Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 199-199)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجلَّ : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ؛ قال عامَّةُ المفسرين : كانت قريشُ وحلفاؤها ومن دَانَ بدِينها وهم الْحُمُسُ لا يخرجونَ من الْحَرَمِ إلى عرفات ؛ وكانوا يقفونَ بالمزدلفةِ يقولون : نحن أهلُ اللهِ وسُكَّانُ حَرَمِهِ ؛ فلا يخلفُ الحرمَ ولا يخرج منه فلسنا كسائرِ الناسِ ، كانوا يتعظَّمون أن يقِفُوا مع سائرِ العرب بعَرفات . ويقول بعضهُم لبعض : لا تعظِّموا إلا الحرمَ ، فإنكم إنْ عظَّمتم غيرَ الحرم تَهاون الناسُ بحَرَمِكُمْ ، فقِفُوا بجَمْعٍ ، فإذا أفاضَ الناسُ من عرفات أفاضُوا من الْمَشْعَرِ وهو المزدلفةُ . فأمرهمُ الله أن يقِفُوا بعرفاتَ ويَفِيضُوا منها إلى المزدلفة مع سائرِ الناسِ فيكونَ المرادُ بالإفاضةِ في هذه الآية على هذا القولِ : الإفاضةَ من عَرفاتٍ . وكان سائرُ الناس غير الْحُمُسِ يقفون بعرفات ، فأنزلَ الله هذه الآية وأمرَ قُريشاً وغيرَهم من الْحُمُسِ أن يقِفُوا بعرفةَ حيث يقفُ الناس ، ويدفَعُوا منها معهم . وإنَّما ذكَرَ الناسَ وأرادَ قريشاً بالإفاضةِ من حيث أفاضَ الناسُ ؛ لأن قريشاً ومَن دَان بدِينها كانوا قليلاً بالإفاضةِ إلى سائرِ الناس . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } على هذا التأويلِ راجعٌ إلى أوَّلِ الكلام ، كأنهُ " قال " { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } [ البقرة : 197 ] { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ } [ البقرة : 198 ] الْمَسْجِدِ { ٱلْحَرَامِ } . فيكون في الآيةِ تقديمٌ وتأخير . ويكون الأمرُ بالإفاضةِ عطفاً على الإحرامِ دون الإفاضةِ من عَرفات ؛ فكأنه قال : أحرِموا كما أمركم الله { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } . وعلى هذا التأويلِ جمهورُ المفسرين . وقال الضحَّاك : ( مَعْنَى الآيَةِ : ثُمَّ أفِيْضُواْ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ الَّتِي تَفِيْضُ مِنْهَا قُرَيْشُ ) . وإنَّما ذهبَ الضحاكُ إلى أن المرادَ بالإفاضة في هذه الآيةِ الإفاضةُ من المزدلفة ؛ لأنَّ الله تعالى عطفَ هذه الآيةَ على الإفاضةِ من عَرفات ؛ فعُلِمَ أن المرادَ بهذه الإفاضةِ الإفاضةُ من المزدلفة ؛ إلاَّ أن عامَّة المفسرين على الوجهِ الأول . والمرادُ بقوله : { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } هم العربُ كلهم غيرُ الْحُمُسِ ، وقال الكلبيُّ : ( هُمْ أهْلُ الْيَمَنِ ) . وقال الضحَّاك : ( النَّاسُ هُنَا إبْرَاهِيْمُ عليه السلام وَحْدَهُ ؛ لأَنَّهُ كَانَ الإمَامَ الْمُقْتَدَى بهِ ، فَسَمَّاهُ اللهُ نَاساً كَمَا قالَ اللهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [ النحل : 120 ] وَقَدْ يُسَمَّى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ باسْمِ الناسِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى : { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } [ النساء : 54 ] يَعْنِي مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم ) . وكذلك قولهُ { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } [ آل عمران : 173 ] يعني نعيمَ بن مَسْعُودٍ الأشجعي { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [ آل عمران : 173 ] يعني أبا سُفيان . وإنَّما يقالُ هذا لِمن هو نَدْبٌ يُقتدَى به أو يكون لسانَ قومهِ وإمامَهم . وقال الزهريُّ : ( النَّاسُ هَا هُنَا آدَمُ عليه السلام ) ودليلهُ قراءة ابنِ مسعود : ( ثُمَّ أفِيضُُوا مِنْ حَيْثُ أفَاضَ النَّاسُ يَعْنِي آدَمُ ) . وقال : ( لأَنَّهُ نَسِيَ مَا عُهِدَ إلَيْهِ ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي استغفِرُوا اللهَ هناكَ مِن ذنوبكم ؛ أي في مواطنِ الحجِّ ، فإن الدعاءَ في تلك المواطنِ جديرٌ بالإجابةِ . وقال بعضُهم : هذا خطابٌ للحُمُس أمرَهُم اللهُ بالاستغفار مما كان منهم في الجاهليَّةِ من مُخالفَةِ أمرهِ بتركِ الوقوف بعرفات . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لذنوب عباده إذا تابُوا ، { رَّحِيمٌ } بهم بعدَ التوبة ويقال : معناهُ : إنَّ اللهَ غفور رحيمٌ للحاج . وعن أبي هريرةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " الْحَاجُّ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ تَعَالَى ، إنْ دَعَواْ أجَابَهُمْ ، وَإنْ اسْتَغْفَرُواْ غَفَرَ لَهُمْ " وقالَ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ " . وقد اختلفَ العلماءُ في الوقوف بالمزدلفةِ ، فذهبَ أكثرُهم إلى أنه ليس برُكْنٍ على ما يُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم " إنَّهُ قَدَّمَ ضََعَفَةَ أهْلِهِ بلَيْلٍ " وفي بعض الأخبار : " أنَّهُ قَدَّمَ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِب بلَيْلٍ ، وَجَعَلَ يُلَطِّخُهُمْ بيَدِهِ وَيَقُولُ : " أيْ بَنِيَّ ، لاَ تَرْمُواْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلاَّ مُصْبحِيْنَ " فلو كان الوقوفُ بها فرضاً لَمَا رخَّصَ في تركهِ للضعيف كالوقوفِ بعرفة .