Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 67-70)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } ذكر هاهنا جملة أحوال المنافقين ، وأن ذكورهم في ذلك كإناثهم ، وأنهم متناهون في النفاق والبعد عن الإيمان ، وفيه إشارة إلى نفي أن يكونوا من المؤمنين ، وردّ لقولهم { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } ، ثم فصل ذلك المجمل ببيان مضادّة حالهم لحال المؤمنين فقال { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } وهو كل قبيح عقلاً أو شرعاً { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } وهو كل حسن عقلاً أو شرعاً قال الزجاج هذا متصل بقوله { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مّنكُمْ } التوبة 56 أي ليسوا من المؤمنين ، ولكن بعضهم من بعض أي متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } أي يشحون فيما ينبغي إخراجه من المال في الصدقة ، والصلة والجهاد ، فالقبض كناية عن الشحّ ، كما أن البسط كناية عن الكرم . والنسيان الترك أي تركوا ما أمرهم به ، فتركهم من رحمته وفضله ، لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه ، وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ، ثم حكم عليهم بالفسق أي الخروج عن طاعة الله إلى معاصيه ، وهذا التركيب يفيد أنهم هم الكاملون في الفسق . ثم بين مآل حال أهل النفاق والكفر بأنه { نَارُ جَهَنَّمَ } و { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدّرة أي مقدّرين الخلود وفي هذه الآية دليل على أن وعد يقال في الشر ، كما يقال في الخير { هِىَ حَسْبُهُمْ } أي كافيتهم لا يحتاجون إلى زيادة على عذابها ، " و " مع ذلك فقد { لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي طردهم وأبعدهم من رحمته { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي نوع آخر من العذاب دائم لا ينفك عنهم . قوله { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } شبه حال المنافقين بالكفار الذين كانوا من قبلهم ملتفتاً من الغيبة إلى الخطاب ، والكاف محلها رفع على خبرية مبتدأ محذوف أي أنتم مثل الذين من قبلكم ، أو محلها نصب أي فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم من الأمم . وقال الزجاج التقدير وعد الله الكفار نار جهنم وعداً كما وعد الذين من قبلكم وقيل المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فحذف المضاف . ثم وصف حال أولئك الكفار الذين من قبلهم ، وبين وجه تشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم بأنهم كانوا أشدّ من هؤلاء المنافقين والكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم { قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوٰلاً وَأَوْلَـٰدًا فَٱسْتَمْتَعُواْ } أي تمتعوا { بِخَلَـٰقِهِمْ } أي نصيبهم الذي قدّره الله لهم من ملاذ الدنيا ، { فاستمعتم } أنتم { بخلاقكم } أي نصيبكم الذي قدّره الله لكم { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَـٰقِهِمْ } أي انتفعتم به كما انتفعوا به ، والغرض من هذا التمثيل ذمّ هؤلاء المنافقين والكفار بسبب مشابهتهم لمن قبلهم من الكفار ، في الاستمتاع بما رزقهم الله . وقد قيل ما فائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق في حقّ الأولين مرّة ، ثم في حقّ المنافقين ثانياً ، ثم تكريره في حقّ الأوّلين ثالثاً ؟ وأجيب بأنه تعالى ذمّ الأوّلين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ، وحرمانهم عن سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ ، فلما قرّر تعالى هذا عاد فشبه حال المنافقين بحالهم ، فيكون ذلك نهاية في المبالغة . قوله { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } معطوف على ما قبله أي كالفوج الذي خاضوا ، أو كالخوض الذي خاضوا . وقيل أصله كالذين فحذفت النون ، والأولى أن يقال إن الذي اسم موصول مثل من وما ، يعبر به عن الواحد والجمع ، يقال خضت الماء أخوضه خوضاً وخياضاً ، والموضع مخاضة ، وهو ما جاز الناس فيه مشاة وركباناً ، وجمعها المخاض والمخاوض . ويقال منه خاض القوم في الحديث ، وتخاوضوا فيه ، أي تفاوضوا فيه . والمعنى خضتم في أسباب الدنيا ، واللهو واللعب . وقيل في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب ، أي دخلتم في ذلك ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المتصفين بهذه الأوصاف من المشبهين ، والمشبه بهم { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } أي بطلت ، والمراد بالأعمال ما عملوه مما هو في صورة طاعة ، لا هذه الأعمال المذكورة هنا فإنها من المعاصي ، ومعنى { فِى ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } أنها باطلة على كل حال أما بطلانها في الدنيا فلأنّ ما يترتب على أعمالهم فيها لا يحصل لهم بل يصير ما يرجونه من الغنى فقراً ، ومن العزّ ذلاً ، ومن القوّة ضعفاً . وأما في الآخرة فلأنهم يصيرون إلى عذاب النار ، ولا ينتفعون بشيء مما عملوه من الأعمال التي يظنونها طاعة وقربة { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي المتمكنون في الخسران الكاملون فيه في الدنيا والآخرة . { أَلَمْ يَأْتِهِمْ } أي المنافقين { نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي خبرهم الذي له شأن ، وهو ما فعلوه وما فعل بهم ، ولما شبه حالهم بحالهم فيما سلف على الإجمال في المشبه بهم ، ذكر منهم ههنا ست طوائف قد سمع العرب أخبارهم ، لأن بلادهم وهي الشام قريبة من بلاد العرب ، فالاستفهام للتقرير ، وأوّلهم قوم نوح ، وقد أهلكوا بالإغراق ، وثانيهم قوم عاد ، وقد أهلكوا بالريح العقيم ، وثالثهم قوم ثمود ، وقد أخذوا بالصيحة ، ورابعهم قوم إبراهيم ، وقد سلط الله عليهم البعوض ، وخامسهم أصحاب مدين ، وهم قوم شعيب ، وقد أخذتهم الرجفة ، وسادسهم أصحاب المؤتفكات ، وهي قرى قوم لوط ، وقد أهلكهم الله بما أمطر عليهم من الحجارة وسميت مؤتفكات لأنها انقلبت بهم حتى صار عاليها سافلها ، والائتفاك الانقلاب { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي رسل هذه الطوائف الست . وقيل رسل أصحاب المؤتفكات لأن رسولهم لوط وقد بعث إلى كل قرية من قراهم رسولاً ، والفاء في { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } للعطف على مقدّر يدل عليه الكلام أي فكذبوهم ، فأهلكهم الله فما ظلمهم بذلك لأنه قد بعث إليهم رسله فأنذروهم وحذروهم { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بسبب ما فعلوه من الكفر بالله ، وعدم الانقياد لأنبيائه ، وهذا التركيب يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان مستمراً . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } قال هو التكذيب ، قال وهو أنكر المنكر { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما أنزل الله ، وهو أعظم المعروف . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } قال لا يبسطونها بنفقة في حق . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } قال تركوا الله فتركهم من كرامته وثوابه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } قال صنيع الكفار ، كالكفار . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال ما أشبه الليلة بالبارحة { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } إلى قوله { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم ، والذي نفسي بيده لنتبعنهم حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، في قوله { بِخَلَـٰقِهِمْ } قال بدينهم . وأخرجا أيضاً عن أبي هريرة قال الخلاق الدين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في قوله { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلَـٰقِهِمْ } قال بنصيبهم في الدنيا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة ، في قوله { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } قال لعبتم كالذي لعبوا . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } قال قوم لوط ائتفكت بهم أرضهم ، فجعل عاليها سافلها .