Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 219-219)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } ؛ قال ابنُ عباسٍ : ( كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي بُدُوِّ الإِسْلاَمِ ، وَهِيَ لَهُمْ حَلاَلٌ ، وَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَقْتَ الصَّلاَةِ : ألاَ مَنْ كَانَ سَكْرَاناً فَلاَ يَحْضُرْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَمَاعَةِ ؛ تَعْظِيْماً لِلْجَمَاعَةِ وَتَوْقِيراً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأنَّ عُمَرَ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : بَيِّنْ لَنَا أمْرَ الْخَمْرِ ، فَإنَّهَا مُهْلِكَةٌ لِلْمَالِ مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } . وأما الْمَيْسِرُ فقد كان جماعةٌ من العرب يجتمعون فيشترون جَزُوراً ؛ ثم يجعلون لكلِّ واحد منهم سهماً ، ثم يقترعونَ عليها ، فمن خرجَ سهمهُ بَرِئَ من ثَمنها وأخذ نصيبه من الجزور وبقي آخرهم عليه ثَمن الجزور كلَّه ولا يذوقُ من لحمها شيئاً ، فتقتسمُ أصحابه نصيبَه ، وربما كانوا يتصدقونَ بذلك على الفقراءِ ، فسُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزلَ الله هذه الآية . والْمَيْسِرُ : هو الْقِمَارُ ، ويقال للقمار : مَيْسِرٌ ، والمقامِرُ اليَاسِرُ ، وقال مقاتلُ : ( سُمِّيَ مَيْسِراً لأَنَّهُمْ كَانُواْ يَقُولُونَ : يَسِّرُواْ لَنَا ثَمَنَ الْجَزُور ) ؛ وذلك أنَّ أهلَ الثروةِ من العرب كانوا يشربون جزوراً فينحرونَها ، ويجزِّئونَها أجزاءً ، قال ابنُ عمر : ( عَشَرَةُ أجْزَاءٍ ) وقال الأصمعيُّ : ( ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرِيْنَ جُزْءاً ) ثم يسهمون عليها بعشرةِ أقداحٍ ويقال لها الأزلامُ والأقلامُ ، سبعةٌ منها لها أنصب ؛ وهي القذولة نصيبٌ واحد ، والتوأم له نصيبان ، والرقيبُ وله ثلاثة ، والجليسُ وله أربعة ، والنامسُ وله خمسة ، والمسيلُ وله ستةُ ، والمعلي وله سبعة . وثلاثةٌ منها لا أنصب لها ، وهي المسح والسفيحُ والوغد ، ثم يجعلون القداحَ في خريطةٍ سُمِّيت الربابة ، قال أبو ذؤيبُ : @ وَكَأنَّهُنَّ ربَابَةٌ وَكَأنَّهُ يَسَرٌ يَفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ @@ ويضعونَ الرِّبابة على يدِ واحد عََدْلٍ عندَهم ويسمى الْمُجِيلُ والْمُفِيضُ ، ثم يُجِيْلُها ويُخْرِجُ منها قدحاً باسمِ واحد منهم ، فأيُّّهم خرجَ سهمهُ أخذ نصيبه على قدر ما يخرج ، فإن كان خرجَ له سهم من هذه الثلاثةِ التي لا أنصب لها ، اختلفوا فيه ؛ قال بعضُهم : كان لا يأخذُ شيئاً ويغرم ثَمن الجزور كلَّه ، وقال بعضهم : لا يأخذُ شيئاً ولا يغرمُ ، ويكون ذلك القدحُ لغواً فيُعَادُ سهم ثانياً ، فهؤلاء اليَاسِرُونَ ، ثم يدفعون ذلك الجزورَ إلى الفقراءِ ولا يأكلون منه شيئاً ، وكانوا يفتخرونَ بذلك ويذمُّون من لم يفعل منهم ويسمونه الْبَرَمِ . فهذا أصلُ القِمار التي كانت العرب تفعلهُ ، وإنَّما عَنَى اللهُ تعالى بالْمَيْسِرِ في هذه الآية أنواعَ القمار كلَّها ، وقال طاووسُ ومجاهدُ وعطاء : ( كُلُّ شَيْءٍ فِيْهِ قِمَارٌ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ ، حَتَّى لَعِبَ الصِّبْيَانِ الصِّغَار بالْجَوْز وَالْكِعَاب ) . وعن عليٍّ رضي الله عنه قال : ( النَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ مِنَ الْمَيْسِرِ ) . قال القاسمُ : ( كُلُّ شَيْءٍ ألْهَاكَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ ) . قال ابنُ عباس : ( فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَرَكَ بَعْضُ النَّاسِ الْخَمْرَ ، وَقَالُواْ : لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيْمَا فِيْهِ إثْمٌ كَبيْرٌ . وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُهُمْ وَقَالُواْ : نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا وَنَتْرُكُ إثْمَهَا . وَكَانُواْ عَلَى ذلِكَ حَتَّى أصَابَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ خَمْراً فَأَنْشَا مِنْهَا ، فَحََضَرَتِ الصَّلاَةُ فَقَامَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ، فَقَرَأ { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا ، قَالَ : أعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَأنْتُمُ عَابدُونَ مَا أعْبُدُ . فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [ النساء : 43 ] ) . وكانوا يشربونَها قبلَ الصلاة ؛ وكانوا يتناشدون الأشعارَ في شربها ويفتخرون ، فقال عمرُ : ( اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا بَيَاناً شَافِياً فِي الْخَمْرِ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [ المائدة : 90 ] إلَى قَوْلِهِ : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] ؛ فَقَالَ عُمَرُ : انْتَهَيْنَا يَا رَب ) فأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإراقةِ الخمر حتى أمر بكسر الدِّنَانِ تغليظاً وتشديداً . ومعنى الآية : يسألونك يا محمدُُ عن الخمرِ والميسر ، قل فيهما إثمٌ عظيم ؛ لأن الخمرَ يوقعُ العداوة والبغضاءَ وَيَحُولُ بين الإنسان وبين عقلهِ الذي يعرِفُ به ما يجب عليه لخالقهِ . والقمارُ يورث العداوة أيضاً ؛ فإنَّ المقمورَ إذا رأى غيره قد فازَ بمالِهِ من غير منفعةٍ رجعت إليه ؛ بَغَضَهُ وعاداه . وَقِيْلَ : معنى قولهِ تعالى : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } أي وزْرٌ عظيم من المشاتَمَةِ والمخاصمة وقولِ الفُحْشِ والزور وزوال العقلِ ، والمنعِ من الصلاة ، واستحلالِ مال الغير بغيرِ حقٍّ . وقرأ أهلُ الكوفة إلا عاصماً : ( قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَثِيرٌ ) بالثَّاءِ ؛ وقرأ الباقون بالباء ؛ واختارهُ أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لقوله تعالى : { وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } ولقولهِ تعالى : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } فالمنفعةُ في الخمر اللذَّةُ في شربها والتجارةُ فيها قبلَ التحريم . والمنفعةُ في الْمَيْسِرِ : مصيرُ الشيء الذي يصيبهُ من المال في القمار بلا كَدٍّ ولا تعبٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } قال المفسرون : إثمُ الخمر : هو أنه يشربُ ويَسْكَرُ ويؤذي الناسَ ، وإثمُ الميسرِ : هو أن يقامرَ فيمنع الحقَّ ويظلم . وقال الربيع : ( الْمَنَافِعُ قَبْلَ التَّحْرِيْمِ ؛ وَالإثْمَ بَعْدَ التَّحْرِيْمِ ) . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } ؛ معناه : يسألونكَ أيَّ شيءٍ يتصدَّقون به ؟ قل الفضلَ وما يسهلُ عليك إنفاقهُ ؛ وهذا نَزَلَ جواباً عن قول عمرِو بن الجموح : بمَاذَا نُنْفِقُ ؟ وفي الآية المتقدمةِ جوابٌ عن قولهِ : لِمَنْ نَتَصَدَّقُ ؟ . واختلفوا في معنى قولهِ تعالى : { قُلِ ٱلْعَفْوَ } ؛ فقالَ ابنُ عمر وقتادةُ وعطاء والسدي : ( هُوَ مَا فَضَّلَهُ مِنَ الْمَالِ عَنِ الْعِيَالِ ) . وهو روايةٌ عن ابن عباس . وقال الحسنُ : ( هُوَ أنْ لاَ يَفْنَى مَالُكَ فِي النَّفَقَةِ ، ثُمَّ تَقْعُدَ تَسْأَلُ النَّاسَ ) . وقال مجاهدٌ : ( هُوَ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنَى ) . وقال الضحَّاك : ( هَوَ قَدْرُ الطَّاقَةِ ) . وقال الربيعُ : ( هُوَ الْعَفْوُ ، هُوَ الطَّيِّبُ ؛ كَأَنَّهُ قَالَ : أفْضَلُ مَالِكَ وَأطْيَبُهُ ) . وأصلُ العَفْوِ في اللغة : الزِّيَادَةُ وَالْكَثْرَةُ . قال الله تعالى : { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } [ الأعراف : 95 ] أي كثُروا . وقال صلى الله عليه وسلم : " أعْفُوا اللِّحَى " والعفوُ أيضاً : ما تأخذهُ وتعطيهِ سَهْلاً بلا تَكَلُّفٍ من قولهم : خُذْ ما أعْفَاكَ ؛ أي ما أتاكَ سهلاً من غير إكراهٍ . ونظيرهُ هذه الآية مِن الأخبار ما روي : " أنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عِنْدِي دِيْنَارٌ ، قَالَ : " أنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ " قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : " أنْفِقْهُ عَلَى أهْلِكَ " ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : " أنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ " ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : " أنْفِقْهُ عَلَى وَالِدَيْكَ " ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : " أنْفِقْهُ عَلَى فَرَسِكَ " ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : " أنْفِقْهُ عَلَى قَرَابَتِكَ " ، قالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : " أنْتَ أبْصَرُ بهِ " " . وعن جابرٍ قال : " أتَى رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ببَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أصَابَهَا فِي بَعْضِ الْمَعَادِنِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، خُذْ هَذِهِ صَدَقَةً فَوَاللهِ مَا أصْبَحْتُ أمْلُكُ غَيْرَهَا ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ . فَأَتَى مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ أتَاهُ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : مُغْضِباً : " هَاتِهَا " فَأَخَذَهَا مِنْهُ فَحَذَفَهُ بهَا لَوْ أصََابَهُ لَشَجَّهُ أوْ عَقَرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : " يَجِيْءُ أحَدُكُمْ بمَالِهِ كُلِّهِ لِيَتَصَدَّقَ بهِ وَيَجْلِسُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ ، أفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنَى ، وَلْيَبْدَأ أحَدُكُمْ بمَنْ يَعُولُ " " . قال الكلبيُّ : ( كَانَ الرَّجُلُ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ إنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الزَّرْعِ وَالنَّخِيْلِ ؛ نَظَرَ إلَى مَا يَكْفِيْهِ وَعِيَالِهِ سَنَةً ؛ وَيَتَصَدَّقُ بمَا فَضَلَ . وَإنْ كَانَ مِنْ أهْلِ التِّجَارَةِ أمْسَكَ رَأسَ مَالِهِ وَمِنَ الرِّبْحِ مَا يَتَقَوَّتُ بهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ ؛ وَيَتَصَدَّقُ بَما فَضَلَ . وَإنْ كَانَ مِمَّنْْ يَعْمَلُ بيَدِهِ ؛ أمْسَكَ مَا يَكْفِيْهِ وَعِيَالِهِ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بسَائِرِهِ . وَكَانُواْ عَلَى ذَلِكَ إلَى أنْ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ مُقَدَّرَةً مَعْلُومَةً ) . واختلفوا في قراءةِ قوله : { قُلِ ٱلْعَفْوَ } فقرأ الحسنُ وقتادةُ وأبو عمرو : ( قُلِ الْعَفْوُ ) رفعاً على معنى الذي ينفقونَهُ هو العفوُ ، أو على معنى قل هوَ العفوُ . ودليلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ النحل : 24 ] . وقرأ الباقون ( الْعَفْوَ ) بالنصب على معنى : قل أنفقوا العفوَ ، ودليلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } [ النحل : 30 ] . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } أي مثل هذا البيان يبيِّن اللهُ لكم أوامرَه ونواهيه ودلائلَه في الدينِ { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا } أنَّها دارُ فناءٍ وبلاء لا يبقى إلا العملُ الصالح ، ( وَ ) في أمرِ ( الآخِرَةِ ) فإنَّها دار جزاءٍ وبقاء لا ينفعُ فيها إلا سابقُ تقوى الله عَزَّ وَجَلَّ . وقال الْمُفَضَّلُ : { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَٰتِ } فِي أمْرِ النَّفَقَةِ { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } فَتَحْبسُونَ مِنْ أمْوَالِكُمْ مَا يُصْلِحُكُمْ فِي مَعَايشِ الدُّنْيَا ، وَتُنْفِقُونَ الْبَاقِي فِيْمَا يَنْفَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى . وقال بعضُهم : معناه يبيِّن لكم الآيات في أمرِ الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرونَ في زوالِ الدنيا وفنائها ، فتزهدُوا فيها ؛ وفي إقبالِ الآخرة وبقائها فترغبونَ فيها ؛ وهذا القولُ قريب من الأول . قال الزجَّاج : ( إنَّمَا قَالَ : { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ } وَهُوَ يُخَاطِبُ الْجَمَاعَةَ ؛ وَكَانَ يَنْبَغِي أنْ يَقُولَ : كَذَلِكُمْ ؛ لأنَّ الْجَمَاعَةَ مَعْنَاهَا الْقَبيْلُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : كَذَلِكَ أيُّهَا الْقَبيْلُ ) . ويجوزُ أن يكون الخطاب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأن خطابَهُ مشتملٌ على خطاب أُمته كما قال تعالى : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [ الطلاق : 1 ] . وقد روي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ " .