Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 26-30)

Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } الآية مناسبتها لما قبلها ، هو أنه تعالى ذكر قصة آدم وفيها ستر السوآت وجعل في الأرض له مستقراً ومتاعاً ، ذكر ما امتن به على نبيه وما أنعم به عليهم من اللباس الذي يواري السوآت والرياش الذي يمكن به استقرارهم في الأرض واستمتاعهم بما حولهم . { قَدْ أَنزَلْنَا } إلإِنزال مجاز من باب إطلاق السبب على مسببه فأنزل المطر وهو سبب ما يتهيأ به اللباس ، واللباس يعم جميع ما يلبس ويستر . والريش معروف ، وهو هنا عبارة عن سعة الرزق ورفاهة العيش والتمتع . وقال الزمخشري : لباس الزينة استعير من ريش الطائر ، لأنه لباسه وزينته ، أي أنزلنا عليكم لباسين لباساً يواري سوآتكم ، ولباساً يزينكم لأن الزينة غرض صحيح . وكما قال تعالى : { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] ، ولكم فيها جمال . " انتهى " . ويحسّنه قوله تعالى : { حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [ النحل : 14 ، فاطر : 12 ] وقرىء : ولباس بالنصب عطفاً على ما قبله . وقرىء : بالرفع وهو مبتدأ وذلك خبر مبتدأ وخير خبر عن قوله : ولباس ، والرابط بينهما إسم الإِشارة كا يربط المضمر . وكأنه قال ولباس التقوى هو خبر . والإِشارة بقوله : { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } إلى ما تقدم من إنزال اللباس والرياش ولباس التقوى . والمعنى من آيات الله الدالة على فضله ورحمته على عباده . { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } هذه النعم فيشكرون الله تعالى عليها . { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } أي لا يستهوينكم ويغلب عليكم ، وهو نهي للشيطان . والمعنى نهيهم أنفسهم عن الإصغاء إليه والطواعية لأمره ، كما قالوا : لا أرَيَنّك ها هنا ، ومعناه النهي عن الإِقامة بحيث يراه . و { كَمَآ } في موضع نصب أي فتنة ، مثل فتنة إخراج أبويكم من الجنة . و { يَنزِعُ } حال من الضمير في أخرج أو من أبويكم لأن الجملة فيها ضمير الشيطان وضمير الأبوين ونسب النزع والإِراءة إلى الشيطان لما كان متسبباً فيه . { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } قال الزمخشري : الضمير في أنه يراكم ضمير الشأن والحديث . " انتهى " ولا ضرورة تدعو إلى هذا بل الظاهر أنه ضمير عائد على الشيطان وهو إبليس يبصركم هو وجنوده من الجهة التي لا تبصرونه منها وهم أجسام لطيفة معلوم من هذه الشريعة ، وجودهم ، كما أن الملائكة أيضاً معلوم وجودهم من هذا الشريعة ، ولا يستنكر وجود أجسام لطيفة جداً لا نراها نحن . ألا ترى أن الهواء جسم لطيف لا ندركه نحن وقد قام البرهان العقلي القاطع على وجوده وقد صح تصورهم في الأجسام الكثيفة . ورؤية بني آدم لهم في الأجسام كالشيطان الذي رآه أبو هريرة حين جعل يحفظ تمر الصدقة ، والعفريت الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه : " لولا دعوة أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد " الحديث . وكحديث خالد بن الوليد حين سير لكسر ذي الخلصة . وكحديث سوار بن قارب مع رئيه من الجن إلا أن رؤيتهم في الصور نادرة ، كما أن الملائكة تبدو في صور كحديث جبريل عليه السلام . وقوله تعالى : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ } ، تعليل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدو المواجي يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون . { إِنَّا جَعَلْنَا } إي صيرنا . { ٱلشَّيَاطِينَ } الآية ، ناصريهم ومعاضديهم في الباطل . { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } الظاهر أنه اخبار مستأنف عن هؤلاء الكفار بما كانوا يقولون إذا ارتكبوا الفواحش . وقولهم : { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } تقليد لآبائهم في فعل ذلك . والتقليد ليس طريقاً لحصول العلم . وقولهم : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } إفتراء عليه تعالى . وكانوا يقولون : لو كره الله ذلك لنقلنا عنها . { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } أي بفعل الفحشاء . وإنما لم يرد التقليد لظهور بطلانه ، فأبطل تعالى دعواهم إن الله أمر بها ، إذ مدرك ذلك إنما هو الوحي على لسان الرسل والأنبياء ولم يقع ذلك . { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ومجنهم على كذبهم ووقفهم على ما لا علم لهم به ولا رواية لهم فيه بل هي دعوى واختلاق . { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل . { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } معطوف على ما ينحل إليه المصدر الذي هو القسط ، أي بأن أقسطوا وأقيموا وكما ينحل المصدر لأنْ والفعل الماضي نحو : عجبت من قيام زيد . وخرج تقديره من أن قام زيد وخرج ، ولأنْ والمضارع ، نحو : @ للبس عَبَاءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف @@ تقديره لأن ألبس عباءة وتقر عيني . ولما أشكل هذا التخريج جعل الزمخشري وأقيموا على تقدير وقل ، فقال : وقل أقيموا وجوهكم . قال ابن عباس : المعنى إذا حضرت الصلاة فصلوا في كل مسجد ، ولا يقل أحدكم أصلي في مسجدي . { وَٱدْعُوهُ } الدعاء على بابه أمر به مقرونا بالإِخلاص . { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } هذا إعلام بالبعث أي كما أوجدكم واخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت . والكاف في كما : للتشبيه . وما : مصدرية . والمعنى تعودون بإِنشائه تعالى مثل بدئه تعالى إياكم شبّه الإِعادة بالبدء . { فَرِيقاً هَدَىٰ } تقسيم للمؤمن والكافر . وانتصب فريقاً على أنه مفعول بهدى . { وَفَرِيقاً } الثاني بإِضمار فعل يفسره ما بعده تقديره وأضل فريقاً . وهذا من باب الاشتغال . فسّر فكل ناصب من معنى قوله : { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ } تعليل للفريق الذين حقت عليهم الضلالة .