Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 50-59)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } قال ابن عباس : الحسنة يوم بدر ، والمصيبة يوم أحد . وينبغي أن يحمل قوله على التمثيل ، واللفظ عام في كل محبوب ومكروه . وسياق الجمل يقتضي أن يكون ذلك في الغزو ، ولذلك قالوا : الحسنة : الظفر والغنيمة ، والمصيبة : الخيبة والهزيمة ، مثل ما جرى في غزوة أحد ، ومعنى أمرنا الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالجزم في التخلف عن الغزو من قبل ما وقع من المصيبة . { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ } الآية ، أي ما تنتظرون بنا إلا إحدى العاقبتين كل واحدة منهما هي الحسنى من العواقب اما النصرة واما الشهادة ، فالنصرة مآلها إلى الغلبة والاستيلاء ، والشهادة مآلها إلى الجنة . { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } قرىء : بضم الكاف ويعني في سبيل الله ووجوه البر ، وهو أمر معناه التهديد والتوبيخ ، انفقوا قال ابن عطية : أنفقوا أمر في ضمنه جزاء وهذا مستمر في كل أمر معه جزاء ، والتقدير ان تنفقوا لن يتقبل منكم ، وأما إذا عري الأمر من الجواب فليس يصحبه تضمن الشرط . " انتهى " . ويقدح في هذا التخريج أن الأمر إذا كان فيه معنى الشرط كان الجواب كجواب الشرط فعلى هذا يقتضي أن يكون التركيب ، فلن يتقبل بالفاء لأن لن لا تقع جواباً للشرط إلا بالفاء فكذلك ما ضمّن معناه . وانتصب طوعاً أو كرهاً على الحال ، والطوع أن يكون من غير إلزام الله ورسوله . والكره إلزام ذلك ، وسمي الإِلزام إكراهاً لأنهم منافقون فصار الإِلزام شاقاً عليهم كالإِكراه . وعلل انتفاء التقبل بالفسق ، والمراد به هنا الكفر ، ويدل عليه قوله في الآية بعدها . { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ } الآية ، وذكر السبب الذي هو بمفرده مانع من قبول نفقاتهم وهو الكفر ، واتبعه بما هو ناشىء عن الكفر ومستلزم له وهو دليل عليه وذلك إتيان الصلاة وهم كسالى ، وإيتاء النفقة وهم كارهون ، والكسل في الصلاة ، وترك النشاط إليها ، وأخذها بالإِقبال من ثمرات الكفر فإِيقاعها عندهم لا يرجون به ثواباً ولا يخافون بالتفريط فيها عقاباً ، وكذلك الإِنفاق للأموال لا يخرجون ذلك إلا وهم لا يرجون به ثواباً . { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ } لما قطع رجاء المنافقين عن جميع منافع الآخرة بين أن الأشياء التي يظنونها من باب منافع الدنيا جعلها تعالى أسباباً لتعذيبهم بها في الدنيا ، أي فلا تعجبك أيها السامع بمعنى لا تستحسن ولا تفتتن بما أوتوا من زينة الدنيا ، وفي هذا تحقير لشأن المنافقين . والضمير في " بها " عائد على الأموال . واللام في " ليعذبهم " لام كي . ومفعول يريد محذوف تقديره يريد كسبهم الأموال والأولاد لأجل تعذيبهم . { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } أي لمن جملة المسلمين . واكذبهم بقوله : { وَمَا هُم مِّنكُمْ } . ومعنى يفرقون : يخافون القتل ، وما يفعل بالمشركين ، فيتظاهرون بالإِسلام تقية وهم يبطنون النفاق . { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } لما ذكر تعالى فرق المنافقين من المؤمنين أخبر بما هم عليه معهم مما يوجبه الفرق وهو أنهم لو أمكنهم الهرب منهم لهربوا ولكن صحبتهم لهم صحبة اضطرار لا اختيار ، والملجأ : الحرز . والمغارات جمع مغارة وهي الغار تجمع على غير أن يبنى من غار يغور إذا دخل بدأ أولاً بالأَعم وهو الملجأ إذ يطلق على كل ما يلجأ إليه الإِنسان ، ثم ثنى بالمغارات وهي الغيران في الجبال ، ثم أتى ثالثاً بالمداخل وهو النفقُ باطن الأرض . و { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ } أي إلى واحد من الثلاث . { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } أي يسرعون إسراعاً لا يردهم شىء . { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ } اللامز هو حرقوص بن زهير التميمي وهو ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فقال : اعدلّ يا رسول الله . الحديث . وقيل : غيره . والمعنى من يعيبك في قسم الصدقات . والضمير في { وَمِنْهُمْ } للمنافقين . والكاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا الترديد بين الشرطين يدل على دناءة طباعهم ونجاسة أخلاقهم وان لمزهم الرسول عليه السلام إنما هو لشرههم في تحصيل الدنيا ومحبة المال ، وان رضاهم وسخطهم إنما متعلقة العطاء . والظاهر حصول مطلق الاعطاء أو نفيه ، وما أحسن مجيء جواب هذين الشرطين لأن الأول لا يلزم أن يقارنه ولا أن يتعقبه بل قد يجوز أن يتأخر نحو : ان اسلمت دخلت الجنة ، فإِنما يقتضي مطلق الترتيب ، وأما جواب الشرط الثاني فجاء بإِذا الفجائية وانه إذا لم يعطوا فاجأ سخطهم . ولم يمكن تأخره لما جلبوا عليه من محبة الدنيا والشره في تحصيلها . ومفعول رضوا محذوف ، أي رضوا ما أعطوه ، وليس المعنى رضوا عن الرسول لأنهم منافقون ، ولأن رضاهم وسخطهم لم يكن لأجل الدين بل لأجل الدنيا . وجاءت إذا الفجائية رابطة لجواب الجزاء بجملة الشرط ولا نحفظه جاءت إذا جواباً للشرط إلا وحرف الشرط انْ ، وكذلك في قوله : { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 36 ] ، وسائر أدوات الشرط كانت أسماء كَمَنْ وَمَا ومَهْما . أو ظرف زمان كمتى وأيان ، أو مكان كحيثُمَا ، لا نعلمه جاء جواب شىء منها بإِذا الفجائية على كثرة مطالعتي لدواوين العرب . { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ } الآية ، هذا وصف لحال المستقيمين في دينهم ، أي رضوا قسمة الله ورسوله وقالوا : كفانا فضل الله ورسوله . وعلقوا آمالهم بما سيؤتيه الله إياهم . وكانت رغبتهم إلى الله تعالى لا إلى غيره . وجواب لو محذوف تقديره لكان خيراً لهم في دينهم ودنياهم .