Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 249-249)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } ؛ الآية ، أي فلما خرجَ طالوتُ من البلد { بِٱلْجُنُودِ } يعني خرج بهم من بيتِ المقدس وهُمْ سبعون ألفَ مقاتلٍ ؛ وقيل : ثَمانون ألفاً ، ولم يختلَّف عنه إلا كبيرٌ لهرمهِ أو مريضٌ لسقمِه أو ضريرٌ لضررهِ أو معذورٌ لعذره . وذلك أنَّهم لَمَّا رأوا التابوت قالوا : قد أتانا التابوتُ وهو النصرُ لا شكَّ فيه ، فسارعوا إلى الجهاد ، فخرجَ معهُ خَلْقٌ كثير ؛ فقال : لا حاجةَ لي في كلِّ ما أرى ، ولا أبتغي إلا كلَّ شابٍّ نشيطٍ فارعٍ ، ولا يخرجُ معي صاحبُ تجارة ولا رجلُ عليه دَين ، ولا رجلٌ تزوجَ امرأةً لم يَبْنِ بها ؛ لأنَّهم يكونون مشغولين . فاجتمعَ إليه ثَمانون ألفاً من شرطهِ . فخرجَ بهم في حرٍّ شديد ، فأصابَهم العطشُ ؛ فسألوا الماءَ ؛ فقال لهم طالوتُ : { إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } أي مُخْتَبرُكُمْ بنهرٍ جارٍ ؛ وهو نَهر الأردن وفلسطين ؛ ليرى طاعتَكم وهو أعلمُ ؛ { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } ؛ أي فليسَ من أهل دِيني وطاعتي ، وليسَ معي على عدوِّي ، { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } ؛ أي ومن لم يشربه ، { فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } ؛ ومعي على عدوِّي ، وقد يطلقُ لفظ الطعمِ على الشرب ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } [ المائدة : 93 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ } ؛ قرأ ابنُ عباس وأبو الجوزاء وابنُ كثير وشيبة ونافعُ وأبو عمرٍو وأيوبُ : ( غَرْفَةً ) بفتح الغين ، وقرأ الباقون بضمِّها ؛ وهي قراءةُ عثمان ، وهما لُغتان . قال الكسائيُّ : ( الغُرْفَةُ بالضَّمِّ : الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْكَفِّ مِنَ الْمَاءِ إذا غُرِفَ . وَالْغَرْفَةُ بالْفَتْحِ الاغْتِرَافُ ، فَالضَّمُّ اسْمٌ وَالْفَتْحُ مَصْدَرٌ ) . وقال أبو حاتم : ( الغُرْفَةُ بالضِّمِّ : مِلْئُ الْكَفِّ وَمِلْئُ الْمَغْرَفَةِ ، وَبالْفَتْحِ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْقَلِيْلِ وَالْكَثِيْرِ ) . قال الكلبيُّ ومقاتل : ( كَانَتِ الغُرْفَةُ لَيَشْرَبَ مِنْهَا الرَّجُلُ وَخَادِمُهُ وَدَابَّتُهُ ) . قيل : ابتلاهُم اللهُ بذلك النهر ليميِّزَ الصادقَ من الكاذب ، وكان أشمويل هو الذي أخبَر طالوتَ بذلك ؛ لأنَّ الله تعالى : { فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } [ الجن : 26 - 27 ] فلا يجوزُ هذا القول إلا من نَبيٍّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } ؛ نصبَ { قَلِيلاً } على الاستثناءِ . قرأ ابنُ مسعود : ( إلاَّ قَلِيْلٌ ) بالرفعِ ، كقول الشاعرِ : @ وَكُلُّ أخٍ مُفَارقُهُ أخُوهُ لَعَمْرُو أبيْكَ إلاَّ الْفَرْقَدَانِ @@ ومعنى الآية : أنه لَمَّا عُرض لهم النهرُ وقد اشتد بهم العطشُ ؛ وقعوا فيه فشربوا كلُّهم أكثرَ من غُرفة إلا قليلاً منهم ؛ وهم ثلاثُمائة وثلاثة عشرَ رجلاً كعدَّة أهل بدرٍ ، قالَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ لأَصْحَابهِ : " أنْتُمْ عَلَى عَدَدِ أصْحَاب طَالُوتَ " . قالوا : فمَنِ اغترفَ غُرفة قويَ وصحَّ إيْمانه وعبَر النهرَ سالماً لكفتْهُ تلك الغرفة الواحدة لشربهِ وخادمهِ ودوابه . وأما الذين أخذُوا أكثرَ من ذلك وخالفوا اسودَّت شفاهُهم واشتدَّت عَطْشَتُهُمْ فلم يَرْوَوْا وبقَوا على شطِّ النهر وجَبُنُوا عن لقاءِ العدوِّ ولم يشهدُوا الفتحَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } ؛ يعني لَمَّا جاوزَ طالوتُ النهرَ هو والذين صدَّقوه وهم القليلُ الذين لم يشربوا إلا مقدارَ الغُرفة ، { قَالُواْ } ؛ أي قال الذين شَرِبوا وخالفوا أمرَ الله وكانوا أهلَ شركٍ ونفاقٍ : { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } ؛ وانصرفوا عن طالوتَ ولم يشهدوا قتالَ جالوتَ . قال بعضُ المفسرين : إن القوم كلَّهم جاوزوا النهرَ ، ثم إن الذين خالفوا في الشرب من النهر اعتزلُوا من المطيعينَ و { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ؛ معناه : قال الذين يوقنونَ ويعلمون أنَّهم مُلاقو اللهَ ؛ وهم القليلُ الذين ثَبَتوا مع طالوتَ ، { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ } أي كم مِن فرقةٍ قليلة قهرت فرقةً عدتُها كثيرة بأمرِ الله ونصرتهِ ، وكانت فئةُ جالوتَ مائة ألفٍ . والفئةُ جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } ؛ أي معهم بالنصرِ والمعونةِ .