Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-45)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } لما توعد الله تعالى من لا ينفر مع رسوله عليه السلام وضرب له من الأمثال ما ضرب ، اتبعه بهذا الأمر الجزم ، والمعنى انفروا على الوصف الذي يخف عليكم فيه الجهاد ، أو على الوصف الذي يثقل . والخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة ، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا . { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } أي لو كان ما دعوا إليه غنماً قريباً سَهْلَ المنال وسفراً قاصداً وسطاً مقارباً . وهذه الآية في قصة تبوك حين استنفر المؤمنين فنفروا واعتذر منهم لا محالة فريق لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة . { لاَّتَّبَعُوكَ } لبادروا إليه لا لوجه الله ولا لظهور كلمته . { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } أي المسافة الطويلة في غزو الروم . والشُقة : السفر البعيد . وربما قالوه بالكسر في الشين . { وَسَيَحْلِفُونَ } أي المنافقون . وهذا إخبار بغيب . قال الزمخشري في قوله : وسيحلفون بالله ، ما نصه : بالله متعلق بسيحلفون أو هو من كلامهم ، والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون متخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله . { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أو وسيحلفون بالله يقولون : لو استطعنا . وقوله : لخرجنا ، سد مسد جواب القسم ولو جميعاً والاخبار بما سوف يكون بعد القول من حلفهم واعتذارهم . وقد كان من جملة المعجزات . ومعنى الاستطاعة : استطاعة العدّة أو استطاعة الأبدان ، كأنهم تمارضوا . " انتهى " . وما ذهب إليه من أن قوله : لخرجنا ، سدّ مسدّ جواب القسم ، ولو جميعاً ليس بجيد بل للنحويين في هذا مذهبان : أحداهما : أن لخرجنا هو جواب القسم ، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم . والشرط إذا تقدم القسم على الشرط وهو اختيار ابن عصفور ، والآخر : ان لخرجنا هو جواب لو ، وجواب القسم هو لو وجوابها وهذا هو اختيار ابن مالك ، اما انّ لخرجنا يسد مسدهما فلا أعلم أحداً ذهب إلى ذلك . { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بالحلف الكاذب أي يوقعونها في الهلاك به . والظاهر أنها جملة استئناف إخبار منه سبحانه وتعالى . وقال الزمخشري : يهلكون أنفسهم ، إما أن يكون بدلاً من سيحلفون ، أو حالاً بمعنى مهلكين ، والمعنى أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وما يحلفون عليه من التخلف . ويحتمل أن يكون حالاً من قوله : لخرجنا ، أي لخرجنا معكم وان أهلكنا أنفسنا وألقيناها إلى التهلكة بما نحملها من السير في تلك الشقة . وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم ، ألا ترى أنه لو قيل : سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا ، لكان سديداً . يقال : حلف بالله ليفعلن ولأفعلن ، فالغيبة على حكم الاخبار والتكلم على الحكاية . " انتهى " . اما كون يهلكون بدلاً من سيحلفون فبعيد ، لأن الاهلال ليس مرادفاً للحلف ولا هو نوع من الحلف ، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفاً له أو نوعاً منه ، واما كونه حالاً من قوله : لخرجنا ، فالذي يظهر أن ذلك لا يجوز لأن قوله : لخرجنا فيه ضمير التكلم فالذي يجري عليه إنما يكون بضمير المتكلم ، فلو كان حالاً من ضمير لخرجنا لكان التركيب نهلك أنفسنا أي مهلكي أنفسنا . واما قياسه ذلك على حلف بالله ليفعلن ولأفعلن فليس بصحيح لأنه إذا أجراه على ضمير الغيبة لا يخرج منه إلى ضمير المتكلم ، لو قلت : حلف زيد ليفعلن وانا قائم ، على أن يكون وأنا قائم حالاً من ضمير ليفعلن لم يجز وكذا عكسه نحو : حلف زيد لأفعلن يقوم ، تريد قائماً لم يجز . واما قوله : وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم فمغالطة ليس مخبراً عنهم بقوله : لو استطعنا لخرجنا معكم ، بل هو حاك لفظ قولهم . ثم قال : ألا ترى انه لو قيل : لو استطاعوا لخرجوا لكان سديداً … إلى آخر كلام صحيح ، لكنه تعالى لم يقل ذلك إخباراً عنهم بل حكاية . والحال من جملة كلامهم المحكي فلا يجوز أن يخالف بين ذي الحال وحاله لاشتراكهما في العامل . لو قلت : قال زيد : خرجت يضرب خالداً ، تريد أضرب خالداً ، لم يجز . ولو قلت : قالت هند ، خرج زيد أضرب خالداً ، تريد خرج زيد ضارباً خالداً ، لم يجز . { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } الآية ، اللام في لم : لام التعليل ، وما : استفهامية ، حذف منها الألف ، واللام الثانية : للتبليغ ، وهما متعلقان باذنت ، وجاز ذلك لاختلاف معنَيْيهما ، وحتى : غاية للاستفهام . وقوله : الذين صدقوا في استئذانك ، وانك لو لم تأذن لهم خرجوا معك . { وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } يريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهم كذبة ، وقد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لو تأذن . { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ما قبل هذه الآية وما بعدها ورد في قصة تبوك . والظاهر أن متعلق الاستئذان هو أن يجاهدوا ، أي ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ، وكان الخلص من المهاجرين والأنصار لا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم أبداً ، ويقولون : لنجاهدنّ معه بأموالنا وأنفسنا . { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية ، هم المنافقون وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ، ومعنى وارتابت قلوبهم : شكت . ويتردّدون : ويتحيرون لا يتجه لهم هدى فتارة يخطر لهم صحة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة يخطر لهم خلاف ذلك .