Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 38-42)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } لما شرح معايب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم ، والاستفهام في { مَا لَكُمْ } للإنكار والتوبيخ أي ، أيّ شيء يمنعكم عن ذلك ، ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتاباً لمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام ، والنفر هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان ، لأمر يحدث . قوله { ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } أصله تثاقلتم ، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها ، وجيء بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ، ومثله ادّاركوا ، واطيرتم ، واطيروا ، وأنشد الكسائي @ توالى الضجيع إذا ما اشتاقها حضرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل @@ وقرأ الأعمش " تثاقلتم " على الأصل ، ومعناه تباطأتم ، وعدى بـ { إلى } لتضمنه معنى الميل والإخلاد . وقيل معناه ملتم إلى الإقامة بأرضكم والبقاء فيها وقرىء { ٱثَّاقَلْتُمْ } على الاستفهام ، ومعناه التوبيخ ، والعامل في الظرف " ما " في { مَالَكُمْ } من معنى الفعل ، كأنه قيل ما يمنعكم ، أو ما تصنعون إذا قيل لكم ؟ و { إِلَى ٱلأرْضِ } متعلق بـ { اثاقلتم } وكما مرّ . قوله { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي بنعيمها بدلاً من الآخرة كقوله تعالى { وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَـئِكَةً فِى ٱلأرْضِ يَخْلُفُونَ } الزخرف 60 أي بدلاً منكم ، ومثله قول الشاعر @ قلبت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان @@ أي بدلاً من ماء زمزم ، والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء يعلق عليه الماء ليبرد ، ومعنى { ٱلآخِرَةِ } أي في جنب الآخرة ، وفي مقابلتها { إِلاَّ قَلِيلٌ } أي إلا متاع حقير لا يعبأ به ، ويجوز أن يراد بالقليل العدم ، إذ لا نسبة للمتناهي الزائل إلى غير المتناهي الباقي ، والظاهر أن هذا التثاقل لم يصدر من الكل ، إذ من البعيد أن يطبقوا جميعاً على التباطؤ والتثاقل ، وإنما هو من باب نسبة ما يقع من البعض إلى الكل ، وهو كثير شائع . قوله { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ } هذا تهديد شديد ، ووعيد موكد لمن ترك النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم { يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي يهلككم بعذاب شديد مؤلم ، قيل في الدنيا فقط ، وقيل هو أعم من ذلك . قوله { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } أي يجعل لرسله بدلاً منكم ممن لا يتباطأ عند حاجتهم إليهم . واختلف في هؤلاء القوم من هم ؟ فقيل أهل اليمن ، وقيل أهل فارس ، ولا وجه للتعين بدون دليل . قوله { وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا } معطوف على { يَسْتَبْدِلْ } ، والضمير قيل لله ، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي ولا تضرّوا الله بترك امتثال أمره بالنفير شيئاً ، أو لا تضرّوا رسول الله بترك نصره والنفير معه شيئاً { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } ومن جملة مقدوراته تعذيبكم والاستبدال بكم . قوله { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } أي إن تركتم نصره فالله متكفل به ، فقد نصره في مواطن القلة ، وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر ، أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد وقت إخراج الذين كفروا له حال كونه { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أي أحد اثنين ، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه . وقرىء بسكون الياء . قال ابن جني حكاها أبو عمرو بن العلاء ، ووجهها أن تسكن الياء تشبيهاً لها بالألف . قال ابن عطية فهي كقراءة الحسن ما بقي من الربا ، وكقول جرير @ هو الخليفة فارضوا ما رضيه لكم ماضي العزيمة ما في حكمه جنف @@ قوله { إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ } بدل من { إِذْ أَخْرَجَهُ } بدل بعض ، والغار ثقب في الجبل المسمى ثوراً ، وهو المشهور بغار ثور ، وهو جبل قريب من مكة ، وقصة خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث . قوله { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ } بدل ثان أي وقت قوله لأبي بكر { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } أي دع الحزن ، فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا ، ومن كان الله معه فلن يغلب ، ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن . قوله { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } السكينة تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه ، وحصل له الأمن ، على أن الضمير في { عَلَيْهِ } لأبي بكر . وقيل هو للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له ، ويؤيد كون الضمير في { عَلَيْهِ } للنبي صلى الله عليه وسلم الضمير في { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } فإنه للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه المؤيد بهذه الجنود التي هي الملائكة ، كما كان في يوم بدر . وقيل إنه لا محذور في رجوع الضمير من { عَلَيْهِ } إلى أبي بكر ، ومن { وَأَيَّدَهُ } إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك كثير في القرآن ، وفي كلام العرب { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } أي كلمة الشرك ، وهي دعوتهم إليه . ونداؤهم للأصنام { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا } قرأ الأعمش ، ويعقوب بنصب " كلمة " حملاً على جعل ، وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف . وقد ضعف قراءة النصب الفراء ، وأبو حاتم ، وفي ضمير الفصل ، أعني { هِىَ } تأكيد لفضل كلمته في العلوّ ، وأنها المختصة به دون غيرها ، وكلمة الله هي كلمة التوحيد ، والدعوة إلى الإسلام { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } أي غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب . ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } أي حال كونكم خفافاً وثقالاً ، قيل المراد منفردين أو مجتمعين . وقيل نشاطاً وغير نشاط . وقيل فقراء وأغنياء . وقيل شباباً وشيوخاً . وقيل رجالاً وفرساناً ، وقيل من لا عيال له ومن له عيال ، وقيل من يسبق إلى الحرب كالطلائع ، ومن يتأخر كالجيش ، وقيل غير ذلك . ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ، لأن معنى الآية انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت . قيل وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } التوبة 91 ، وقيل الناسخ لها قوله { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ } النور 122 الآية . وقيل هي محكمة وليست بمنسوخة ، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأعْرَجِ حَرَجٌ } النور 61 . وإخراج الضعيف والمريض بقوله { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } من باب التخصيص ، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله { خِفَافًا وَثِقَالاً } والظاهر عدم دخولهم تحت العموم . قوله { وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد ، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم ، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم . والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها ، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدوّ وبدفعه ، فإن كان لا يقوم بالعدوّ إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض ، أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى ما تقدّم من الأمر بالنفير ، والأمر بالجهاد { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي خير عظيم في نفسه ، وخير من السكون والدعة { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ذلك ، وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة . قوله { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ } . قال الزجاج لو كان المدعوّ إليه فحذف لدلالة ما تقدّم عليه ، والعرض ما يعرض من منافع الدنيا . والمعنى غنيمة قريبة غير بعيدة { وَسَفَرًا قَاصِدًا } عطف على ما قبله أي سفراً متوسطاً بين القرب والبعد ، وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } قال أبو عبيدة وغيره إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة ، يقال منه شقة شاقة ، قال الجوهري الشقة بالضم من الثياب ، والشقة أيضاً السفر البعيد ، وربما قالوه بالكسر ، والمراد بهذا غزوة تبوك ، فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة . وقرأ عيسى بن عمر " بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ " بكسر العين والشين { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } أي المتخلفون عن غزوة تبوك حال كونكم قائلين { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أي لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بدّ منه { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } هذه الجملة سادّة مسدّ جواب القسم والشرط . قوله { يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ } هو بدل من قوله { سَيَحْلِفُونَ } لأن من حلف كاذباً فقد أهلك نفسه أو يكون حالاً أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } في حلفهم الذي سيحلفون به لكم . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ } الآية ، قال هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح ، وحين أمرهم بالنفير في الصيف وحين خرفت النخل وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشق عليهم المخرج ، فأنزل الله { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } . وأخرج أبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، في قوله { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حياً من أحياء العرب ، فتثاقلوا عنه ، فأنزل الله هذه الآية ، فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، قال لم نزلت { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } ، وقد كان تخلف عنه أناس في البدو يفقهون قومهم ، فقال المؤمنون قد بقي ناس في البوادي ، وقالوا هلك أصحاب البوادي ، فنزلت { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } . وأخرج أبو داود ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، في قوله { إِلاَّ تَنفِرُواْ } الآية قال نسختها { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } قال ذكر ما كان من أوّل شأنه حين بعث ، يقول فأنا فاعل ذلك به ، وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين . وأخرج أبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن شهاب وعروة ، أنهم ركبوا في كل وجه يعني المشركين يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الحمل العظيم ، وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار ، والذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه ، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أصواتهم ، فأشفق أبو بكر ، وأقبل عليه الهمّ والخوف ، فعند ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت عليه السكينة من الله ، { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } الآية . وأخرج ابن شاهين ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن حبشي ابن جنادة ، قال أبو بكر يا رسول الله ، لو أن أحداً من المشركين رفع قدمه لأبصرنا ، فقال " يا أبا بكر ، لا تحزن إن الله معنا " وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن الزهري ، في قوله { إذ هُمَا فِى ٱلْغَارِ } قال هو الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثوراً . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر في تاريخه ، عن ابن عباس ، في قوله { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } قال على أبي بكر لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم تزل معه السكينة . وأخرج ابن مردويه ، عن أنس ، قال دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار حراء ، فقال أبو بكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك ، فقال صلى الله عليه وسلم " ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر ؟ إن الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم يروها " وأخرج الخطيب في تاريخه ، عن حبيب بن أبي ثابت { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } قال على أبي بكر ، فأما النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت عليه السكينة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس ، في قوله { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } قال هي الشرك بالله { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا } قال لا إله إلا الله . وأخرج الفريابي ، وأبو الشيخ ، عن أبي الضحى قال أوّل ما أنزل من براءة { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } ثم نزل أوّلها وآخرها . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن أبي مالك ، نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { خِفَافًا وَثِقَالاً } قال نشاطاً وغير نشاط . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحكم في الآية قال مشاغيل وغير مشاغيل . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، قال في العسر واليسر . وأخرج ابن المذر ، عن زيد ابن أسلم ، قال فتياناً وكهولاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن عكرمة ، قال شباباً وشيوخاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، قال قالوا إن فينا الثقيل ، وذا الحاجة ، والضيعة ، والشغل فأنزل الله { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافاً وثقالاً ، وعلى ما كان منهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ قال جاء رجل زعموا أنه المقداد ، وكان عظيماً سميناً ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى ، فنزلت { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } فلما نزلت هذه الآية اشتدّ على الناس شأنها فنسخها الله ، فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } التوبة 91 الآية . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم ؟ فقال رجلان قد علمت يا رسول الله ، أن النساء فتنة فلا تفتنا بهنّ فأذن لنا ، فأذن لهما ، فلما انطلقنا قال أحدهما إن هو إلا شحمة لأوّل آكل ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه شيء في ذلك ، فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المناة { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ } ونزل عليه { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } ونزل عليه { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } التوبة 45 ونزل عليه { إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } التوبة 95 . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا } قال غنيمة قريبة ، { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } قال المسير . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة ، في قوله { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } قال لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم ، وزهادة في الجهاد .