Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 210-210)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } ؛ افترقَ الناسُ في تفسير هذه الآية على أربعةِ أقوالٍ ؛ فرقةٌ منهم يتأولونَها على ظاهرها ويَصِفُونَ الله بالإيتاءِ الذي هو زوالٌ من مكان إلى مكانٍ . وهذا القولُ غير مُرْضٍ تعالى اللهُ عنه . وفرقةٌ يفسرون الإتيانَ تفسيراً مجملاً لا يعدون ظاهر اللفظ ، يقولونَ : يأتِي كيفَ شاء بلا كيفٍ . وهذا غير مُرْضٍ أيضاً . وأما الفرقتان الأُخريان من أهل السُّنَّةِ والجماعة ؛ فإحداهما لا يفسِّرون هذه الآية ويقولون : نُؤْمِنُ بظاهِرها ونسكتُ عن الخوضِ في معناها ؛ لِما فيه من الاشتباهِ والتشبيه . وقال الكلبيُّ : ( هَذَا مِنَ الْمَكْتُومِ الَّذِي لاَ يُفَسَّرُ ) . وقال ابنُ عباس : ( نُؤْمِنُ بهَا وَلاَ نُفَسِّرُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمُتَشَابهَاتِ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 7 ] ) . وأمَّا الفرقةُ الرابعة فيفسرونَها ويردُّون مثلَ هذه المتشابهات إلى الآياتِ المحكماتِ ويقولون : معناها ما ينظرُ الكفارُ بعد قيامِ الحجةِ عليهم ، إلا أنْ يأتيَهم أمرُ اللهِ وهو الحسابُ ، أو أن يأتيَهم عذابُ اللهِ ؛ لأنَّ الإتيانَ لفظٌ مُشْتَبهٌ يحتملُ حقيقةَ الإتيانِ ويحتمل إتيانَ الأمرِ ، وقد قامتِ الدلالةُ على أنَّ اللهَ تعالى لا يجوزُ عليه الإتيانُ والمجيء والانتقالُ والمزاولةُ ؛ لأنَّ ذلك من صفاتِ الأجسام وَالْمُحْدَثِيْنَ ، واللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن ذلكَ ، قال عليٌّ رضي الله عنه : ( مَنْ زَعَمَ أنَّ اللهَ فِي شَيْءٍ أوْ مِنْ شَيْءٍ أوْ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ ألْحَدَ ؛ لأنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ لَكَانَ مُحْدَثاً ؛ وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ لَكَانَ مَحْصُوراً ؛ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ لَكَانَ مَحْمُولاً ) . وإذا كان لفظُ الإتيان مشتبهاً وَجَبَ رَدُّهُ إلى الْمُحْكَمِ نحوُ قولهِ تعالى في سورةِ النحل : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [ النحل : 33 ] . وقال بعضُهم : معناه : هل ينظرونَ إلا أن يأتيَهم الله بظُلَلٍ من الغمامِ وبالملائكةِ أو معَ الملائكة ، فتكونُ في معنى الباء ، فعلى هذا التأويل زالَ الإشكالُ وسَهُلَ الأمرُ . وأما ذكرُ الظُّلَّةِ في الآية ، فإنَّ الْهَوْلَ إذا بَدَا من الظُّلة المظلمةِ من الحساب كان أعظمَ وأشدَّ ، يدلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى في قصة شُعيب : { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الشعراء : 189 ] . وأما قوله : { وَالْمَلاَئِكَةِ } قرأ أبو جعفر بخفضِ ( الْمَلاَئِكَةِ ) عطفاً على الغمامِ ؛ أي ( والظُّلَلِ ) مِن الملائكةِ ؛ أي جماعةُ من الملائكة . قوله { وَالْمَلاَئِكَةُ } وسَمَّاهم الله ظُلَلاً ؛ لأن الملائكةَ لا تسيرُ بالأقدام ولكنها تطيرُ بالأجنحة كما تطيرُ الطيرُ . ومن قرأ : ( وَالْمَلاَئِكَةُ ) بالرفع ؛ وهي قراءةُ الجمهور والإجماع فتقديره : وتأتيهم الملائكةُ في ظُلَلٍ ، يدلُّ عليه قراءة أُبَي وعبدِالله : ( هَلْ يَنظُرُونَ إلا أنْ يَأْتِيْهُمُ اللهُ وَالْمَلاَئِكةُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ ) . والغمامُ : هو السَّحابُ الرقيقُ الأبيض ، سُمِّيَ بذلك لأنه يَغُمُّ ؛ أي يَسْتِرُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي المعنى : الحكمُ بإنزال الفريقين منازلهم من الجنة والنار . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } ؛ أي عواقب الأمور ومصير الخلائق إلى الله تعالى ، ومن قرأ ( تُرْجَعُ ) برفع التاء فعلى ما لم يسم فاعله ، ومن قرأ بنصب التاء فمعناه : وإلى الله تصير الأمور . ومن قرأ بالياء ؛ فلأن تأنيث الأمور غيرُ حقيقيٍّ .