Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 229-230)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } ؛ قال عروةُ بن الزبير وقتادة في معنى هذه الآيةِ : ( إنَّ الطَّلاَقَ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ مَرَّتَانِ ؛ فَإنَّهُ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ) . وفي الآيةِ ما يدلُّ على هذا ؛ لأنَّ الله عَقَّبهُ بقوله : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } . وعنِ ابن عباس ومجاهدٍ : ( أنَّ الْمُرَادَ بالآيَةِ بَيَانُ طَلاَقِ السُّنَّةِ ) . وقولهُ : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ } لفظهُ لفظ الخبرِ ومعناه الأمرُ والندبُ ، وفي لفظ المرَّتين دليلٌ على أن التفريقَ سُنَّة ؛ لأن من طَلَّقَ اثنتين معاً لا يُقال طلَّقها مرتين ، وليس في هذه الآيةِ كيفيةُ سُنة التفريق . وقد فسَّره اللهُ تعالى بقوله : { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] وأرادَ بذلك تفريقَ الطلاق على إظهار العدة ؛ ألا تَرَى أنه تعالى خاطَبَ الرجالَ إحصاءَ العدة ، وذكرَ الرجعةَ في سياقِ الآية بقوله : { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [ الطلاق : 1 ] وعلى هذا قالَ صلى الله عليه وسلم لابْنِ عُمَرَ حِيْنَ طَلَّقَ امْرَأتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ : " مَا هَكَذَا أمَرَكَ رَبُّكَ ؛ إنَّمَا أمَرَكَ أنْ تَسْتَقْبلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالاً ، فَطَلِّقْهَا لِكُلِّ قَرْءٍ تَطْلِيْقَةً ؛ فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ أنْ يُطَلَّقَ فِيْهَا النِّسَاءُ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } أي عليكم إمساكهن بحُسْنِ الصحبةِ والمعاشرة إذا أردتُم الرجعةَ ، { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } أي يتركوهن حتى ينقضيَ تَمام الطُّهر ويَكُنَّ أملكَ لأنفسهن . والإحسانُ : أنْ يوفِّي الزوجُ حقَّها في المهر ونفقةِ العدَّة ؛ وأنْ لا يُطَوِّلَ العدةَ عليها . " وروي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ؛ فَقِيْلَ لَهُ : أيْنَ التَّطْلِيْقَةُ الثَّالِثَةُ ؟ فَقَالَ : " فِي قَوْلِهِ : { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } " " . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } ؛ قال ابنُ عباس : " نَزَلَتْ فِي جَمِيْلَةَ بنْتِ عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَي ابنِ سَلُولٍ وَفِي زَوْجِهَا ثَابتِ بْنِ قَيْسٍ ، كَانَتْ تَبْغَضُهُ بُغْضاً شَدِيْداً لاَ تَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَيْهِ ، وَكَانَ يُحِبُّهَا حُبّاً شَدِيْداً لاَ يَقْدِرُ عَلَى أنْ يَصْبرَ عَنْهَا ؛ وَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلامٌ ، فَأَتَتْ أبَاهَا فَشَكَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ : إنَّهُ يَضْرِبُنِي وَيُسِيْءُ إلَيَّ ! فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي إلَى زَوْجِكِ ، فَأَتَّتْهُ الثَّانِيَةَ وَبهَا أثَرُ الضَّرْب ، فَشَكَتْ إلَيْهِ فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي إلَى زَوْجِكِ . فَلَمَّا رَأتْ أنَّهُ لاَ يُشْكِيْهَا وَلاَ يَنْظُرُ فِي أمْرِهَا أتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَكَتْ عَلَيْهِ وَأرَتْهُ أثَرَ الضَّرْب بهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لاَ أنَا وَلاَ هُوَ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى ثَابتٍ وَقَالَ : " يَا ثَابتُ ، مَا لَكَ وَلأَهْلِكَ ؟ " قَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ نَبيّاً ؛ مَا عَلَى الأَرْضِ شَيْءٌ أحَبُّ إلَيَّ مِنْهَا غَيْرُكَ ، لَكِنَّهَا لاَ تُطِيْعُنِي ، فَقَالَ لَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَا تَقُولِيْنَ ؟ " فَكَرِهَتْ أنْ تَكْذِبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ : مَا كُنْتُ أُحَدِّثُكَ الْيَوْمَ حَدِيْثاً يَنْزِلُ عَلَيْكَ خِلاَفُهُ غَداً ، هَوَ مِنْ أكْرَمِ النَّاسِ لِزَوْجَتِهِ لاَ أعِيْبُ عَلَيْهِ فِي دِيْنٍ وَلاَ خُلُقٍ ، وَلَكِنِّي أبْغَضُهُ لاَ أنَا وَلاَ هُوَ . فَقَالَ ثَابتُ : قَدْ أعْطَيْتُهَا حَدِيْقَةٍ لِي ، قُلْ لَهَا فَلْتَرُدَّهَا عَلَيَّ وَأَنَا أُخْلِي سَبيْلَهَا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ وَتَمْلِكِيْنَ أمْرَكِ ؟ " قَالَتْ : نَعَمْ ، وَزيَادَةٌ . فَأَنْزَلَ اللهُ قَوْلُهُ : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } الآيَةُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أمَّا الزِّيَادَةُ فَلاَ " ثُمَّ قَالَ لِثَابتٍ : خُذْ مِنْهَا مَا أعْطَيْتَهَا وَخَلِّ سَبيْلَهَا ، فَفَعَلَ " وَكَانَ ذَلِكَ أوَّلَ خُلْعٍ فِي الإسْلاَمِ ) . ومعنى الآيةِ : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ } شيئاً مما أعطيتموهن مِن مهرٍ ولا غيرهِ ، { إِلاَّ أَن يَخَافَآ } . قال أبو عبيدٍ : ( مَعْنَاهُ : مُعَلِّماً وَمُؤَقِّتاً حَقِيْقَتُهُ ؛ أيْ إلاَّ أنْ يَكُونَ الأَغْلَبُ عَلَيْهَا عَلَى ما ظَهَرَ مِنْهُمَا مِنَ أسْبَاب التَّبَاعُدِ الْخَوفُ مِنْ أنْ لاَ { يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } وَهُوَ مَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ ) . ومَن قرأ ( يَخَافَا ) على فعلِ ما لم يُسَمَّ فاعلهُ ، كان المعنى إلا أن يَخافا عليهما أن لا يُقيما حدودَ اللهِ ، وهو ما فَرَضَ اللهُ تعالى للزوجِ على المرأةِ ، والمرأةِ على الزوجِ ، وقد يُذكر الخوفُ في معنى الْعِلْمِ كما قال أبو مِحْجَنٍ الثقفيُّ : @ إذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إلَى أصْلِ كَرْمَةٍ تُرْوي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقٌهَا وَلاَ تَدْفِنَنِي بالْفَلاَةِ فإنَّنِي أخَافُ إذَا مَا مِتُّ أنْ لاَ أذُوقُهَا @@ وأما قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } ؛ أي علمتم بغَالِب ظَنِّكُمْ أن لا يكونَ بينهما صلاحٌ ولا مقامٌ على النكاحِ . { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } ؛ أي لا حرجَ عليهما في الأخذِ والإعطاءِ . ويقال : معناهُ : لا حرجَ على الزوج أن يأخذَ ما افتدت به المرأةُ نفسَها مما أعطاها الزوجُ . قال الفرَّاءُ : ( هَذَا كَقَوْلِهِ : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وَإنَّمَا يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ أحَدِهِمَا ؛ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أرَادَ بقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } نَفْيَ الْحَرَجِ عَنِ الزَّوْجِ فِي الأخْذِ : فَأَمَّا الْمَرْأةُ فَهِيَ مُفْتَدِيَةٌ باخْتِيَارهَا وَرضَاهَا ) . وإنَّما يُباح للزوج أن يَخَلََعَهَا إذا كان النُّشُوزُ من قِبَلِ المرأة ؛ وروي عنِ ابن عباس رضي الله عنه أنه قالَ : ( لَوِ اخْتَلَعَتْ بكُلِّ شَيْءٍ لَهَا لأَخَذْتُهُ ) . وروي أن امرأةً نَشَزَتْ فرُفعت إلى عمر رضي الله عنه فأباتَها في بيتِ الزِّبْلِ ثلاثَ ليال ثم دعا بها فقالَ رضي الله عنه : ( كَيْفَ وَجَدْتِ مَبيْتَكِ ؟ ) فَقَالَتْ : مَا بتُّ لَيَالِيَ مِنْذُ كُنْتُ عِنْدَهُ أقَرُّ لِعَيْنِي مِنْهُنَّ . فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِزَوْجِهَا : ( اخْلَعْهَا ، وَلَوْ بقِرْطِهَا ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } ؛ الآية ؛ أي هذه الآياتِ المنَزَّلة من الأوامرِ والنواهي فرائضُ الله وأحكامه { فَلاَ تَعْتَدُوهَا } أي فلا تتجاوزُوها ، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ } ؛ أي مَن يتجاوز أحكامَ اللهِ ويترك ما أمرَ الله به أو يعملُ بما نَهاه ، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } ؛ الضَّارُّونَ لأنفسهم بمعصيتهم . وإذا كان النشوزُ من قِبل الزوج ، فلا يحلُّ له أخذه شيئاً منها دِيَانةً ؛ لقولهِ تعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } [ النساء : 20 ] . واختلفَ السلفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ في الْخُلْعِ ؛ هل هو طلاقٌ أو فسخٌ ؛ فذهبَ بعضهم إلى أنه فسخٌ ؛ وهي روايةٌ عنِ ابن عباس ، واستدلُّوا بظاهر هذه الآية ؛ فقالوا : إنَّ اللهَ ذَكَرَ الطلاق الثالثَ بعد هذا بقوله : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } ؛ فلو كان الخلعُ طلاقاً لجعل الطلاقَ أكثرَ من ثلاثٍ . وأكثرُ فقهاءِ الأمصار قالوا : الْخُلْعُ طلاقٌ ؛ وهو " رواية عن " عمرَ وعثمانَ وابنِ مسعود والحسن وإبراهيم النخعي وغيرهم . وليس في ظاهر الآية أنَّ الخلعَ فسخٌ ؛ لأن قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ } حكمٌ مبتدأ ؛ إذ ( الواو ) للاستئناف ؛ إلا أن يقومَ دليل الجمعِ ، فكأنَّ الله تعالى ذكرَ في أول هذه الآية حكمَ الطلاقِ بغير بدلٍ وخيَّر الزوج بين أن يُراجعها في العدةِ أو يتركها حتى تنقضي عدتُها ، ثم استأنفَ بيانَ حُكم الطلاقين إذا كان على وجهِ الخلع ، وأبَانَ عن موضعِ الحظر والإباحةِ فيها ، ثم ذكرَ حُكم الطلقة الثالثةِ بالآية التي بعد هذهِ الآية . وهذا مما يستدلُّ به على أن المختلعةَ يلحقُها الطلاق ؛ لأن عامةَ الفقهاء اتفقوا على أن تقديرَ الآية وترتيبَ أحكامها على ما وصفناهُ ؛ فحصلت التطليقةُ الثالثة بعد الْخُلْعِ . شرطٌ في إباحتها للأول ؛ إلا ما روي عن سعيدِ بن المسيب رواية شاذةً : أنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطاً ؛ وَلَمْ يُتَابعْهُ أحَدٌ عَلَى ذَلِكَ . وإنَّما جُعِلَ دخولُ الزوج الثاني بها شرطاً لمفهومِ الآية وورُود السُّنة أما مفهومُ الآية ؛ فلأنَّ الله تعالى قال : { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } والنكاحُ هو الوطء في الحقيقةِ ، وذِكْرُ الزوجِ يفيدُ العقد لاستحالة أن يكونَ زوجاً من غيرِ عقدٍ ، فكأنَّ قوله { حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا } كنايةٌ مفهمةٌ مغنية عن التصريحِ . وأمَّا السُّنَّةُ : فما " روي أنَّ رُفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأتَهُ ثَلاَثاً ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَجَاءَت إلَى رَسُولِ اللهِ تُرِيْدُ أنْ تَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " هَلْ جَامَعَكِ عَبْدُالرَّحْمَنِ ؟ " فَقَالَتْ : مَا الَّذِي مَعَهُ إلاَّ كَهُدْبَةِ ثَوْبِي هَذَا . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أفَتُرِيْدِيْنَ أنْ تَرْجِعِي إلَى زَوْجِكِ الأَوَّلِ ؟ " قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " لاَ ؛ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ " فَنَدِمَتْ عَلَى مَقَالَتِهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ طَافَ بي ، فَقَالَ : " لاَ أُصَدِّقُكِ الآنَ " " . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ } حُكم الطلاقين إذا كان على وجهِ الخلع ، وأبَانَ عن موضعِ الحظر والإباحةِ فيها ، ثم ذكرَ حُكم الطلقة الثالثةِ بالآية التي بعد هذهِ الآية . وهذا مما يستدلُّ به على المختلعةَ يلحقُها الطلاق ؛ لأن عامةَ الفقهاء اتفقوا على أن تقديرَ الآية وترتيبَ أحكامها على ما وصفناهُ ؛ فحصلت التطليقةُ الثالثة بعد الْخُلْعِ ؛ أي فإن طلَّقها الزوجُ الثاني بعدما دخلَ بها ، فلا حرجَ على المرأةِ والزوجِ الأول أن يتراجَعا ؛ بأنْ يتزوجها مرةً أُخرى بعد انقضاءِ العدَّة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } أي إن عَلِمَا بغالب ظنِّهما أنَّهما يقيمان حدودَ الله فيما بينهما ؛ لأنَّهما قد افترقَا ؛ ورأى الزوجُ وحدتهُ ورأتِ المرأة غُربتها ووحشتَها . والحكمةُ في شرط دخولِ الزوج الثاني بها : أن الطلاقَ لَمَّا كان من أبغضِ المباحات إلى اللهِ تعالى على ما وردَ به الخبرُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مِنْ أبْغَضِ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلاقَ " شرطَ اللهُ في حرمةِ الطلقة الثالثة ما يَكْبُرُ علَى الأزواجِ من غشيان غيرِ تلك المرأة ؛ حتى لا يعجلوا بالطلاقِ عند الغضب ولا يطلِّقوا إلا على وجهِ السُّنة . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ؛ أي هذه الآيةُ التي ذكرت أحكامَ الله وفرائضَه يبيِّنُها في القرآن لقومٍ يعلمون أوامرَ الله تعالى ؛ وإن ما يأتي به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صدقٌ . وتخصيصُ العلماء في هذه الآية ؛ لأنَّهم هم الذين يحفظونَ أوامر الله وأحكامَه وينتفعون بالآياتِ . وقيل : خصَّهم الله بالذكرِ على جهة النباهةِ لَهم كما خصَّ جبريل وميكائيل مِن بين الملائكة على جهة النباهةِ لهما .