Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 217-218)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } ؛ قال ابنُ عباسٍ في سبب نزولِ هذه الآية : " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ ابْنَ عَمَّتِهِ عَبْدَاللهِ بنَ جَحْشٍ قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَهُوَ أمِيْرُهُمْ ، كَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كِتَاباً ، وَقَالَ لَهُ : " إذ نَزَلْتَ مَنْزِلَتَيْنِ ، فَافْتَحِ الْكِتَابَ وَاقْرَأهُ عَلَى أصْحَابكَ ، ثُمَّ امْضِ لِمَا أمَرْتُكَ بهِ ، وَلاَ تُكْرِهْ أحَداً مِنْ أصْحَابكَ عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ " . فَسَارَ عَبْدُاللهِ حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلَتَيْنِ ، ثُمَّ فَتَحَ الْكِتَابَ فَإذَا فِيْهِ : " بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ ، أمَّا بَعْدُ : فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ بمَنِ اتَّبَعَكَ مِنْ أصْحَابكَ حَتَّى تَنْزْلَ بَطْنَ نَخْلَةَ ، فَتَرْصُدَ بهَا عِيرَ قُرَيْشٍ ، لَعَلَّكَ تَأْتِيْنَا مِنْهُمْ بخَبَرٍ . وَالسَّلاَمُ . " . فَقَالََ عَبْدُاللهِ : سَمْعاً وَطَاعَةً لأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ مَعَهُ حَتَّى وَصَلُواْ بَطْنَ نَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ فَنَزَلُواْ هُنَاكَ . فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ مَرَّ بهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي عِيْرِ لِقُرَيْشٍ فِي أوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبَ ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَظُنُّونَ أنَّهَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الأُخْرَى ، فَأَمَرَ عَبْدُاللهِ أنْ يَحْلِقُواْ رَأسَ عُكَاشَةَ لِيُشْرِفَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَيَظُنُّواْ أنَّهُمْ عُمَّارٌ فَيَأْمَنُواْ . فَفَعَلَ ذلِكَ وَأمِنَهُ الْمُشْرِكُونَ ، وَقَالَوُاْ : قَوْمٌ عُمَّارٌ لاَ بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهَُمْ . وَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِاللهِ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ بَعْضَ الْمُشْرِكِيْنَ ، وَهَرَبَ بَعْضُهُمْ إلَى مَكَّةَ ، وَاسْتَاقَ الْمُسْلِمُونَ الْعِيْرَ ، فَعَيَّرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بذَلِكَ وَقَالَواْ : اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، شَهْراً يَأْمَنْ فِيْهِ الْخَائِفُ وَيُطْلَقُ فِيْهِ الأَسِيرُ . وَوَقَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أمْرِ الْغَنِيْمَةِ " ، فَأَنْزَلَ اللهُ تََعَالَى هَذِهِ الآيَةِ ) . ويقال : لَمَّا أمرَ الله المسلمين بالقتال ، ظنُّوا عمومَ الأمر في جميع الشهور ، فسألُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرفوا ، فنَزلت هذه الآيةُ . والقولُ الأول أقربُ إلى ظاهرِ القرآن . ومعنى الآيةِ : { يَسْأَلُونَكَ } عن قتالٍ في { ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } لأن قوله : { قِتَالٍ فِيهِ } بدلٌ الاشتمال عن الشهرِ الحرام ، وقَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } أي القتالُ في الشهر الحرام عظيمُ الذنب عند اللهِ تعالى ، ثم استأنفَ الكلام فقال : { وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي منعُ الناسِ عن الكعبة أن يأتوها ويطوفوا بها { وَكُفْرٌ بِهِ } أي وكفرٌ بالله تعالى ، ويقال : بالحجِّ ، أو كفرٌ بالمسجد الحرام . وَقِيْلَ : فيه تقديمٌ وتأخير ، تقديرهُ : وصدٌّ عن سبيل الله وعن المسجدِ الحرام وكفرٌ بالله وإخراج أهل المسجدِ الحرام منه أعظمُ عقوبة عند الله من القتال في الشهرِ الحرام ، أي الكفارُ مع هذا الإحرام أولَى بالعنتِ ممن قَتل مشركاً في الشهر الحرام كما قالَ تعالى : { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } ؛ أي الشركُ بالله أعظم عقوبةً وإثماً من القتالِ . ومعنى كفرهم بالمسجدِ الحرام : أنَّ الله جعلَ المسجد الحرام للمؤمنين ولعبادتِهم إياهُ فيه ، فلما جعله الكفارُ لأوثانِهم ومنعوا المسلمين منه ، كان ذلك كفراً منهم بالمسجد الحرامِ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } ؛ معناهُ : لا يزال أهلُ مكة يقاتلونكم أيها المسلمون حتى يصرفونَكم عن دينكم الإسلام إلى دينهم الكفر إن قَدِرُوا على ذلك ، ثم حذَّر الله المؤمنين ليثبتوا على الإسلامِ فقال عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ؛ أي مَن يَرْجِعْ منكم عن دين الإسلام فيَمُتْ على كفرهِ ، { فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي التي عملوها للآخرةِ ؛ أي لا يبقَى لعمل من أعمالكم ثوابٌ يجازون به في الدارين ، الآية : { وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } مقيمون دائمونَ . والصَّدُّ والصَّرْفُ والمنعُ ، يقال : صَدَّ يَصُدُّ صَدّاً ؛ إذا صَرَفَ غيرَهُ عن الشيء ، وصَدَّ يَصِدُّ صدوداً ؛ إذا أعرضَ بنفسه . ومن قرأ ( يَرْتَدِدْ ) بدالين فهو لغةُ أهل الحجاز ، أظهروا التضعيف حذراً من التقاءِ الساكنين ، ومن قرأ ( يَرْتَدَّ ) بالتشديد فهو لغةُ بني تَميم أدغموا الحرفين من جنسٍ واحد وحرَّكوه إلى الفتحةِ . وقوله : { فَيَمُتْ } جزمَ بالعطف على ( يَرْتَدَّ ) ولو كان جواباً لكان رفعاً . وأكثرُ الأمة على أن النهيَ عن القتال في الشهر الحرام منسوخٌ ؛ نسخته سورةُ براءة ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ التوبة : 29 ] ؛ لأنَّها نزلت بعد حظرِ القتال في الشهر . فإن قيل : إذا كان نفسُ الارتداد يُحْبطُ العمل حتى يبطل حجةَ الذي أداه ، فأينَ فائدة قوله : { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } ؟ قيل : إنَّما ذكرَ الله تعالى في هذه الآية أمرَ الآخرة لا أمراً يرجع إلى إحباطِ عمله في الماضي ؛ إذ المعلومُ من حال المرتدِّ أنه إذا عاد إلى الإسلامِ والتوبة والعمل الصالح وماتَ على ذلك لا يعاقبُ في الآخرة ، فلما جمعَ الله في هذه الآية بيَّن إحباط عمله فيما يتصل بالدنيا والآخرة حتى يزولَ ثوابه إلى العقاب الدائمٍ ، كذلك شرطَ موتَه على الكفر . روي في التفسير : أنه لَمَّا نزلت هذه الآية قامَ عبدُالله بن جحش وأصحابه ؛ فقالوا : يا رسولَ الله ، أنطمعُ من ربنا أن تكون لنا هذه غزوةٌ في الجهاد ، فنَزل قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ؛ معناهُ أن الذين صدَّقوا وهاجروا من مكة إلى المدينة وجاهدُوا في محاربةِ المشركين في طاعةِ الله تعالى أهلُ هذه الصفة ، يُعطون مغفرةَ الله تعالى وجنَّته ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لِما كان منهم من القتالِ والأسرِ وأخذ الغنيمة في الشهرِ الحرامِ ، { رَّحِيمٌ } بهم حين رفعَ إثم ذلك عنهم . والْمُهَاجَرَةُ : مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْهَجْرِ ، وفي هذا الموضع هجران الموطنِ والعشيرة في رضا الله تعالى ، والهجرُ نقيض الوَصْلِ ، وأطلق اللفظ في هذه الآية على المفاعلةِ ، ويزادُ ما ذكرناه ؛ ونظيره المساعَدة : وهي ضَمُّ الرجلِ ساعدُه إلى ساعدِ أخيه بالتقوية والمعونة . وأما المجاهَدةُ : فهي بذلُ الرجل الجهدَ من نفسه مع إخوانه ، ويجوز أن يراد بذلك أنْ يبذِلَ الجهدَ في قتال عدوِّه ، وقد فعلَ العدوُّ مثل فعلهِ ، فيصير مفاعلةً . وإنَّما قال اللهُ تعالى : { أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } لأنَّ أحداً لا يعلم أنه صابرٌ إلى أنْ يبلُغَ في الطاعة كلَّ مبلَغٍ ؛ إلا بخبرِ الله تعالى أو بخبرِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا يدري لعله قَصَّرَ في شيء من الواجبات ، وما يدري ما الذي يكون منهُ وما بينه وبين موتهِ ، ولا يعلم أحدٌ من المسلمين بما يُخْتَمُ له ، خَتَمَ اللهُ لَنَا بالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ .