Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-35)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( هُنَّ أرْبَعُ نِسْوَةٍ : أمْرأَةُ سَاقِي الْمَلِكِ ، وَامْرَأةُ خَبَّازِهِ ، وَامْرَأَةُ صَاحِب سِجْنِهِ ، وَامْرَأَةُ صَاحِب دَوَابهِ ، قُلْنَ فِي امْرَأةِ الْعَزِيزِ : إنَّهَا تَدْعُو عَبْدَهَا إلَى نَفْسِهَا ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } ؛ قد خَرَقَ حبُّهُ حجابَ قلبها فلا يعقلُ غيره ، ويقال : قد أحبَّتهُ حتى دخلَ حُبُّهُ شِغَافَ قَلبها . والشِّغَافُ : جلدةٌ تشتملُ على القلب ، يقالُ : شَغفَهُ إذا رماهُ فأصابَ ذلك الموضعِ منه كما يقالُ كَبَدَهُ إذا أصابَ كَبدَهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { حُبّاً } نُصِبَ على التمييزِ كأنَّهُنَّ قُلنَ : أصابَ حبُّه وسطَ قلبها وسويداءَ قلبها . وقرأ أبو رجاءٍ والشعبي : بالعين المهملة ، ومعناه ذهبَ بها الحبُّ كلَّ مذهبٍ ، مشتقٌ من شِعَافِ الجبالِ أي رُؤوسها . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ؛ أي في الخطأ البيِّن . قال ابنُ عبَّاس : ( فَجَعَلْنَ يُفْشِينَ هَذا فِي الْمَدِينَةِ ، فَبَلَغَ ذلِكَ زُلَيْخَا ) فهو قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } ؛ أي فلما سَمعت بكلامَ هؤلاء النِّسوة وذمِّهن لها أرسَلت إليهنَّ ، فدَعَتهُنَّ لوليمةٍ أعدَّتْها لهن ، ويقال : إنما سُمي قولُ النسوةِ مَكْراً ؛ لأنَّها كانت أطلَعَتْهُنَّ واستكتَمَتْهن فأَفْشَيْنَ سِرَّها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } ؛ أي أصلَحت وهيَّأَتْ لهن أمكنةً يقعُدن عليها ، ووسائدَ يتَّكِينَ عليها ، وفي قراءة ابنِ عباس ( مُتْكاً ) بالتخفيف بغير همز ، قال : ( وَالْمُتْكُ : الأَتْرُجّ ) . قال وهبُ : ( دَعَتْ أرْبَعِينَ امْرأَةً ، وَأعَدَّتْ لَهُنَّ أتْرُجاً وَبطِّيخاً ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } ؛ لتقطعَ بها الفواكِهَ والأُترج على ما جَرت به العادةُ ، ويقال : كانت وضَعت لَهُنَّ خُبزاً ولَحماً وهذه الفواكه ، { وَقَالَتِ } ؛ ليوسُف : { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } ؛ وذلك أنَها كانت قد أجْلَسَتهُ في مجلسٍ غير الذي كُنَّ جلسنَ فيه . قال عكرمةُ : ( وَكَانَ فَضْلُ يُوسُفَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى النُّجُومِ ) . وعن أبي سعيدٍ الخدري قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي فَرَأيْتُ يُوسُفَ عليه السلام ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذا ؟ فَقَالَ : يُوسُفَ " قَالَ : كَيْفَ رَأيْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " " ورُوي أن يوسف عليه السلام كان إذا مشَى في أزِقَّة مصرَ يُرى نورُ وجههِ على الجِدَارَاتِ كما ترى نورَ الشمسِ والماء على الجدار . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فخرجَ عليهن ، { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } ؛ أي عَظُمَ عندَهُن ، وَ ؛ بلغَ من شَغْلِ قُلوبهن برؤيته ما ، { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ؛ بالسَّكاكين . قال قتادةُ : ( قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ حَتَّى ألْقَيْنَهَا وَهُنَّ لاَ يَشْعُرْنَ ) ، ويقالُ : معنى ( أكْبَرْنَهُ ) أي حِضْنَ ، ويقال : معنى ( أكْبَرْنَ ) آمَنَّ . قِيْلَ : أنَّهن كُنَّ يقَطِّعن أيديهن وهن يحسَبن أنَّهن يُقَطِّعنَ الأتْرَجُ ، ولم يجدن الألَمَ لاشتغالِ قُلوبهن برؤيةِ يوسف . قال وهب : ( وَبَلَغَنِي أنَّ سَبْعاً مِنَ الأرْبَعِينَ مِمَّنْ كُنَّ فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ وَجَدْنَ بيُوسُفَ عليه السلام ) . وقولهُ تعالى : { وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً } ؛ أي قُلن معاذ اللهِ أن يكون هذا آدَمِيّاً ، { إِنْ هَـٰذَآ } ، بل هو ، { إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ؛ من السَّماء ، فشبَّهنَهُ بالْمَلَكِ وهُنَّ لا يَرَينَ الْمَلَكَ ، ولكنَّ الناسَ إذا وصَفُوا بالْحُسْنِ شَبَّهوا بالْمَلَكِ . ومعنى { حَاشَ للَّهِ } أي تَنْزِيهاً للهِ ، وفي قراءةِ الحسن ( إنْ هَذا إلاَّ مَلِكٌ كَرِيمٌ ) بكسر اللامِ ، ويُقرأ ( مَا هَذا بشِرِي ) أي بعبدٍ مُشترى ، وليست هذه القراءة بشيء . قَوْلُهُ تَعالَى : { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } ؛ أي قالت زُلَيخا : فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيْهِ فِي حُبهِ وشغَفي به ، وذا إشارةٌ إلى يوسُفَ ولكن مخاطبة لهن ، ثم أقَرَّت لهن فقالت : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } أي دَعَوتُهُ إلى مُرادِي فامتنعَ بالعفَّة ، { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ } ما أدعوهُ إليه ، { لَيُسْجَنَنَّ } في السِّجنِ ، { وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } ؛ أي الأذِلاَّء فيه مع السُّرَّاق ، وجعلت تقول هذا القول منها قبالته وهو جالسٌ يسمع . قال ابنُ عبَّاس : ( فَلَمَّا قَالَتْ زُلَيْخَا هَذا الْقَوْلَ ، قَالَ هَؤُلاَءِ النِّسْوَةُ لِيُوسُفَ : أطِعْ مَوْلاَتَكَ ) فَقَالَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } أي قالَ يوسفُ : يارب نزولُ السجنِ أحبُّ إلَيَّ مما يَدعُونَني إليه من قبيحِ الفعل ، والسِّجنُ أسهلُ عليَّ من المعصيةِ . ومَن قرأ ( السَّجْنُ ) بفتح السين فهو المصدرُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } ؛ أي وإلاَّ تَلْطُفْ بي بما يصرِفُ عنِّي كيدَهُن أمِلْ إليهنَّ بهَوَاي ، { وَأَكُن مِّنَ } ؛ بمنْزِلَة ، { ٱلْجَاهِلِينَ } ؛ في فِعْلي . وفي هذا دليلٌ على أنَّ النسوةَ طلَبن منه مثلَ ما طلبَتِ امرأةُ العزيزِ ، فإنه روي أنَّهن لَمَّا رأينَ يوسف استأذنَّ امرأةَ العزيزِ أن تَخْلُو كلُّ واحدةٍ منهن بهِ ، وتدعوهُ إلى امرأة العزيزِ وإلى طاعَتِها ، فلمَّا خَلَونَ به دَعَتْهُ كلُّ واحدة منهن إلى نفسِها . قَوْلُهُ تَعَاَلَى : { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } ؛ أي فأجابَهُ ربَّه في دعائهِ فصرفَ عنه كيدَهن ، وعصَمَهُ من الفواحشِ ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } لدعاءِ عباده ، العليمُ بضمائرِهم ونياتِهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } أي بَدَا للعزيزِ وأصحابه من بعدِ ما رَأوا العلاماتِ من شقِّ القميصِ وقطع الأيدِي وقضاء ابن عمِّها عليها ، أن يحبسَهُ إلى مدَّة حتى تنقطعَ مقالةُ الناسِ ، ويأتِي على هذا الحديثِ مدَّة ، فحبَسهُ بعد ظهور عُذرهِ خمسَ سنين .