Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 188-188)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } ؛ أكلُ المالِ بالباطلِ على وجهين ؛ أحدُهما : أخذهُ على وجهِ الظُّلم بالغصب والخيانة وشهادةِ الزُّور واليمينِ الفاجرة ؛ والثانِي : أخذهُ من جهات محظورةٍ مع رضاءِ صاحبه ؛ مثل القمار وأجرةِ الغناء والملاهي والنائحةِ وثَمن الخمر والخنْزير والرِّبا وأشباهِ ذلك . ومعنى الآيةِ : ولا يأكلُ بعضكم أموالَ بعضٍ بالباطل ؛ أي من غيرِ الوجهِ الذي أباحهُ الله تعالى . وأصلُ الباطل : الشيءُ الذاهبُ الزائل ؛ يقال : بَطَلَ يَبْطُلُ بُطُولاً وَبُطْلاَناً ؛ إذا ذهبَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ } ؛ أي ولا تظهروا حجَّتكم للحكام بالباطل ، فيحكمُ الحاكم في الظاهرِ مع عِلْمِ المحكوم له أنه غير مستحقٍّ في الباطنِ . وأصلُ الإدلاء : هو إرسالهُ الدلوَ في البئر ؛ يقال : أدلَى دلوهُ ؛ إذا أرسَلها ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } [ يوسف : 19 ] ودلاَّها يَدْلُوهَا ؛ إذا أخرجَها ثم جعل كلَّ إلقاءِ قولٍ أو فعلٍ إدْلاءً ، ومنه قِيْلَ للمحتجِّ بدعواهُ : أدلَى بحجَّته ؛ لأن الحجَّةَ سببُ وصولهِ إلى دعواهُ كالدلوِ سببُ وصوله إلى الماءِ . واختلف النحاةُ في مَحَلِّ قولهِ : { وَتُدْلُواْ بِهَا } قال بعضُهم : الجزم لتَكَرُّر حرف النهي ؛ أي لا تأكلوا ولا تدلوا وكذلك هو في حرف أُبَي بإثبات ( لاَ ) . وقيل : هو نصبٌ على الظَّرفِ كقول الشاعرِ : @ لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيكَ إنْ فَعَلْتَ عَظِيمُ @@ وَقَِيْلَ : نُصِبَ بإضمار ( إنْ ) المخفَّفة . وقال الأخفشُ : ( نُصِبَ عَلَى الْجَوَاب بالْوَاو ) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ؛ أي لتأكلوا طائفةً من أموالِ الناس بالظلم والجور وأنتم تعلمون أنكم مبطلونَ في دعواكم . قال ابنُ عباس : ( هَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيْهِ بَيِّنَةٌ ؛ فَيَجْحَدُ الْمَالَ وَيُخَاصِمُهُمْ فِيْهِ إلَى الْحُكَّامِ ؛ وَهُوَ يَعْرِفُ أنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ وَيَعْلَمُ أنَّهُ إثْمٌ أكْلُ حَرَامٍ ) . وقال مجاهدُ : ( مَعْنَى الآيَةِ : لاَ تُخَاصِمْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ ) . وقال الحسنُ : ( هُوَ أنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى صَاحِبهِ حَقٌّ ؛ فَإذَا طَالَبَهُ بهِ دَعَاهُ إلَى الْحَاكِمِ ؛ فَيَحْلِفُ لَهُ وَيَذْهَبُ بحَقِّهِ ) . وقال الكلبيُّ : ( هُوَ أنْ يُقِيْمَ شَهَادَةَ الزُّور ) . وقال شُريح لبعض الخصومِ : ( إنِّي أقْضِي لَكَ وَأنَا أظُنُّكَ ظَالِماً ؛ وَلاَ يَسَعُنِي إلاَّ أنْ أقْضِيَ بمَا يَحْضُرُنِي مِنَ الْبَيِّنَةِ ؛ وَإنَّ قَضَائِي لاَ يُحِلُّ لَكَ حَرَاماً ) . وعن أبي هريرةَ ؛ قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بشَيْءٍ مِنْ مَالِ أخِيْهِ فَإنَّمَا أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ " .