Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 36-40)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ } ؛ رُوي : أنه دخلَ على يوسُفَ بعدَ دخولهِ الخمسَ سنين عَبْدَانِ للملكِ ، وهو صاحبُ شرابهِ وصاحبُ طعامهِ ، غَضِبَ عليهما الملكُ ، واتَّهَمَ صاحبَ الطعامِ أنه يريدُ أن يَسُمَّهُ ، وصاحبَ الشَّراب بأنه مَالأَهُ على ذلك ، وذلك أنَّ أعداءَ الملكِ أرادوا الْمَكْرَ بالملكِ واغتيالهِ ، فطَلَبوا هذين وضَمِنُوا لهما مَالاً ليَسُمَّا طعامَ الملكِ وشرابَهُ ، فأبَى السَّاقِي وقَبلَ الخبَّازُ الرِّشْوَةَ فسَمَّ الطعامَ . فَلَمَّا حضرَ وقتهُ قال السَّاقِي : أيَّها الملكُ لا تأكُلْ فإنه مسمومٌ ، وقال الخبازُ : أيُّها الملكُ لا تشرب فإنه مسمومٌ . فقال الملكُ للسَّاقي : اشْرَبْ ، فَشَرِبَ فلم يضُرَّهُ ، وقال للخباز : كُلْ من طَعامِكَ فأَبَى ، فجرَّبَهُ الملكُ على دابَّة فأكلت من الطعامِ فمَاتَتْ ، فأمرَ الملكُ بحبسِهما . وكان يوسفُ قد قالَ لأهلِ السِّجن لَمَّا دخله : إنِّي أعَبرُ الأحلامَ ، فقال أحدُ هَذين القيمين لصاحبهِ : هلُمَّ فلنُجَرِّبْ هذا العبدَ العَبْرَانِيَّ برُؤيا له ، فسأَلاهُ من غيرِ أن يكونا رأيا شيئاً . قال ابنُ مسعود : ( مَا رَأيَا شَيْئاً إنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا عَلَيْهِ لِيُجَرِّبَا عِلْمَهُ ) . وقال قومٌ : كانَا رأيَاها على حقيقةٍ ويقين ، فقالَ السَّاقي : أيُّها العالِمُ إنِّي رأيتُ كأنِّي في بُستانٍ وإذا بكُرَةٍ عليها ثلاثةُ عناقيد فجنَيُتها ، وكأنَّ كأسَ الملكِ بيدي فعصَرتُهم فيه وسقَيتُ الملكَ فشَرِبَهُ ، وقال الخبَّازُ : إنِّي رأيتُ كأنَّ فوقَ رأسي ثلاثَ سِلاَلٍ من خُبْزٍ وألوانِ الأطعمَةِ فإذا سِبَاعُ الطيرِ تَنْهَشُه . وإنما سُمي العنبُ باسمِ الخمر لأن الشيءَ يُسمَّى بما يؤُولُ إليهِ ، وقال الضحَّاك : ( الْخَمْرُ هُوَ الْعِنَبُ ) بَعَيْنِهِ بلُغَةِ عُمَانَ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ( إنِّي أرَانِي أعْصِرُ عِنَباً ) . قال الأصمعيُّ : ( أخْبَرَنِي الْمُعْتَزُّ أنَّهُ لَقِيَ أعْرَابياً مَعَهُ عِنَبٌ ، فَقَالَ : مَا مَعَكَ ؟ قَالَ : خَمْرٌ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } ؛ أي أخبرنا بتفسيرهِ وتعبيره ، وما يؤولُ إليه أمرُ هذه الرُّؤيا ، { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ؛ أي العالِمين الذين أحسَنُوا العلمَ . وَقِيْلَ : من الْمُحسِنين إلينا إنْ قلتَ ذلك وفسَّرتَ رُؤيانا . وعن الضحَّاك في قولهِ تعالى : { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } قال : ( كَانَ إحْسَانُهُ إذا مَرِضَ رَجُلٌ فِي السِّجْنِ قَامَ عَلَيْهِ ، وَإذا أضَاقَ وَسَّعَ عَلَيْهِ ، وَإذا احْتَاجَ سَأَلَ لَهُ ) . وقيل : إحسَانهُ أنه كان يُداوِي مَريضَهم ، ويُعزِّي حَزينَهم . قال : ( فَكَرِهَ يُوسُفُ أنْ يُعَبرَ لَهُمَا لَمَا عَلِمَ فِيْهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى أحَدِهِمْ ، فَأَعْرَضَ عَنْ سَؤَالِهِمَا وَأخَذ فِي غَيْرِهِ ) و { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } ؛ أي لا يَأتِكُما طعامٌ تَطعَمَانِهِ وتأكُلانهِ إلاّ نبَّأتُكما بتفسيرهِ وَلَونهِ أيَّ طعامٍ أكلتمُوهُ ، قالاَ له : هذا مِن فعلِ الكَهَنةِ ، قال : ما أنَا بَكاهنٍ وإنما : { ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ } ؛ أي شَريعَةَ آبَائي ، { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } ؛ وباقِي الآيةِ ظاهرُ المعنى . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } ؛ وذلك أنَّ يوسف عليه السلام رأى أهلَ السِّجن وبين أيدِيهم أصنامٌ يعبُدونَها فدعَاهم إلى الإسلامِ وألزَمَهم الحجَّةَ ، فقالَ لَهم : أربابٌ متفرِّقون شتَّى لا تضرُّ ولا تنفعُ خيرٌ أمِ اللهُ الواحد القهَّارُ الذي لا ثانِي له ؟ ثم بيَّن عجزَ الأصنامِ وضَعفَها فقال : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } ؛ آلِهة من غيرِ أن يكون لتلكَ التسميةِ حقيقةً ، { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي من حجَّة وبرهان ، { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي ما القضاءُ والأمر والنَّهيُ إلا للهِ ، { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } ؛ أي الذي أدعُوكم إليه هو الدِّينُ القائمُ الذي يرضاهُ لا عِوَجَ فيه ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .