Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-16)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَإِن نَّكَثُواْ } معطوف على { فإن تابوا } والنكث النقض ، وأصله نقض الخيط بعد إبرامه ، ثم استعمل في كل نقض ، ومنه نقض الإيمان والعهود على طريق الاستعارة . ومعنى { مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } أي من بعد أن عاهدوكم . والمعنى أن الكفار إن نكثوا العهود التي عاهدوا بها المسلمين ، ووثقوا بها وضموا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام ، والقدح فيه ، فقد وجب على المسلمين قتالهم . وأئمة الكفر جمع إمام ، والمراد صناديد المشركين ، وأهل الرئاسة فيهم على العموم . وقرأ حمزة " أإمة " ، وأكثر النحويين يذهب إلى أن هذا لحن ، لأن فيه الجمع بين همزين في كلمة واحدة . وقرأ الجمهور بجعل الهمزة الثانية بين بين ، أي بين مخرج الهمزة والياء . وقرىء بإخلاص الياء وهو لحن ، كما قال الزمخشري . قوله { إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ } هذه الجملة تعليل لما قبلها ، والإيمان جمع يمين في قراءة الجمهور . وقرأ ابن عامر « لا إيمان لهم » بكسر الهمزة . والمعنى على قراءة الجمهور أن إيمان الكافرين وإن كانت في الصورة يميناً ، فهي في الحقيقة ليست بيمين . وعلى القراءة الثانية أن هؤلاء الناكثين للإيمان الطاعنين في الدين ، ليسوا من أهل الإيمان بالله حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم ، فقتالهم واجب على المسلمين . قوله { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } أي عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام . والمعنى أن قتالهم يكون إلى الغاية هي الانتهاء عن ذلك . وقد استدلّ بهذه الآية على أن الذمي إذا طعن في الدين لا يقتل حتى ينكث العهد ، كما قال أبو حنيفة ، لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما نقض العهد ، والثاني الطعن في الدين . وذهب مالك والشافعي وغيرهما ، إلى أنه إذا طعن في الدين قتل ، لأنه ينتقض عهده بذلك ، قالوا وكذلك إذا حصل من الذميّ مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين ، فإنه يقتل . قوله { أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } الهمزة الداخلة على حرف النفي للاستفهام التوبيخي ، مع ما يستفاد منها من التحضيض على القتال والمبالغة في تحققه ، والمعنى أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد وإخراج الرسول من مكة والبداءة بالقتال ، فهو حقيق بأن لا يترك قتاله ، وأن يوبخ من فرط في ذلك ، ثم زاد في التوبيخ فقال { أَتَخْشَوْنَهُمْ } فإن هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي تخشون أن ينالهم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية ، ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه ، فقال { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ } أي هو أحق بالخشية منكم ، فإنه الضارّ النافع بالحقيقة ، ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله ، فإن قضية الإيمان توجب ذلك عليكم ، ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال { قَـٰتِلُوهُمْ } ورتب على هذا الأمر فوائد الأولى تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر . والثانية إخزاؤهم ، قيل بالأسر . وقيل بما نزل بهم من الذلّ والهوان . والثالثة نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم . والرابعة أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره . والخامسة أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر . فإن قيل شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكراراً . قيل في الجواب إن القلب أخص من الصدر . وقيل إن شفاء الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح ، ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر ، وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح ، وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها ، ثم قال { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاء } وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون ، وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره ، كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح ، فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم ، وهذا على قراءة الرفع في { يتوب } ، وهي قراءة الجمهور . وقرىء بنصب { يتوب } بإضمار أن ، ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى . قرأ بذلك ابن أبي إسحاق ، وعيسى الثقفي ، والأعرج . فإن قيل كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة ؟ وأجيب بأن القتال قد يكون سبباً لها إذا كانت من جهة الكفار ، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سبباً لخلوص النية والتوبة عن الذنوب . قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } أم هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل ، والهمزة والاستفهام للتوبيخ ، وحرف الإضراب للدلالة على الانتقال من كلام إلى آخر ، والمعنى كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه ، وقوله { أَن تُتْرَكُواْ } في موضع مفعولي الحسبان عند سيبويه . وقال المبرد إنه حذف الثاني ، والتقدير أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق ، الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب . وجملة { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ } في محل نصب على الحال ، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم ، والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركوا ، ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص ، وجملة { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ } معطوفة على جاهدوا داخلة معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة ، والوليجة من الولوج وهو الدخول ، ولج يلج ولوجاً إذا دخل ، فالوليجة الدخيلة . قال أبو عبيدة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه ، فهو وليجة . قال أبان بن تغلب @ فبئس الوليجة للهاربيـ ـن والمعتدين وأهل الريب @@ وقال الفراء الوليجة البطانة من المشركين ، والمعنى واحد ، أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم بأسراركم ، وتعلمونهم أموركم من دون الله { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي بجميع أعمالكم . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن مجاهد ، في قوله { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } قال عهدهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في الآية قال يقول الله لنبيه وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم ، فقاتلهم إنهم أئمة الكفر . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله { أئمة الكفر } قال أبو سفيان بن حرب ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هاشم ، وسهيل بن عمرو ، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول من مكة . وأخرج ابن عساكر ، عن مالك بن أنس مثله . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } قال رؤوس قريش . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عمر قال أبو سفيان بن حرب منهم . وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنهم الديلم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن حذيفة أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال ما قوتل أهل هذه الآية بعد ، وأخرج ابن مردويه ، عن عليّ نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، وابن مردويه ، عن حذيفة قال ما بقي من أهل هذه الآية إلا ثلاثة ، ولا من المنافقين إلا أربعة ، فقال أعرابيّ إنكم أصحاب محمد تخبروننا لا ندري فما بال هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ويسترقون أعلاقنا ، قال أولئك الفساق ، أجل لم يبق منهم إلا أربعة . أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده . والأولى أن الآية عامة في كل رؤساء الكفار من غير تقييد بزمن معين أو بطائفة معينة اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ومما يفيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، أنه كان في عهد أبي بكر الصديق إلى الناس حين وجههم إلى الشام قال إنكم ستجدون قوماً مجوفة رؤوسهم ، فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف ، فوالله لأن أقتل رجلاً منهم أحبّ إليّ من أن أقتل سبعين من غيرهم ، وذلك بأن الله يقول { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } . وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة { لا أيمان لهم } قال لا عهود لهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عمار مثله . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } قال قتال قريش حلفاء النبيّ صلى الله عليه وسلم وهمهم بإخراج الرسول . زعموا أن ذلك عام عمرة النبي صلى الله عليه وسلم في العام التابع للحديبية ، نكثت قريش العهد عهد الحديبية ، وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوا منها فذلك همهم بإخراجه ، فلم تتابعهم خزاعة على ذلك فلما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة ، قالت قريش لخزاعة عميتمونا عن إخراجه ، فقاتلوهم ، فقتلوا منهم رجالاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة قال نزلت في خزاعة { قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ } الآية . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، نحوه أيضاً ، وقد ساق القصة ابن إسحاق في سيرته ، وأورد فيها النظم الذي أرسلته خزاعة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأوّله @ يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا @@ وأخرج القصة البيهقي في الدلائل . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال الوليجة البطانة من غير دينهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة ، قال { وليجة } أي خيانة .