Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 231-231)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } ؛ نزلت في ثابتِ بن يسار الأنصاري ؛ طلَّقَ امرأتَه حتى إذا انقضَتْ عدَّتُها إلاَّ يومين أو ثلاثة ؛ وكادت تَبيْنُ منه راجَعها ، ثم طلَّقها ففعل بها مثل ذلك ، حتى مضت لها سبعةُ أشهر مُضَارّاً لها بذلك . وكان الرجلُ إذا أراد ان يُضَارَّ امرأتَه طلَّقها ثم تركها حتى تحيضَ الثالثة ، ثم راجعها ، ثم طلَّقها فتطولُ عليها العدة ، فهذا هو الضِّرَارُ ؛ فأنزلَ اللهُ هذهِ الآية . ومعنى الآية : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } تطليقةً أو تطليقتين { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي قاربنَ وقتَ انقضاء العدَّة { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي احبسوهُنَّ بالرجعةِ على أحسنِ الصُّحبة ، لا على تطويلِ العدَّة ، { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي اتركوهن بمعروفٍ حتى ينقضي تَمامُ أجلهن ، { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } أي لا تحبسوهنَّ في العدةِ إضراراً { لِّتَعْتَدُواْ } عليهن ؛ أي تظلموهُن . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ؛ أي من يفعل ذلك الاعتداء فقد عرَّضَ نفسه لعذاب الله بإتيانِ ما نَهى الله عنه ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُسْلِماً أوْ مَاكَرَهُ " . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } ؛ أي لا تتركوا ما حدَّ الله لكم من أمرِ الطلاق وغيرهِ فتكونوا مقصِّرين لاعبين . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأتَهُ أوْ يُعْتِقُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَقُولُ : إنَّمَا كُنْتُ لاَعِباً ، فَيَرْجِعُ فِي الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ طَلَّقَ لاَعِباً أوْ أعْتَقَ لاَعباً فَقَدْ جَازَ عَلَيْهِ " أي نَفَذَ عليه . وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ : " ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : الطَّلاَقُ ، وَالْعِتَاقُ ، وَالنِّكَاحُ " وفي بعضِ الروايات : " الطَّلاَقُ ، وَالْنِّكَاحُ ، وَالرَّجْعَةُ " وروي في الخبرِ : " خَمْسٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : الطَّلاَقُ ، وَالْعِتَاقُ ، وَالرَّجْعَةُ ، وَالنِّكَاحُ ، وَالْنَّذْرُ " . وعن أبي موسى الأشعريِّ قال : " غَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأَشْعَرِيِّيْنَ ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، غَضِبْتُ عَلَى الأَشْعَرِيِّيْنَ ؟ قَالَ : " يَقُولُ أحَدُكمْ لامْرَأتِهِ : قَدْ طَلَّقْتُكِ ، ثُمَّ يَقُولُ : قَدْ رَاجَعْتُكِ ، لَيْسَ هَذَا طَلاَقُ الْمُسْلِمِيْنَ ، طَلِّقُواْ الْمَرْأةَ فِي قُبُلِ طُهْرِهَا " وقال الكلبيُّ : ( مَعْنَى { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } أيْ أمْسِكُواْ بمَعْرُوفٍ أوْ سَرِّحُواْ بإحْسَانٍ ) . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } ؛ أي احفظوا مِنَّة الله عليكم في أمر الدين . وقيل : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالإيمانِ ، { وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } يعني القرآنَ ، { وَٱلْحِكْمَةِ } يعني مواعظَ القرآنِ والحدودَ والأحكامَ . وقيل : الحكمةُ هي فِقْهُ الحلال والحرامِ . وقوله : { يَعِظُكُمْ بِهِ } أي ينهاكم عن الإضرار وسائر المعاصي . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ؛ أي اخْشَوْهُ فيما أمرَكم به ونَهاكم عنهُ ، { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ } من أعمالِكم من العدلِ والجور ، { عَلِيمٌ } أي عالِمٌ يَجْزِيْكُمْ على الخيرِ والشر . ومِن الناسِ من يحتجُّ بقوله : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } [ البقرة : 229 ] في إيجاب الفرقة بين الْمُعَسِرِ العاجزِ عن النفقة وبينَ امرأتهِ ؛ لأنَّ الله خيَّرهم بين أحدِ شيئين ؛ فإذا عجزَ عن أحدهما تعيَّن عليه الثاني . قُلْتُ : هذا الاحتجاج بعيدٌ من الآية ؛ لأن العاجزَ عن نفقة المرأة مُمسِكٌ بالمعروف إذ لَم يكلَّفْ الإنفاقَ في هذه الحالة ، قال اللهُ تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا } [ الطلاق : 7 ] وغيرُ جائز أن يقال للمعسرِ : غيرُ مُمسكٍ بالمعروف ؛ إذ تركُ الإمساك بالمعروفِ ذمٌّ ؛ والعاجز غيرُ مذموم .