Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 250-251)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً } ؛ معنَاها : لَمَّا خرجُوا واصطفُّوا لِمحاربةِ جالوتَ وجنوده ، قالوا : ربَّنا أصْببْ علينا الصَّبْرَ صَبّاً ، { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } ؛ في أماكِنها في الحرب بتقويةِ قلوبنا ، { وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } ؛ أي أعِنَّا على قومِ جالوتَ بإلقاء الرُّعب في قلوبهم ، { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ؛ في هذا الحالِ ؛ لأنَّ ذكرَ الهزيْمةِ بعد سؤالِ النصر يدلُّ على إجابةِ الدعاء ، كأنَّ الله تعالى قال : فاستجابَ اللهُ دعاءَهم فهزموهُم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } ؛ قال المفسرونَ : لَمَّا عبرَ طالوتُ ومن معه النهرَ ، كان من جُملة من عبَر معهم أبو داودَ عليه السلام واسْمهُ إيشا في ثلاثةَ عشر ابناً له وكان داودُ أصغرَهم ، ثم إنَّ جالوت أرسلَ إلى طالوت : أنْ أرسِلْ إلَيَّ مَن يقابلني ، فإنْ قتلنِي فلكم مُلكي ، وإن قتلتهُ في ملكُكم . فشُقَّ ذلك على طالوتَ ونادى في عسكرهِ : مَن قتلَ منك جالوتَ زوَّجتهُ ابنتي وأعطيتهُ نصفَ مملكتِي ، فلم يُجِبْ أحدٌ منهم وَهَابَ الناسُ جالوتَ ، فسألَ طالوتُ نبيَّهم أن يدعو اللهَ ، فدعا اللهَ تعالى ، فأتى بقرنٍ فيه دهنٌ فقيل لهُ : إن صاحبَكم الذي يقتلُ جالوت هو الذي يَضَعُ هذا القرنَ على رأسهِ فيغلِي الدهنُ ، فدعا طالوتُ بني إسرائيل فجرَّبَهم ، فلم يوافق ذلك منهم أحدٌ ، فأوحى الله إلى نبيِّهم أنَّ في أولاد إيشا مَن يقتلُ جالوتَ ، فدعا طالوتُ إيشا وقال لهُ : اعرضْ عليَّ أولادَكَ ، فأخرجَ له اثنا عشر رجلاً أمثال الاسطواناتِ ، وفيهم رجلٌ فارع عليهم ، فجعل يعرِضُهم على القرنِ ، فلم يَرَ شيئاً ، فلم يزل يردِّدُ القرنَ على ذلك الجسيمِ حتى أُوحى إليه أنَّا لا نأخذُ الرجالَ على قدر صورهم ، بل على إصلاحِ قلوبهم ، فقُل لإيشا : هل لكَ ولدٌ غيرُهم ؟ فقالَ : لاَ ، فقال : رَب إنه زعمَ أنه لا ولدَ له غيرهم ، فقال : كَذَبَ . فقال له : إنَّ ربك كذَّبَك ، فقال : صدقَ اللهُ ، إن لي ابناً صغيراً يقال له داودُ اسْتَحَيْتُ أن يراهُ الناس لقِصَرِ قامته وحقارتهِ ، فجعلتهُ في الغنم يرعى وهو في شِعْب كذا ، وكان داودُ عليه السلام قَصِيراً مشقاً أزْرَقاً ، فخرجَ طالوتُ في طلبه ، فوجدَ الوادي قد سَالَ بينه وبين الزريبةِ التي كان يريحُ إليها الغنمَ ، فوجده يحملُ شاتين يجوزُ بهما السيلَ ولا يخوضُ بهما الماءَ ، فلما رآهُ قال : هذا هوَ لا شكَّ فيه ، هذا يرحمُ البهائمَ فهو بالناس أرحمُ . فدعاه فوضعَ القرنَ على رأسه ؛ ففاضَ ، قال : هل لكَ أن تقتلَ جالوت وأزوِّجُك بابنتي وأعطيكَ نصف مملكتي ، قال : نَعَمْ ، قال له : فهل جرَّبت نفسكَ في شيء ، قال : نعم ؛ وقعَ الذئبُ في غنمي فضربتهُ ثم أخذتُ برأسه وجسدهِ وقطَعت رأسه من جسدهِ ، فقال له طالوتُ : إن الذئبَ ضعيفٌ ، فهل جربتَ نفسكَ في غيره ، قال : نعم ؛ دخلَ الأسدُ في غنمي ؛ فضربتهُ وأخذت بلحييه فشققتُهما . فمضى به طالوتُ إلى عسكرهِ ، فمرَّ داود بثلاثةِ أحجارٍ فقُلْنَ له : خُذْنَا معك ففينا مِيْتَةُ جالوتَ ، فأخذَهُنَّ ثم مضَى . فلما تصافَّوا للقتال وبَرَزَ جالوتُ وسأل المبارزةَ ، انتدبَ إليه داودُ ، فأعطاهُ طالوتُ فرساً ودِرعاً وسلاحاً ، فقال داودُ : إنِّي لم أتعود القتال بهذا ، ولكني أقاتلهُ بالْمِقْلاَعَةِ كما أريدُ ، فأخذَ داود الْمِقْلاَعَةَ ومضَى نَحْوَ جالوتَ . وكان جالوتُ من أشدِّ الناس وأقواهم ، وكان له بيضةٌ هي ثلاثُمائة رَطْلٍ من حديدٍ ، فلما نظرَ إلى داود ألقى في قلبهِ الرعبُ ، وكان جالوتُ على فرسٍ أبلقَ عليه السلاحُ التامُّ ، قال : بَرَزْتَ إليَّ بالمقلاعة والحجرِ لتقتلني كما تقتلُ الكلبَ ، قال : نَعَمْ ، لأنك شرٌّ من الكلب . قال جالوتُ : لا جَرَمَ لأقْسِمَنَّ لَحْمَكَ بين سِباع الأرضِ وطيور السماءِ . فقال داود : بل يُقَسِّمُ اللهُ لحمك ، ثم قال داودُ : باسم إلهِ إبراهيمَ ، وأخرجَ حجراً ووضعهُ في مِقْلاَعَتِهِ ، ثم أخرجَ الحجرَ الثاني وقال : باسمِ إلهِ إسحقَ ؛ ووضعهُ في مِقْلاَعَتِهِ ، ثُم أخرجَ الحجرَ الثالث ، وقال : باسْمِ إلهِ يعقوبَ ؛ ووضعهُ في مقلاعته ، فصارت كلُّها حَجَراً واحداً ودوَّر الْمِقْلاَعَ ورمى به ، فأصابَ الحجرُ أنفَ البيضةِ وخلطَ دِماغه وخرج من قَفَاهُ ، وقتلَ من ورائه ثلاثين رجلاً ، وهزمَ اللهُ الجيش وخرَّ جالوتُ قتيلاً . فأخذهُ داود وجرَّه حتى ألقاهُ بين يدي طالوت ثم قال له : أنْجِزْنِي ما وعدتَني وأعطنِي امرأتِي ، فقال له طالوتُ : أتريد ابنةَ الملكِ بغير صَدَاقٍ ، قال : ما شرطتَ عليَّ صِداقاً ، وليس لي شيءٌ . فزوَّجهُ ابنتهُ ، وأراد أن يدفعَ إليه نصفَ ملكهِ فقال له وزيرٌ : إنْ دفعتَ إليه ذلك نازعَك في الْمُلْكِ وأفسدَ عليك مُلكك ، فامتنعَ طالوت من ذلك وقصدَ قتلهُ ، فهرب داودُ عليه السلام فندمَ طالوت فخرج في طلبهِ حتى أتى على امرأةٍ من قدماء بني إسرائيل وهو يبكي على داودَ ، فضربَ بابَها ؛ فقالت : مَن هذا ؟ قال : أنا طالوتُ ، قالت : أنتَ أشقى الناس ؛ طردتَ داودَ وقد قتلَ جالوت وهزمَ جنوده ، قال : إنَّما أتيتكِ لأسألكِ ما توبتي ؟ قالت : توبتكَ أن تأتي مدينةَ كذا وتقاتُلَ أهلها ، فإن فتحتَها فهي توبتُك ، وإن قُتلت فهي عقوبَتُك . فانطلقَ طالوتُ إلى تلك المدينة فقاتلَ أهلها حتى قُتل . فاجمعَ بنو إسرائيل فملَّكوا داودَ عليه السلام من بعدهِ . فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ } ؛ أي جمعَ له بين الملكَ والنبوَّة . والحكمةُ هي النبوَّةُ ، ولم يجتمع كِلاهما لأحدٍ إلا لداودَ وسليمانَ عليهم السلامُ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } ؛ أي علَّمَه الدروعَ ومنطقَ الطير وغيرَ ذلك من العلومِ ، { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } ؛ أي ولولا دفعُ الله بَأْسَ المشركين بالغزاةِ والمجاهدين كما دفعَ بداود شرَّ جالوت لفسدت الأرضُ بأهلها لغلبةِ الكفار . وقيل : معناهُ : لولا الأنبياءُ صلواتُ الله عليهم الدَّاعون إلى سبيلهِ الناهونَ عن الفسادِ ؛ لفسدت أحوالُ الناس . روي في الخبرِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " يَقُولُ اللهُ تَعَالى : لَوْلاَ رجَالٌ رُكَّعٌ ؛ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمٌ رُتَّعٌ ؛ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبّاً " وقال الحسنُ : ( يَزَعُ اللهُ بالسُّلْطَانِ أكْثَرَ مِمَّا يَزَعُ بالْقُرْآنِ ، وَلَوْلاَ السَّلاَطِيْنُ وَالأُمَرَاءُ الْمُسَلَّطُونَ عَلَى الْعَيَّاريْنَ وَالدَّعَارَةِ لَخَرَجُواْ عَلَى أهْلِ الصَّلاَحِ فَاسْتَوْلُواْ عَلَيْهِمْ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ } من قرأ ( دِفَاعُ ) فهو مِن قولهم : دَافَعَ مُدَافَعَةً وَدِفَاعاً ؛ والدَّفْعُ : الصَّرْفُ . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } ؛ ذو مَنٍّ عليهم يدفعُ المفسدينَ عنِ المصلحينَ .