Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 158-158)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } ؛ أي من أعلامِ دينهِ ومتعبداته ؛ وأراد بالشعائر ها هنا مناسكَ الحج . وسببُ نزول هذه الآية : أنَّ أنسَ بن مالك رضي الله عنه قالَ : ( كُنَّا نَكْرَهُ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَفَّا وَالْمَرْوَةَ لأنَّهُمَا كَانَا مِنْ مَشَاعِرِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَرَكْنَاهُ فِي الإسْلاَمِ ، فأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ) . وقال ابنُ عباس : ( كَانَ عَلَى الصَّفَا صَنَمٌ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ : إسَافاً ، وَعَلَى الْمَرْوَةِ صَنَمٌ عَلَى صُورَةِ امْرَأةٍ يُقَالُ لَهَا : نَائِلَةً . وَإنَّمَا ذَكَّرُواْ الصَّفا لِتَذْكِيْرِ إسَافَ ، وَأنَّثُواْ الْمَرْوَةَ لِتَأْنِيْثِ نَائِلَةَ ؛ وَزَعَمَ أهْلُ الْكِتَاب أنَّهُمَا زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللهُ ، فَوَضَعَهُمَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُعْتَبَرَ بهِمَا ، فَلَمَّا طَالَتِ الْمُدَّةُ عُبدَا مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى . وَكَانَ أمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا طَافُواْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مَسَحُواْ الصَّنَمَيْن . فَلَمَّا جَاءَ الإسْلاَمُ كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا لأَجْلِ الصَّنَمَيْنِ ، وَقَالَتْ الأَنْصَارُ : إنَّ السَّعْيَ مِنْ أمْرِ الْجَاهِليَّةِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } ؛ أي فلا إثم في الطواف بينهما لمكان الأصنام عليهما ، فإن الطواف بينهما واجبٌ . والجُناح هو الإثم ؛ وأصله يتطوَّفُ وأدغمت التاء في الطاء . وقرأ أبو حيوة : ( يَطُوفُ بهِمَا ) مخففة . واختلفَ العلماءُ في السعي ؛ فقالَ أبو حنيفة وأصحابهُ والثوري : هو واجبٌ وينجبرُ بالدم . وقال مالكٌ والشافعي : هو فرضٌ ، ولا ينجبرُ بالدم كطوافِ الزيارة . وقال أنسُ بن مالك وابنُ الزبير ومجاهدٌ : هو تطوعٌ إن فعلَهُ فحسنٌ ، وإنْ تركَهُ لم يلزمهُ شيء ، واحتجُّوا بقراءةِ ابن عباس وابن سيرينَ : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطُوفَ بهِمَا ) . وكذلك هو في مصحفِ عبدالله ؛ ويقولهِ بعد ذلك : ( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ) وهذا دليلٌ على أنه تطوُّعٌ . والجوابُ عنه : أن ( لا ) صلةٌ كقوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] وقوله : { لاَ أُقْسِمُ } [ القيامة : 1 ] . وحُجة من أوجبهُ : أنَّ اللهَ سَماهما { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } . وأما قوله : { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } فمعناهُ من زاد على الطواف الواجب . وحجةُ من قال إنه فرضٌ : فتسميةُ الله له من شعائره . قلنا : هذا لا يدلُّ على الفريضة ؛ فإن الله سَمَّى المزدلفةَ المشعر الحرام ؛ ولا خلافَ أنَّ الدم يقومُ مقامه . وسُمِّي الصَّفَا ؛ لأنه جلسَ عليه صَفِيُّ اللهِ آدم عليه السلام . وسميت المروةُ ؛ لأنَّها جلست عليها امرأته حوَّاءُ ، وأصلُ السعيِ : أنَّ هاجرَ أُمَّ إسماعيلَ لَمَّا عطش ابنها إسماعيل وجاعَ صعدت على الصَّفا فقامت عليه تنظرُ ؛ هل تَرى من أحدٍ ؟ فلم ترَ أحداً ؛ فهبطت من الصَّفا حتى جاوزتِ الواديَ ورفعت طرفَ دِرعها ثم سعت سعيَ الإنسان المجهودِ حتى جاوزت الوادي ؛ ثم أتتِ المروةَ وقامت عليها ؛ هل ترى أحداً ؟ فلم ترَ أحداً ، فعلتْ ذلكَ سبع مراتٍ . قَوْلُهُ تَعالَى : { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } ؛ قرأ حمزةُ والكسائي : ( يَطَّوَّعْ ) بالياء وتشديد الطاء والجزم . وكذلك الثاني بمعنى يتطوع . وقرأ عبدالله : ( يَتَطَوَّعْ ) وقرأ الباقون : ( تَطَوَّعَ ) بالتاء ونصب العين . ومعنى الآية : ومن زاد في الطواف الواجب . وقال ابنُ زيد : ( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَاعْتَمَرَ ) . وقيل : من تطوع بالحج والعمرة بعد حجته الواجب . وقال الحسن : ( فِعْلُ غَيْرِِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَصَلاَةٍ وَنَوْعٍ مِنْ أنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا ) ؛ { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } ؛ أي مجاز له بعمله عليمٌ بنيَّته يشكرُ اليسير ويعطي الكثير ويغفر الكبير .