Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-79)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللام الأولى ، وهي { لَئِنْ ءاتَـٰنَا } الله { مِن فَضْلِهِ } لام القسم ، واللام الثانية ، وهي { لَنَصَّدَّقَنَّ } لام الجواب للقسم والشرط . ومعنى { لَنَصَّدَّقَنَّ } لنخرج الصدقة ، وهي أعمّ من المفروضة وغيرها { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي من جملة أهل الصلاح من المؤمنين القائمين بواجبات الدّين التاركين لمحرّماته { فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } أي لما أعطاهم ما طلبوا من الرزق بخلوا به أي بما آتاهم من فضله ، فلم يتصدّقوا بشيء منه كما حلفوا به { وَتَوَلَّواْ } أي أعرضوا عن طاعة الله وإخراج صدقات ما أعطاهم الله من فضله ، والحال أنهم { مُّعْرِضُونَ } في جميع الأوقات قبل أن يعطيهم الله ما أعطاهم من الرزق وبعده . قوله { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } الفاعل هو الله سبحانه ، أي فأعقبهم الله بسبب البخل الذي وقع منهم والإعراض ، نفاقاً كائناً في قلوبهم ، متمكناً منها ، مستمراً فيها { إلى يوم يلقون } الله عزّ وجلّ ، وقيل إن الضمير يرجع إلى البخل ، أي فأعقبهم البخل بما عاهدوا الله عليه نفاقاً كائناً في قلوبهم إلى يوم يلقون بخلهم أي جزاء بخلهم . ومعنى { فَأَعْقَبَهُمْ } أن الله سبحانه جعل النفاق المتمكن في قلوبهم إلى تلك الغاية عاقبة ما وقع منهم من البخل ، والباء في { بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } للسببية ، أي بسبب إخلافهم لما وعدوه من التصدّق والصلاح ، وكذلك الباء في { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } أي وبسبب تكذيبهم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أنكر عليهم فقال { أَلَمْ يَعْلَمُواْ } أي المنافقون ، وقرىء بالفوقية خطاباً للمؤمنين { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } أي جميع ما يسرونه من النفاق ، وجميع ما يتناجون به فيما بينهم من الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أصحابه ، وعلى دين الإسلام { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } فلا يخفى عليه شيء من الأشياء المغيبة كائناً ما كان ، ومن جملة ذلك ما يصدر عن المنافقين . قوله { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوّعِينَ } الموصول محله النصب ، أو الرفع على الذم ، أو الجرّ بدلاً من الضمير في سرّهم ونجواهم ، ومعنى { يَلْمِزُونَ } يعيبون . وقد تقدّم تحقيقه ، والمطوّعين أي المتطوّعين ، والتطوّع التبرّع . والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوّعوا بشيء من أموالهم وأخرجوه للصدقة ، فكانوا يقولون ما أغنى الله عن هذا ، ويقولون ما فعلوا هذا إلا رياء ، ولم يكن لله خالصاً ، و { فِي ٱلصَّدَقَـٰتِ } متعلق بيلمزون أي يعيبونهم في شأنها . قوله { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } معطوف على المطوّعين أي يلمزون المتطوّعين ، ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم وقيل معطوف على المؤمنين أي يلمزون المتطوّعين من المؤمنين ، ومن الذين لا يجدون إلا جهدهم ، وقرىء « جهدهم » بفتح الجيم ، والجهد بالضم الطاقة ، وبالفتح المشقة ، وقيل هما لغتان ومعناهما واحد ، وقد تقدّم بيان ذلك . والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدّقون بما فضل عن كفايتهم . قوله { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } معطوف على يلمزون أي يستهزءون بهم لحقارة ما يخرجونه في الصدقة مع كون ذلك جهد المقلّ ، وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه ، قوله { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } أي جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك ، فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم ، والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره . وقيل هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ثابت مستمر شديد الألم . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والعسكري في الأمثال ، والطبراني ، وابن منده ، والبارودي ، وأبو نعيم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وابن عساكر ، عن أبي أمامة الباهلي قال جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، قال " ويلك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه " قال يا رسول الله ، ادع الله أن يرزقني مالاً ، قال " ويحك يا ثعلبة أما تحبّ أن تكون مثلي ، فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي ذهباً لسارت " ، فقال يا رسول الله ، ادع الله أن يرزقني مالا ، فوالذي بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، قال " ويحك يا ثعلبة ، قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه " ، قال يا رسول الله ، ادع الله تعالى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهمّ ارزقه مالاً " قال فاتخذ غنماً فنمت كما تنمو الدود حتى ضاقت بها المدينة ، فتنحى بها ، فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يشهدها بالليل ، ثم نمت كما تنمو الدود فتنحى بها ، فكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نمت كما تنمو الدود فضاق بها مكانه ، فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار ، وفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه ، فأخبروه أنه اشترى غنماً ، وأن المدينة ضاقت به وأخبروه خبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويح ثعلبة بن حاطب ، ويح ثعلبة بن حاطب " ثم إن الله تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات ، وأنزل { خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً } التوبة 103 الآية ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين ، رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سلمة يأخذان الصدقات ، وكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها وجوهها ، وأمرهما أن يمرّا على ثعلبة بن حاطب ، وبرجل من بني سليم ، فخرجا فمرا بثعلبة فسألا الصدقة ، فقال أرياني كتابكما ، فنظر فيه فقال ما هذه إلا جزية ، انطلقا حتى أرى رأيي ، فانطلقا حتى قدما المدينة ، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما " ويح ثعلبة بن حاطب " ، ودعا للسلميّ بالبركة ، وأنزل الله { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ } الثلاث الآيات ، قال فسمع بعض أقارب ثعلبة ، فأتى ثعلبة فقال ويحك يا ثعلبة أنزل فيك كذا وكذا ، قال فقدم ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه صدقة مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد منعني أن أقبل منك " ، فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا عملك بنفسك ، أمرتك فلم تطعني " ، فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى ، ثم أتى أبا بكر ، فقال يا أبا بكر إقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار ، فقال أبو بكر لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلها ؟ فلم يقبلها أبو بكر ثم ولي عمر بن الخطاب ، فأتاه فقال يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل مني صدقتي ، قال ويثقل عليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا ؟ فأبى أن يقبلها ثم ولي عثمان فسأله أن يقبل صدقته ، فقال لم يقبلها رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك ؟ فلم يقبلها منه ، فهلك في خلافة عثمان ، وفيه نزلت { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَـٰتِ } قال وذلك في الصدقة ، وهذا الحديث هو مرويّ من حديث معاذ بن رفاعة ، عن عليّ بن زيد ، عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الله بن يزيد بن معاوية ، عن أبي أمامة الباهلي . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس ، في قوله { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ } الآية ، وذلك أن رجلاً كان يقال له ثعلبة من الأنصار أتى مجلساً فأشهدهم فقال لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه ، وتصدّقت منه ، وجعلت منه للقرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله ، فأخلف ما وعده ، فأغضب الله بما أخلفه ما وعده ، فقص الله شأنه في القرآن . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، أن رجلاً من الأنصار هو الذي قال هذا ، فمات ابن عمّ له فورث منه مالاً فبخل به ، ولم يف بما عاهد الله عليه ، فأعقبه بذلك نفاقاً في قلبه إلى أن يلقاه . قال ذلك { بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } . وأخرج البخاري ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن مسعود ، قال لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا ، فجاء رجل فتصدّق بشيء كثير ، فقالوا مراء وجاء أبو عقيل بنصف صاع ، فقال المنافقون إن الله لغنيّ عن صدقة هذا ، فنزلت { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوّعِينَ } الآية ، وفي الباب روايات كثيرة . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة في قوله { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوّعِينَ } أي يطعنون على المطوّعين .