد أي إن عملكم لا يخفى على الله ، ولا على رسوله ولا على المؤمنين ، فسارعوا إلى أعمال الخير ، وأخلصوا أعمالكم لله عزّ وجلّ ، وفيه أيضاً ترغيب وتنشيط ، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خيراً أو شرّاً رغب إلى أعمال الخير ، وتجنب أعمال الشرّ ، وما أحسن قول زهير @ ومهما تكن عند امرىء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم @@ والمراد بالرؤية هنا العلم بما يصدر منهم من الأعمال ، ثم جاء سبحانه بوعيد شديد فقال { وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي وستردّون بعد الموت إلى الله سبحانه ، الذي يعلم ما تسرّونه وما تعلنونه ، وما تخفونه وما تبدونه . وفي تقديم الغيب على الشهادة إشعار بسعة علمه عزّ وجلّ ، وأنه لا يخفى عليه شيء ، ويستوي عنده كل معلوم . ثم ذكر سبحانه ما سيكون عقب ردّهم إليه فقال { فَيُنَبّئُكُمْ } أي يخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويتفضل على من يشاء من عباده . قوله { وَءاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } ذكر سبحانه ثلاثة أقسام في المتخلفين الأوّل المنافقون الذين مردوا على النفاق ، والثاني التائبون المعترفون بذنوبهم ، الثالث الذين بقي أمرهم موقوفاً في تلك الحال ، وهم المرجون لأمر الله ، من أرجيته وأرجأته إذا أخرته . قرأ حمزة والكسائي ، ونافع وحفص { مُرْجَوْنَ } بالواو من غير همزة . وقرأ الباقون بالهمزة المضمومة بعد الجيم . والمعنى أنهم مؤخرون في تلك الحال ، لا يقطع لهم بالتوبة لاو بعدمها ، بل هم على ما يتبين من أمر الله سبحانه في شأنهم { إما يُعَذّبْهُمُ } إن بقوا على ما هم عليه ، ولم يتوبوا { وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } إن تابوا توبة صحيحة وأخلصوا إخلاصاً تاماً ، والجملة في محل نصب على الحال ، والتقدير { وَءاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } حال كونهم ، إما معذبين ، وإما متوباً عليهم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بأحوالهم { حَكِيمٌ } فيما يفعله بهم من خير أو شرّ . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن أبي موسى ، أنه سئل عن قوله { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ } فقال هم الذين صلوا القبلتين جميعاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، عن سعيد بن المسيب ، مثله . وأخرج ابن المنذر ، وأبو نعيم ، عن الحسن ، ومحمد بن سيرين ، مثله أيضاً . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال هم أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وسلمان ، وعمار بن ياسر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن الشعبي قال هم من أدرك بيعة الرضوان . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } قال التابعون . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، قال هم من بقي من أهل الإسلام ، إلى أن تقوم الساعة . وأخرج أبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن أبي صخر حميد بن زياد قال قلت لمحمد بن كعب القرظي أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أريد الفتن ، قال إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم ، قلت له وفي أيّ موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه ؟ قال ألا تقرءون قوله تعالى { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ } الآية أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان ، وشرط على التابعين شرطاً لم يشرطه فيهم . قلت وما اشترط عليهم ؟ قال اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان . يقول يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ، ولا يقتدون بهم في غير ذلك . قال أبو صخر فوالله لكأني لم أقرأها قبل ذلك ، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها عليّ ابن كعب . وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي قال حدّثني يحيـى بن أبي كثير ، والقسم ومكحول ، وعبدة بن أبي لبابة ، وحسان بن عطية ، أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لما أنزلت هذه الآية { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ } إلى قوله { وَرَضُواْ عَنْهُ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا لأمتي كلهم ، وليس بعد الرضا سخط " . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ ٱلأَعْرَابِ } الآية ، قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة خطيباً ، فقال " قم يا فلان فاخرج ، فإنك منافق " ، اخرج يا فلان ، فإنك منافق ، فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ، ولم يكن عمر بن الخطاب يشهد تلك الجمعة لحاجة كانت له ، فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة ، وظن الناس قد انصرفوا ، واختبئوا هم من عمر ، وظنوا أنه قد علم بأمرهم ، فدخل عمر المسجد ، فإذا الناس لم ينصرفوا ، فقال له رجل أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم ، فهو العذاب الأوّل ، والعذاب الثاني عذاب القبر . وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ ٱلأَعْرَابِ } قال جهينة ومزينة ، وأشجع وأسلم وغفار . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، في قوله { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنّفَاقِ } قال أقاموا عليه ، ولم يتوبوا كما تاب آخرون . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج ، في الآية قال ماتوا عليه عبد الله بن أبيّ ، وأبو عامر الراهب ، والجدّ بن قيس . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } قال بالجوع والقتل . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي مالك ، قال بالجوع وعذاب القبر . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي ، عن قتادة قال عذاب في القبر ، وعذاب في النار . وقد روى عن جماعة من السلف نحو هذا في تعيين العذابين ، والظاهر ما قدّمنا . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس ، في قوله { وَءاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَـٰلِحاً } قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك . فلما حضر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رجع عليهم فلما رآهم قال من هؤلاء الموثقون أنفسهم ؟ قالوا هذا أبو لبابة ، وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تطلقهم وتعذرهم ، قال وأنا أقسم بالله ، لا أطلقهم ، ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين ، فلما بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا ، فنزلت { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } و " عسى " من الله واجب ، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم ، فجاءوا بأموالهم فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا ، واستغفر لنا ، قال " ما أمرت أن آخذ أموالكم " ، فأنزل الله عزّ وجل { خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ } يقول استغفر لهم { إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } يقول رحمة لهم ، فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم ، وكانوا ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم بالسواري ، فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم ؟ فأنزل الله عزّ وجل { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ } إلى قوله { وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلّفُواْ } إلى قوله { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيم } يعني إن استقاموا . وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، مثله سواء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن مجاهد في قوله { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } قال هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال ، وأشار إلى حلقه بأن محمداً يذبحكم إن نزلتم على حكمه ، والقصة مذكورة في كتب السير . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في قوله { خَلَطُواْ عَمَلاً صَـٰلِحاً } قال غزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَآخَرَ سَيِّئاً } قال تخلفهم عنه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { وَصَلّ عَلَيْهِمْ } قال استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوها { إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } قال رحمة لهم . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قال " اللهم صلّ على آل فلان " ، فأتاه أبي بصدقته فقال " اللهم صلّ على آل أبي أوفى " . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } قال هذا وعيد من الله عزّ وجلّ . وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي في الشعب ، وابن أبي الدنيا ، والضياء في المختارة ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة ، لأخرج الله عمله للناس كائناً ما كان " وأخرج ابن المنذر ، عن عكرمة ، في قوله { وَءاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } قال هم الثلاثة الذين خلفوا . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في الآية قال هم هلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وكعب بن مالك ، من الأوس والخزرج . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { إِمَّا يُعَذّبُهُمْ } يقول يميتهم على معصية { وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } فأرجأ أمرهم ثم نسخها فقال { وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلّفُواْ }