Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 114-114)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } ؛ نزلت هذه الآية في ططوس بن استيسيانوس الرومي وأصحابهِ ؛ وذلك أنَّهم غَزَوا بني إسرائيل فقتلُوا مُقاتِليهم ؛ وسَبَوا ذراريهم ؛ وحرَقوا التوراةَ ؛ وخرَّبوا بيت المقدسِ وألقوا فيهِ الْجِيَفَ ؛ وذبَحوا فيه الخنازيرَ ، وكان خَرَاباً إلى أن بَنَاهُ المسلمونَ في أيام عمرَ رضي الله عنه . ولم يدخل بيتَ المقدس بعد عمارتِها رُومِيٌّ إلا خَائفاً مستخفِياً لو عُلِمَ به لقُتِلَ . وقال قتادة والسديُّ : ( نَزَلَتْ فِي بَخِتْنَصِّرْ وَأصْحَابهِ غَزَوا الْيَهُودَ وَخَرَّبوُا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَعانَهُمْ عَلَى ذلِكَ ططوس الرومِيُّ وأصحابُهُ النَّصَارَى مِنْ أهْلِ الرُّومِ ؛ وَذَلِكَ لِبُغْضِهِمُ الْيَهُودَ ) . إلاَّ أنَّ هَذَا يُشْبهُ الْغَلَطَ ، وَالأول أظهرُ ؛ لأنه لا خلافَ أنَّ بختنصِّر قبلَ مولد عيسى عليه السلام بدهرٍ طويل ، والنصارى إنَّما ينتمون إلى عيسى عليه السلام ، فكيف يكونون مع بختنصر ؟ ! ومعنى الآية : { وَمَنْ أَظْلَمُ } أي ومَن أكفرُ عتياً { مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ } يعني بيت المقدس ومَحَاريْبَهُ . وقوله : { أَن يُذْكَرَ } موضعُ { أن } نَصْبٌ على أنه مفعولٌ ثان ؛ لأن المنع يتعدى إلى مفعولين ، وإن شئتَ جعلته نصباً بنَزع الخافض ؛ أي بأن يذكر . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } ؛ وقال قتادةُ ومقاتل : ( لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أحَدٌ مِنَ النَّصَارَى إلاَّ مُتَنَكّراً مُسَارَقَةً لَوْ قُدِرَ عَلَيْهِ عُوقِبَ وَنُهِكَ ضَرْباً ) . قال السديُّ : ( اخْتَفَواْ بالْجِزْيَةِ ) . وقال أهل المعاني : هذا خبرٌ فيه معنى الأمرِ ، يقول : أجْهَضُوهُمْ بالجهادِ لئلا يدخلها أحد منهم إلا خائفاً من القتلِ والسبي . قوله تعالى : { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } ؛ أي عذابٌ وهوان ؛ وهو القتل والسبي إن كانوا حرباً ، والجزية إن لم يكونوا حرباً . قوله تعالى : { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ؛ وهو النار . قال عطاءُ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ ) . وأرادوا بالمساجدِ : المسجدِ الحرام ؛ منعوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن ذكرِ الله فيه وصدُّوهم عنه عام الحُديبية ، فعلى هذا سعيُهم في خرابها هو المنعُ عن ذكرِ الله فيها ؛ لأن عمارةَ المساجد بإقامةِ العبادات فيها . وقولهُ تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } يعني أهلَ مكَّة ، يقول الله : أفتحُها عليكم حتى يدخلُوها ، ويكونوا أولَى بها منهم ، فَفَتَحَهَا اللهُ عليهم ، وأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي : " ألاَ لاَ يَحُجَّنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ ؛ وَلاَ يَطُوفَنَّ بالْبَيْتِ عَرْيَانٌ " فمُنعوا منها ، فهذا خوفُهم . { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي ذلٌّ وقتلٌ ونفيٌ { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . وَقِيْلَ : المرادُ بالآية : جميعَ الكفار الذين مَنَعوا المسلمين من المساجد . وكل موضع يُتَعَبَّدُ فيه فهو مسجدٌ ، قال عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ : " جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا " فعلى هذا تقديرُ { وَمَنْ أَظْلَمُ } الآية مِمَّنْ خالفَ مِلَّةَ الإسلام ؛ { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } ؛ أي يظهرُ الإسلامُ على جميعِ الأديان ، ولا يدخلُ الكفارُ المساجد إلا خائفين بعد أن كانوا لا يتركوا المسلمين أن يدخلوا مساجدهم .