Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-1)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } قوله عَزَّ وَجَلَّ : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . تعليمٌ منه سُبْحَانَهُ ؛ ليذكُروا اسْمَهُ عند افتتاحِ القراءة وغيرِها ؛ تبَرُّكاً به . ومعناهُ أبداً : { بِسمِ ٱلله } ؛ لأنَّ حرف الباءِ مع سائرِ حروف الجرِّ لا يستغني عن فعلٍ مُضْمَرٍ أو مُظْْهَرٍ ؛ فكان ضميرُ الباء في هذه الآية : الأَمْرُ . واختلفَ الناسُ في معنى اشتقاقِ الاسم ؛ وأكثرُ أهلِ اللُّغَةِ على أنهُ مشتقٌّ من السُّمُوِّ ؛ وهو الرِّفعةُ . ومعنى الاسمِ التنبيهُ على المسمَّى والدلالةُ عليه . وقال بعضُهم : مشتقٌّ من السِّمَةِ ؛ وهي العلامةُ ؛ فكان الاسمُ علامة للمسمَّى . وأمَّا { ٱلله } فقال بعضُهم : هو اسمٌ لا اشتقاقَ له ؛ مثل قولِكَ : فرسٌ ؛ ورجلٌ ؛ وجبلٌ ؛ ومعناه عند أهل اللِّسان : المستحِقُّ للعبادةِ ؛ ولذلك سَمَّتِ العربُ أصنامَهم : آلِهَةً ؛ لاعتقادهم استحقاقَها للعبادةِ . وقال بعضُهم : هو من قولِهم : ألَهَ الرجلُ إلى فلان يَأْلَهُ إلاَهَةً ؛ إذا فَزِعَ إليه مِنْ أمرٍ نَزَلَ به ؛ فآلَهَهُ أي أجَارَهُ وَأمَّنهُ . ويقال للمَأْلُوهِ إلَيْهِ : إلَهاً . كما قالوا للمُؤتَمَّ به : إمَاماً ؛ فمعناه أن الخلائقَ يَأْلَهُونَ ويتضرَّعون إليه في الحوائجِ والشدائد . واختلفُوا في { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } هل هي آيةٌ من الفاتحةِ ؟ فقال قُرَّاءُ الكوفة : هي آيةٌ منها ؛ وأبَى ذلك أهلُ المدينة والبصرة . وأما قولهُ { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } فهما اسْمان مأخوذان من الرَّحمةِ ؛ وزنُهما من الفعلِ نَدِيْمٌ ونَدْمَانٌ من المنادمةِ ، وفَعْلاَنُ أبلغُ من فعيلِ ، وهو من أبْنِيَةِ المبالغةِ . ولا يكونُ إلا في الصفات ؛ كقولكَ : شبعانٌ وغضبان ؛ ولِهذا كان اسمُ { الرَّحْمٰنِ } مختصّاً باللهِ لا يوصَفُ به غيره . وأمَّا اسم { الرَّحِيـمِ } فمشتركٌ . وعن عثمان رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ : " الرَّحْمَنُ الْعَاطِفُ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ بإدْرَار الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ " فالرحمةُ من الله تعالى الإنعامُ على الْمُحتاج ؛ ومن الآدميِّين رقَّة القلب ؛ وإنَّما جمعَ بين الرَّحْمَنِ والرَّحِيْمِ للنهايةِ في الرَّحمة والإحسان بعد الاحتِنَانِ . وعنِ ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنهُ قال : [ هُمَا اسْمَانِ رَقِيْقَانِ أحَدُهُمَا أرَقُّ مِنَ الآخَرِ ] ولو قال : لَطِيْفَانِ لكان أحسنَ . وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكتبُ في أوائل الكتب في أوَّل الإسلام : [ بسْمِكَ اللَّهُمَّ ] حتى نزلَ { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا } [ هود : 41 ] . فكتبَ { بِسْمِ ٱللَّهِ } . ثُم نَزَلَ : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [ الإسراء : 110 ] فَكَتَبَ : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } . فنَزَلَ : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [ النمل : 30 ] في سورةِ النَّمل ؛ فكتبَ حينئذٍ : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } . فإن قيلَ : لِمَ قُدِّمَ اسمُ اللهِ على الرَّحمن ؟ قيل : لأنهُ اسم لا ينبغي إلا للهِ عَزَّ وَجَلَّ . وقيل في تفسيرِ قولهِ تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] أي هل تعرفُ في السهلِ والجبل والبَرِّ والبحرِ والمشرِق والمغرب أحداً اسْمُهُ اللهُ غيرَ اللهِ ؟ وقيل : هو اسْمُهُ الأعظمُ . وقُدِّمَ الرَّحْمَنَ على الرَّحِيْمِ ؛ لأن الرحمنَ اسم خُصَّ به اللهُ ؛ والرحيمُ مشتركٌ ؛ يقال : رجلٌ رحيمٌ ، ولا يقال : رجل رحمنٌ . وقيل : الرَّحْمَنُ أمدحُ ؛ والرحيمُ أرأفُ . وإنَّما أسقطت الألف من اسمِ الله وأصلهُ باسم الله ؛ لأنَّها كثرت على ألسنةِ العرب عند الأكلِ والشُّرب والقيام والقعود ؛ فحذفت اختصاراً من الخطِّ وإن ذُكرت اسماً غيرهُ من أسماءِ الله لَم تحذفِ الألفُ لقلَّة الاستعمال ؛ نحو قولِكَ : باسمِ الرب ، وباسمِ العزيز ؛ وإن أتيتَ بحرفٍ سوى الباء لَمْ تحذفِ الألفَ أيضاً ؛ نحو قولِكَ : لاسمِ الله حلاوةٌ في القلوب ؛ وليس اسمٌ كاسمِ الله . وكذلك باسمِ الرَّحمنِ ؛ واسمِ الجليلِ ؛ و { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] .