Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 91-93)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه المعذرين ، ذكر بعدهم أهل الأعذار الصحيحة المسقطة للغزو ، وبدأ بالعذر في أصل الخلقة . فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء } وهم أرباب الزمانة ، والهرم ، والعمى ، والعرج ، ونحو ذلك ، ثم ذكر العذر العارض ، فقال { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } والمراد بالمرضى كل ما يصدق عليه اسم المرض لغة أو شرعاً . وقيل إنه يدخل في المرضى الأعمى والأعرج ونحوهما . ثم ذكر العذر الراجع إلى المال ، لا إلى البدن فقال { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } أي ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهز للجهاد ، فنفى سبحانه عن هؤلاء الحرج ، وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم غير واجب عليهم ، مقيداً بقوله { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وأصل النصح إخلاص العمل من الغش ، ومنه التوبة النصوح . قال نفطويه نصح الشيء إذا خلص ، ونصح له القول ، أي أخلصه له . والنصح لله الإيمان به ، والعمل بشريعته . وترك ما يخالفها كائناً ما كان ، ويدخل تحته دخولاً أوّلياً نصح عباده . ومحبة المجاهدين في سبيله ، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد . وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه ونصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم التصديق بنبوته وبما جاء به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، أو ينهي عنه ، وموالاة من والاه ، ومعاداة من عاداه ، ومحبته وتعظيم سنته ، وإحياؤها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة . وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة " ثلاثاً ، قالوا لمن ؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وجملة { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } مقرّرة لمضمون ما سبق أي ليس على المعذورين الناصحين من سبيل أي طريق عقاب ومؤاخذة . و " من " مزيدة للتأكيد ، وعلى هذا فيكون لفظ { ٱلْمُحْسِنِينَ } موضوعاً في موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقاً . أو يكون المراد ما على جنس المحسنين من سبيل ، وهؤلاء المذكورون سابقاً من جملتهم ، فتكون الجملة تعليلية . وجملة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييلية . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة 286 ، وقوله { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } النور 61 . وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين ، لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذي عذرهم الله عنه ، مع رغبتهم إليه لولا حبسهم العذر عنه ، ومنه حديث أنس عند أبي داود وأحمد ، وأصله في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لقد تركتم بعدكم قوماً ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه " قالوا يارسول الله ، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ فقال " حبسهم العذر " وأخرجه أحمد ، ومسلم ، من حديث جابر . ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } والعطف على جملة { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخره من سبيل . ويجوز أن تكون عطفاً على الضعفاء أي ولا على إذا ما أتوك إلى آخره حرج . والمعنى أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو ، فلم تجد ذلك الذي طلبوه منك . قيل وجملة { لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } في محل نصب على الحال من الكاف في { أتوك } بإضمار قد أي إذا ما أتوك قائلاً لا أجد . وقيل هي بدل من أتوك . وقيل جملة معترضة بين الشرط والجزاء ، والأوّل أولى . وقوله { تَوَلَّوْاْ } جواب " إذا " ، وجملة { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } في محل نصب على الحال أي تولوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه ، حال كونهم باكين ، و { حَزَناً } منصوب على المصدرية ، أو على العلية ، أو الحالية ، و { أَن لا يَجِدُواْ } مفعول له ، وناصبه { حَزَناً } وقال الفراء إن " لا " بمعنى ليس ، أي حزناً أن ليس يجدوا . وقيل المعنى حزناً على أن لا يجدوا . وقيل المعنى حزناً أنهم لا يجدون ما ينفقون ، لا عند أنفسهم ولا عندك . ثم ذكر الله سبحانه من عليه السبيل من المتخلفين فقال { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ } أي طريق العقوبة والمؤاخذة { عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك } في التخلف عن الغزو ، و الحال أنهم { أَغْنِيَاء } أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به ، وجملة { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوٰلِفِ } مستأنفة كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء . وقد تقدّم تفسير الخوالف قريباً . وجملة { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } معطوفة على { رَضُواْ } أي سبب الاستئذان مع الغنى أمران أحدهما الرضا بالصفقة الخاسرة ، وهي أن يكونوا مع الخوالف ، والثاني الطبع من الله على قلوبهم { فَهُمُ } بسبب هذا الطبع { لاَّ يَعْلَمُونَ } ما فيه الربح لهم ، حتى يختاروه على ما فيه الخسر . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، والدارقطني في الإفراد ، وابن مردويه ، عن زيد ابن ثابت ، قال كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت براءة ، فكنت أكتب ما أنزل عليه ، فإني لواضع القلم عن أذني إذ أمرنا بالقتال ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى ؟ فنزلت { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، قال أنزلت هذه الآية في عابد بن عمر المزني . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، قال نزل من عند قوله { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } إلى قوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } في المنافقين . وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، في قوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } قال ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد ، فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين ، ألم تسمع أن الله يقول { لاَّ يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } النساء 95 . فجعل الله للذين عذر من الضعفاء ، وأولي الضرر ، والذين لا يجدون ما ينفقون من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } قال والله لأهل الإساءة { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ } الآية ، قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني ، فقالوا يا رسول الله احملنا ، فقال والله ما أجد ما أحملكم عليه ، فتولوا ولهم بكاء وعزيز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملاً ، فأنزل الله عذرهم { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ } الآية . وأخرج ابن سعد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن عبد الله بن مغفل ، قال إني لا أجد ارهط الذين ذكر الله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } الآية . وأخرج ابن جرير ، عن محمد بن كعب ، قال هم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير ، ومن بني واقف حرميّ بن عمرو ، ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ، ومن بني المعلى سلمان بن صخر ، ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة ، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو المزني . وقد اتفق الرواة على بعض هؤلاء السبعة . واختلفوا في البعض ، ولا يأتي التطويل في ذلك بكثير فائدة . وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وغيرهم أن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤون ، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم ، ثم ذكروا أسماءهم ، وفيه ، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أهل حاجة . قال { لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن الحسن ، قال كان معقل بن يسار من البكائين الذين قال الله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أنس بن مالك ، في قوله { لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } قال الماء والزاد . وأخرج ابن المنذر ، عن عليّ بن صالح ، قال حدّثني مشيخة من جهينة ، قالوا أدركنا الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان ، فقالوا ما سألناه إلا الحملان على النعال . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن إبراهيم بن أدهم ، عمن حدّثه في قوله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } قال ما سألوه الدوابّ ما سألوه إلا النعال . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن صالح ، في الآية قال استحملوه النعال . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ } قال هي وما بعدها إلى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } في المنافقين .