Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 31-34)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الآية ، كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة ، وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم دسماً ، ولا ينالون من الطعام إلا قوتاً ، تعظيماً لحجهم . فنزلت . والزينة فعلة من التزين وهو اسم ما يتجمل به من ثياب وغيرها ، كقوله تعالى : { وَٱزَّيَّنَتْ } [ يونس : 24 ] أي بالنبات . والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة . وفي صحيح مسلم عن عروة أن العرب كانت تطوف عراة إلا الحُمْسُ ، وهم قريش إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً فتعطى الرجالُ الرجالَ والنساءُ النساءَ . وفي غير مسلم : من لم يكن له صديق بمكة يعيره ثوباً طاف عرياناً أو في ثيابه وألقاها بعد ذلك فلا يمسها أحد ، وتسمى اللقاء . وقال بعضهم في ذلك : @ كفى حزناً كدى عليه كأنه لقى بين أيدي الطائفين حريم @@ " فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه : يا بني آدم خذوا زينتكم ، أذّن مؤذنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان " . { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } الظاهر أنه أمر بإِباحة الأكل والشرب من كل ما يمكن أن يؤكل ويشرب مما لم يخطر أكله وشربه في الشريعة . وإن كان النزول على سبب خاص كما ذكروا من امتناع المشركين من أكل اللحم والدسم أيام إحرامهم ، والنهي عن الإِسراف يدل على التحريم لقوله تعالى : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } . والظاهر تعلق الإِسراف بالأكل والشرب كما يوجد للمحترفين في الدنيا من مغالاة التأنق في الأكل بحيث يغرم على الدجاجة الواحدة نحو من عشرين درهماً ، وكما يغرم على الرطل من الحلوى نحو من أربعين درهماً ، ولقد شاهدنا بعض أكابرهم رسم بأن يعمل له خميرة ورد في مئين من القناني في كل قنينة أربع أواق فقيل له : الورد كما دخل وهو غال ، فقال : أليس موجوداً ؟ فقيل له : نعم . فقال : كل موجود ليس بغال . وكما بلغنا عن بعض الناس أنه كان يأكل الفستق مقشوراً بالسكر النبات في القطايف ، وقد سئل عن حال من يأكل قشور الموز من الجوع والفقر فقال ذلك الآكل : كلنا فقراء . وأما تأنقهم في الأواني الصينية وفعالاتهم في أثمانها فكثير ، ويسألون درهماً لفقير فلا يبورن به . { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } هي ما حسنته الشريعة وقررته مما يتجمل به الناس من الثياب وغيرها . وأضيفت إلى الله تعالى لأنه هو الذي أباحها . والطيبات : هي المستلذات من المأكول والمشروب بطريقه وهو الحل ، ومعنى الاستفهام إنكار تحريم هذه الأشياء وتوبيخ محرميها . وقد كانوا يحرمون أشياء من لحوم الطيبات وألبانها . والاستفهام إذا تضمن الإِنكار لا جواب له . ومعنى : { أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } أي أبرزها وأظهرها وفصّل حلالها من حرامها . { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية ، وقرىء : خالصة بالرفع . وقرأ باقي السبعة بالنصب ، فأما النصب فعلى الحال والتقدير قل هي مستقرة للذين آمنوا في حال خلوصها لهم يوم القيامة وهي حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبراً لهيَ . وفي الحياة متعلق بآمنوا . وأما الرفع فجوزوا فيه أن يكون خبراً لهي . وللذين آمنوا متعلق بخالصة . وفي الحياة الدنيا متعلق بآمنوا . ويصير المعنى قل هي خالصة يوم القيامة لمن آمن من الدنيا ، ولا يعني بيوم القيامة وقت الحساب ، وخلوصها كونهم لا يعاقبون عليها ، وإلى هذا المعنى يشير ابن جبير . وجوزوا فيه أن يكون خبراً بعد خبر ، والخبر الأول هو للذين آمنوا . وفي الحياة الدنيا متعلق بما يتعلق به للذين وهو الكون المطلق ، أي قل هي كائنة في الحياة الدنيا للمؤمنين وإن كان يشركهم فيها في الحياة الدنيا الكفار وخالصة لهم يوم القيامة . ويراد بيوم القيامة استمرار الكون في الجنة ، وهذا المعنى من أنها لهم ولغيرهم في الدنيا خالصة لهم يوم القيامة هو قول ابن عباس وجماعة . { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } تقدم تفسير الفواحش . و { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } في أواخر الانعام قال ابن عباس : هنا ما ظهر منها ما كانت تفعله الجاهلية من نكاح الأبناء نساء الآباء ، والجمع بين الأختين ، وأن تنكح المرأة على عمتها وخالتها ، وما بطن ، وهو الزنا ، وما عطف عليه بدل من الفواحش وهو بدل تفصيلي لإِنقسام الفواحش إلى ظاهرة وباطنة . ونظيره قول الشاعر : @ وكنت كذي رجلَيْنِ رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت @@ والاثم عام يشمل الأقوال والأفعال التي يترتب عليها الاثم . والبغي : التعدي وتجاوز الحد مبتدئاً كان أو منتصراً . وقوله : { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } زيادة بيان وليس يتصور بغي بحق ، لأن ما كان بحق لا يسمى بغياً . وتقدم تفسير { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } في الانعام فأغنى عن إعادته . { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي لكل واحد من الأمة عمر ينتهي إليه بقاؤه في الدنيا ، فإِذا مات علم ما كان عليه من حق أو باطل . وقرىء : جاء أجلهم بإِبدال همزة أجلهم ألفاً . وقرىء أيضاً بحذفها . وقرىء : أيضاً بإِقرارها همزة وجواب إذا . قوله : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } وقال الحوفي : { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } معطوف على لا يستأخرون . " انتهى " . وهذا لا يمكن لأن إذا شرطية فالذي يترتب عليها إنما هو مستقبل ، ولا يترتب على مجيء الأجل في المستقبل إلا مستقبل ، وذلك يتصور في انتفاء الاستئخار لا في انتفاء الاستقدام لأن الاستقدام سابق على مجيء الأجل في الاستقبال فيصير نظير قولك : إذا قمت في المستقبل ، لم يتقدم قيامك في الماضي . ومعلوم أنه إذا قام في المستقبل لم يتقدم قيامه ، هذا في الماضي . وهذا شبيه بقول زهير : @ بدا لي أني لست مورك ما مضى ولا سابقاً شيئاً إذا كان جائياً @@ ومعلوم أن الشىء إذا كان جائياً إليه لا يسبقه . والذي تخرج عليه الآية أن قوله : لا يستقدمون ، منقطع من الجوا بعلى سبيل استئناف اخبار ، أي وهم لا يستقدمون الأجل أي لا يسبقونه . وصار معنى الآية أنهم لا يسبقون الأجل ولا يتأخرون عنه .