Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 15-18)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } ؛ أي فأرسَلَهُ معهم ، فلَمَّا ذهبوا به اتَّفَقَتْ دَوَاعِيهم أن يجعلوهُ في الْجُب ، قال السديُّ : ( خَرَجُوا بهِ مِنْ عِنْدِ أبيهِمْ وَهُمْ مُكْرِمُونَ لَهُ ، فَلَمَّا صَارُواْ فِي الْبَرِّيَّةِ أظْهَرُواْ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، فَجَعَلَ أخٌ لَهُ يَضْرِبُهُ ، فَيَسْتَغِيثُ بالآخَرِ فَيَضْرِبُهُ ، لاَ يَرَى فِيْهِمْ رَحِيماً ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى كَادُواْ يَقْتُلُونَهُ . فَجَعَلَ يَصَيحُ وَيَقُولُ : يَا أبَتَاهُ لَوْ تَعْلَمُ مَا صُنِعَ بابْنِكَ ؟ فَقَالَ لَهُمْ يَهُودَا : ألَيْسَ قَدْ أعْطَيْتُمُوهُ مَوْثِقاً ألاَّ تَقْتُلُوهُ ؟ فَانْطَلَقُواْ بهِ فِي الْجُب فَدَلُّوهُ فِيْهِ ، فَتَعَلَّقَ بشَفِيرِ الْبئْرِ ، فَرَبَطُواْ يَدَيْهِ وَنَزَعُواْ قَمِيصَهُ وَقَالَ : يا إخْوَتَاهُ رُدُّواْ عَلَيَّ قَمِيصِي أتَوَارَى بهِ ، فَقَالُواْ : أُدْعُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً يُلْبسُوكَ وَيُؤْنِسُوكَ ، فَدَلّوهُ حَتَّى إذا بَلَغَ نِصْفَ الْبِئْرِ ألْقَوْهُ وَأرَادُواْ أنْ يَمُوتَ ، وَكَانَ فِي الْبئْرِ مَاءٌ فَسَقَطَ فِيْهِ ، وَآوَى إلَى صَخْرَةٍ فَقَامَ عَلَيْهَا وَجَعَلَ يَبْكِي ، فَنَادَوا فَظَنَّ أنَّ الرَّحْمَةَ أدْرَكَتْهُمْ فَأَجَابَهُمْ ، فَأَرَادُوا أنْ يَرْضُخُوهُ بالْحِجَارَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَمَنَعَهُمْ يَهُودَا ، وَكَانَ يَهُودَا يَأْتِيهِ بالطَّعَامِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } ؛ قال المفسِّرون : أوحَى اللهُ إلى يوسفَ في البئرِ تَقْويَةً لقلبهِ : لَتَصْدُقَنَّ رُؤْيَاكَ ، وَلَتُخْبرَنَّ إخْوَتَكَ بصُنْعِهِمْ هَذا بَعْدَ الْيَوْمِ ، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ؛ بأنَّ يوسفَ في وقتِ إخباركَ إيَّاهم بأمرِهم ، وكان فيما أُوحي إليه : أنِ اصبر على ما أصابَكَ واكْتُمْ حالَكَ ، فإنَّكَ تُخبرُهم بما فَعَلُوا بكَ . وعن ابنِ عبَّاس : قال : ( كَانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةِ سَنَةً وَبَقِيَ فِي الْجُب ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ) . وفي بعضِ الروايات : أنه لَمَّا أُلقِيَ في الْجُب جعلَ يقول : يا شاهداً غيرَ غائبٍ ، ويا قريباً غيرَ بعيدٍ ، ويا غالباً غيرَ مغلوبٍ : اجعَلْ لي من أمْرِي فَرَجاً ومَخرجاً ، فأوحَى اللهُ إليه وهو في البئرِ : اصبرْ على ما أصابَكَ واكْتُمْ حالكَ ، فإنَّكَ تخبرُ إخوانَكَ في وقتٍ عن ما فعَلُوا بكَ في وقتِ إخباركَ إيَّاهم بأمرِهم . ثم عَمَدوا إلى سَخْلَةٍ فذبَحوها ، وجعلوا دَمَها على قميصِ يوسف ، { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } ؛ أي يتَبَاكون ، { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } أي نتسابقُ في الرَّمي ، وَقِيْلَ : نُسابَقُ في الاصطيادِ ، { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } ؛ ليحفظَهُ ، { فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } ؛ أي بمُصدِّقٍ لنا في أمرِ يوسف لفَرطِ محبَّتِكَ له وتُهمَتِكَ إيانا فيه ، { وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } ؛ محل الصدقِ عندكَ في غير هذا الحديثِ . ثم أرَوهُ قميصَهُ ملطَّخًا بالدمِ ، فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } ؛ أي بدَمٍ كذبٍ ، فلمَّا نظرَ يعقوبَ إلى القميصِ قال : ما عهدتُ ذِئْباً حَلِيماً مثلَ هذا الذئب ! فَكَيْفَ أكلَ لحمه ولم يخرِّقْ قميصَهُ ؟ ! ولو أنَّهم كانوا مزَّقُوا قميصَهُ حين لطَّخوهُ بالدم ، كان ذلك أبعدَ عن التُّهمةِ عنهم ، ولكن لا بدَّ في المعاصِي أن يقترنَ بها الحزنان ، { قَالَ } ؛ يعقوبُ : كَذبْتُمْ ، { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } أي زيَّنت لكم أنفسُكم في هلاكِ يوسف فضيَّعتموهُ ، ويقالُ : إن يعقوب كما قال لَهم : لو أكلَهُ الذئبُ فشَقَّ قميصَهُ ! قالوا : لو قتَلهُ اللصوصُ لَمَا ترَكُوا قميصَهُ ، هل يريدون إلا الثيابَ والمتاعَ ، فَسَكَتوا متحيِّرين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ؛ أي فصبرٌ جَمِيلٌ أوْلَى من الجزَعِ ، والصبرُ الجميل هو الذي لا شَكوَى فيه ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } ؛ أي معناهُ : أستعينُ باللهِ على الصبرِ في ما يقولون . ورُوي : ( أنَّ شُرَيْحاً كَانَ جَالِساً لِلْقَضَاءِ ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَبْكِي وَتَشْكُو ، فَقِيلَ لَهُ : يُوشِكُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ مَظْلُومَةً ، فَقَالَ شُرَيْحُ : قَدْ جَاءَ إخْوَةُ يُوسُفَ أبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ وَهُمْ كَذبَةٌ ) .